من أكبر القبائل الأفريقية وأكثرها تأثيراً.. من هي قبيلة "الهوسا"؟
الكثيرون من شعب الهوسا الحضريّين يعتنقون الإسلام، ويشتهرون بالحنكة الاجتماعية والاقتصادية، فمن هم أبناء أكبر القبائل الأفريقية؟
تعتبر قبيلة الهوسا من أكبر القبائل في العالم، إذ تتواجد في العديد من الدول الأفريقية وبعض الدول العربية، وأهم هذه الدول؛ نيجيريا والنيجر والكاميرون وغانا وتشاد والنيجر ومالي بالإضافة إلى ساحل العاج والسودان وتوغو والغابون والسنغال.
ووصل تعداد أفراد قبيلة الهوسا في تلك الدول وغيرها قرابة 100 مليون نسمة حتى عام 2013، يسكن 30% من أفرادها في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من نيجيريا.
نيجيريا والنيجر.. مهد التأسيس
أسس الهوسا 7 ممالك من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الثالث عشر وذلك في المنطقة التي تعرف الآن بجنوب النيجر وشمال نيجيريا، ويعتبرون هذه المنطقة مهداً لهم (شمال نيجيريا وجنوب النيجر).
وتعتبر الفترة من عام 1000 إلى 1500 للميلاد العصر الذهبي بالنسبة لتطور منطقة غرب أفريقيا حيث كانت فترة توسّع وازدهار تجاري بين المدن والدول والإمبراطوريات.
ويشير التاريخ القديم لدولة الهوسا إلى أنها تشكّلت في عام 999م على يد الملك كانو، حيث كانت تضم مجموعات صغيرة من المستوطنات تحوّلت فيما بعد إلى مدن ودول، وفي عام 1500 أصبحت زاريا أقوى دول الهوسا.
وتشكّل قبائل الهوسا رابطاً إثنياً بين نيجيريا والنيجر حتى وقتنا الحالي، حيث تشكّل الـ "هوسا" غالبية السكان في النيجر ونيجيريا، وتؤدي دوراً عبر الحدود بين البلدين، فهي تخفّف الكلف المقدّرة للتجارة عبر الحدود بصورة كبيرة، وفجوات الأسعار أصغر بين مناطق الهوسا في النيجر ونيجيريا من الأسواق العابرة للحدود التي لا تلتقي في تكوين إثني مشترك.
الهوسا في السعودية
واجتذبت منطقة الجزيرة العربية، منذ فترة طويلة، المهاجرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك المجتمعات المسلمة في أقصى الغرب مثل حوض النيجر، لذا فإن قبائل الهوسا، رغم أنها أقلية هناك، لكنها تسجّل وجوداً في المملكة العربية السعودية.
وتحدث الهجرات من غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى إلى منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية منذ فجر الإسلام، حيث وصل الكثيرون كحجّاج وقرّروا البقاء، وآخرون اندمجوا مع السكان المحليين.
والهوساوي في السعودية هم من نسل الموجة الأولى من مهاجري الهوسا إلى منطقة الحجاز، فيما كانت هناك مجتمعات أخرى في غرب أفريقيا، مثل الفولاني والكانوري، والذين هاجروا أيضاً ويعرفون في السعودية بأسماء فلاتا وبرناوي على التوالي.
وكان هناك أيضاً مهاجرون من الهوسا لم يصلوا إلى الحجاز، فأولئك الذين لم يصلوا إلى مسقط رأس الإسلام استقروا على طول الطريق المؤدي إلى شبه الجزيرة العربية، ويمكن العثور عليهم بأعداد كبيرة في السودان، وفي جنوب غرب إريتريا، حيث يعرفون باسم توخارير.
وقد لا يعتبر أبناء قبيلة الهوسا من السكان الأصليين في السعودية، حيث يرون أن الإسلام قد عرّبهم، ويمكن أن يُعزى جزء من ذلك إلى دورهم في تشكيل الدولة السعودية الحديثة.
الدور السياسي لـ"الهوسا"
للهوسا باع كبير في "الثورة المهدية" في السودان عام 1880 وما بعدها، فقد دخلوا من غرب السودان وصولاً إلى وسطه في إقليم كردفان، وفيهم من قاتلوا مع المهدي ضد القوات البريطانية في معركة شيكان (معركة الأبيض) عام 1883، والتي انتصر فيها المهديون.
ومن أمراء الهوسا في الثورة المهدية القائد مندي أبو دقن الهوساوي الذي ساهم في محاربة الإنكليز، إلى جانب القائد أبو التيمان الذي قاد حلف المسراب بمدينة "العباسية تقلي" عاصمة مملكة تقلي الإسلامية الواقعة في جبال النوبة، وهو الحلف الذي شكّل دفعة قوية لانتصارات المهدي.
وخلال الحقبة الاستعمارية، أنشأ البريطانيون واحدة من أكبر شبكات الري في العالم بين النيل الأزرق والنيل الأبيض. وعندما بدأ المشروع والذي أطلق عليه مشروع الجزيرة عام 1911، استُخدم الأفارقة القادمون من غرب أفريقيا لسببين، الأول قدرتهم على العمل ورغبتهم فيه لجمع المال الكافي لإكمال رحلتهم إلى الحجاز وأداء فريضة الحج، والثاني رغبة المستعمر في إحداث تغيير ديموغرافي في السودان، على نطاق واسع في زراعة القطن الذي من أجله أقيم مشروع الجزيرة.
وبعد أن ألغى البريطانيون العبودية في المنطقة عام 1924، واجه مشروع الجزيرة - الذي توسّع اليوم إلى مساحة تزيد على مليوني فدان (أكثر من 900 ألف هكتار) - نقصاً في القوى العاملة، وكان أحد الحلول التي توصّلت إليها الإدارة الاستعمارية حينها، هو توظيف 3 آلاف شخص من الهوسا للعمل في المشروع وتشجيعهم على الاستقرار، وكان الاستعمار البريطاني يحاول من خلال ذلك تحقيق أمرين، تزويد مصانعه بالقطن السوداني، والعمل على إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة يسمح له باستمرار السيطرة عليها.
وسمح هذا لمجتمع كبير من قبيلة الهوسا بالاستيطان في المنطقة، لكن منذ البداية، كان السكان الأصليون حذرين من التوطين الدائم لهذه القبيلة في مناطقهم، وتبع ذلك في عام 1948 قوانين صارمة تقيد الحصول على الجنسية.
الهوسا والإسلام
عرفت الهوسا الإسلام في عام 1500 على أيدي التجار المسلمين، الذين قدموا إلى هذه المناطق من مالي وبرنيو وغينيا.
وبعد انتشار الإسلام، كَثُرت وفود العلماء إليها للدعوة ونشر الإسلام وتصحيح العقيدة بين أهلها، فقاموا بإنشاء عددٍ كبيرٍ من المساجد كمراكز لنشر الدعوة الإسلاميّة في هذه الإمارات وما حولها من المناطق الأخرى، ونجحوا في القضاء على الوثنيّة التي كانت منتشرة بين السكّان قبل دخولهم في الإسلام.
ويتبع الهوسا التقويم الإسلامي السنوي، وتكون عطلاتهم الرسمية وفقاً له، مثل عيدي الفطر والأضحى، وذكرى مولد النبي محمد (ص)، إضافة إلى احتفالهم بالأعياد الوطنية للدول التي ينتمون إليها.
ويسمّي الهوسا أطفالهم وفق الطريقة الإسلامية، حيث يحرصون على تسمية محمد، لهذا يبدأ غالبهم بتسمية ابنه محمد ثم يضيف إليه اسماً آخر، أو يضيف إليه كلمة الأول أو الثاني.
ويدرّس شعب الهوسا أبناءهم القرآن، ويتمون حفظه عادة في سن الثالثة عشرة، كما يقيمون حفلات الزفاف وفق العادات والضوابط الإسلامية، وعادة ما يكون عقد القران في المسجد، كما يقيمون طقوس الدفن وفق الشريعة الإسلامية، غير أن الزوجات يبكين أزواجهن ثلاثة أشهر، على خلاف ما يقره الإسلام.
ثقافة شعوب الهوسا
تعتبر لغة الهوسا هي اللغة الأم لهذ القبائل، وتكتب بأحرف عربية، وهي اللغة الرسمية في شمال نيجيريا، لكن لغات أخرى مثل الفرنسية أو الإنكليزية تعد لغات رسمية للبلدان التي يوجدون فيها.
وتنتمي لغة الهوسا إلى الفرع التشادي للغات الأفرو-آسيوية في أفريقيا، وربع مفرداتها مشتق من اللغة العربية، كما دمجت فيها بعض المصطلحات بلغات الفولاني والكانوري، إضافة إلى اللغة الإنكليزية.
وللغة الهوسا خمس لهجات رئيسية في شمال نيجيريا، ويمكن للعديد منهم الحديث باللغة الفرنسية أو الإنكليزية، أو العربية.
وتعد الموسيقى جزءاً هاماً في حياة أبناء قبائل الهوسا، وغالباً ما تقوم النساء بالغناء خصوصاً في مواسم الجفاف.
وفيما يتعلق بملابس أهالي الهوسا وتصميمها، فإنها تكون من الأزياء نفسها التي تنتشر في غرب أفريقيا، ويعتمِد اللباس التقليدي لنساء الهوسا على تنوّع كبير في التصميم والنسيج والزركشة، ويتكوّن الزي النمطي للمرأة هناك من "لفاع" وبلوزة وربطة للرأس ورداء واسع يستخدم لتغطية الجسم والرأس، فيما يعتمِد حجم الزركشة على ذوق المرأة ودخلها، أما الرجال فيلبسون الزي الفضفاض (العباءات).
ويحترف أفراد الهوسا الزراعة والصيد مما جعلهم رأس الرمح بكافة المشاريع الحيوية في نيجيريا والنيجر وتشاد وفي السودان، حيث يزرع القطن والقمح وغيرهما من المحاصيل.
ويعمل الآلاف من أبناء الهوسا في المشاريع الزراعية بولاية القضارف شرقي السودان، إذ يزرعون السمسم والذرة بكثافة، كما تعمل أعداد كبيرة منهم في أماكن متفرقة بولايات سودانية أخرى.
وتُعتبر رياضتا المصارعة والملاكمة من الرياضات الشعبية عند الهوسا، ويشكّل المصارعون مجموعات مميزة، ويتم التعرّف إليهم من خلال الزي وتسريحات الشعر المختلفة.
ويستدعى الناس إلى الساحات أو الأسواق لمشاهدة المباريات، وسماع الموسيقى والطبول التي تقرع لزيادة الحماس في المنافسة، وتستخدم جرعات سحرية تسمى "ماجاني" لتحسين أداء اللاعبين.