معركة الرأي العام العالمي في ظلّ العدوان على غزة والبروباغندا الصهيونية.. كيف ننتصر لفلسطين إعلامياً؟
الميادين نت أجرى مقابلة مع مدير معهد التدريب والبحوث الإعلامية في الجامعة اللبنانية الأميركية، د. جاد ملكي، لبحث كيفية قراءة المشهد الإعلامي العالمي الراهن، وما أبرز ما يمكن فعله في هذا الصدد لدعم فلسطين ومقاومتها وشعبها ومواجهة الاحتلال وسرديته وعدوانه.
في ظلّ العدوان غير المسبوق الذي تتعرض له فلسطين المحتلة وقطاع غزة بشكل خاص، ومع تشدد التحالف السياسي الدولي لمواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، بقيادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تبنت الحكومات الغربية بشكل كامل السردية الصهيونية وحاولت عبر إعلامها تعميمها على شعوبها.
ولكن، وفي مواجهة هذا المسعى التضليلي للرأي العام العالمي، برز دور الإعلام الرقمي البديل ووسائل التواصل بشكلٍ كبير في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، وهذا ما ظهر في المظاهرات الهائلة التي عمّت الدول الأوروبية والأميركية والمدن العالمية، مستنكرة العدوان العنصري والإبادة الجماعية التي يتعرّض لها أهل غزة والفلسطينيون.
وقد انسحب الحراك المؤيد لفلسطين إلى مختلف أرجاء المجتمع ومؤسساته، فارتفع بشكلٍ غير مسبوق حجم التأييد في الأوساط الرياضية لفلسطين وشعبها، كما تمدد إلى داخل الأروقة الصحافية والأكاديمية والفنية وحتى السياسية، حيث استقال عدد من المسؤولين في إدارات عدة بينها الخارجية الأميركية، رداً على سياسات تأييد الاحتلال في مجزرته المستمرة في القطاع.
وفي إطار ما يجري في فلسطين والمنطقة وانعكاساته على العالم، أجرى الميادين نت مقابلة مع د. جاد ملكي، مدير معهد التدريب والبحوث الإعلامية في الجامعة اللبنانية الأميركية، لبحث كيفية قراءة المشهد الإعلامي العالمي الراهن، وما أبرز ما يمكن فعله في هذا الصدد لدعم فلسطين ومقاومتها وشعبها ومواجهة الاحتلال وسرديته وعدوانه.
لمشاهدة المقابلة كاملة عبر يوتيوب اضغط هنا
كيف تقرأ المشهد الإعلامي العالمي والعربي في ظلّ العدوان والجرائم ضد الإنسانية في غزة؟
على صعيد وسائل الإعلام السائدة والتقليدية في العالم العربي، فإنّ أكثرية المؤسسات الإعلامية العربية تتبع حكوماتها وسياساتها، بينما برز دور العديد من المحطات ووسائل الإعلام في هذه الحرب في تغطية الأحداث في فلسطين وجنوب لبنان بصدق وشفافية وفضح ما يقوم به الاحتلال، ومناصرة الشعوب.
وللأسف في المقابل يوجد وسائل إعلام عربية تناصر سردية الاحتلال وتشجع على المجازر بحق الشعب الفلسطيني، كما حصل على إحدى المحطات منذ أيام؛ وفي موازاة ذلك تصرّ بعض المحطات على تغييب الحدث الفلسطيني وعدم التركيز عليه، وعند تغطية الحدث بشكل عابر تميل بشكل كبير إلى السردية الغربية في مقاربة الوضع، متماهية في ذلك مع العديد من وسائل الإعلام الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تصرّ بشكل خاص على تغييب سياق المعركة وإهمال 75 سنة من الإرهاب الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وتصوير الإسرائيلي كمدافع عن أمنه.
يتحدث نعوم تشومسكي عن 5 "فلاتر" لما يمكن أن يتبناه الخطاب الإعلامي الغربي والأميركي بالتحديد، ومن دون وعي هذه المعايير لا يمكن فهم كيف يصنع الخطاب الأميركي تجاه الرأي العام، وهي ملكية وسائل الإعلام، الإعلانات ومصادر الدخل، مصادر المعلومات، تشكيل جبهات لمهاجمة وتهميش أي معارضة جدية للخطاب العام والسائد، وخلق عدو دائم للرأي العام يكون مصدر خوف ورعب للجمهور.
ولكن اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا هناك أصوات رسمية تكسر هذا الحظر وتحقق اختراقات في هذه القيود وتحرج السياسيين في بلدانهم، عبر فضح التضليل ونشر الحقائق، مستغلين هامش وسائل التواصل.
صحافة الهاتف والإعلام الشعبي الفلسطيني
من 75 سنة لم يكن من الممكن نقل صور وبشاعة مجازر دير ياسين وغيرها بسهولة مثلاً، أما اليوم فلم يعد هناك مجال للشك في ارتكاب العدو لمجازر بحق الإنسانية وإبادة جماعية في غزة، وفي عقليته العنصرية والمبنية على الفوقية البيضاء.
وبالتالي أصبح مؤيدو الاحتلال عاجزين عن التشكيك في هذا الإجرام الصهيوني، وانتقلوا إلى مرحلة تبني هذه الجرائم والدفاع عن حقهم في ارتكابها، ما يفضح صورتهم أمام شعوب الأرض ويترك آثاراً ضخمة على صورتهم في المستقبل.
كيف نواجه الخوارزميات؟
نشهد اليوم تقييداً أقل على منصة إكس (تويتر) ومنصات أخرى كتيكتوك، من فيسبوك أو إنستغرام أو غيرها، وذلك لأسباب مرتبطة بهوية هذه المنصات والتزاماتها تجاه جمهورها بشكل أساسي، ولكن جميع الخوارزميات اليوم تعمل ضد الخطاب الفلسطيني بدرجات مختلفة.
ما العمل؟ ضخّ مواد عن فلسطين وحقائق عن ما يحصل وقضايا مرتبطة بالرواية الفلسطينية الحقيقية بشكل مكثف، حتى لا يعود بمقدور المنصات حذف جميع هذه المنشورات أو الحسابات، وهي مخاطرة ضرورية لا مفر منها في مواجهة القيود التي تلغي الخطاب المواجه للاحتلال في فلسطين.
هل يمكن التأثير في وكالات الإعلام العالمية المنحازة للسردية الصهيونية؟
إذا كان القصد رويترز، فهي الوكالة التي سقط لها شهيد إعلامي في جنوب لبنان ولم يكن لديها الجرأة لتحديد من قتله وهو العدو الإسرائيلي بل لم يكن لديها الاستعداد لذكر أنه قتل ولم "يمت" كأنه أصابته ذبحة قلبية!
في الحقيقة أنا فقدت كل ثقتي في هذه الوكالات، ليس منذ الآن، بل منذ حرب روسيا وأوكرانيا، وبغض النظر عن السياسة، فإنّ الكذب الذي صدر عن هذه الوكالات أظهر بشكل كبير سقوطهم القانوني والأخلاقي والمهني بشكل كامل، ولا سيما مع تغطيتهم على مجازر وجرائم ارتكبت وتبنيهم للبروباغندا الغربية تماماً، ولا سيما المؤسسات الإعلامية البريطانية والأميركية.
وإن كان من الجيد الاعتصام والاعتراض وتوقيع العرائض من قبل الصحافيين، ولكن على الأرض لن يتغير شيء لأن هذه الوكالات تتعامل بناءً على السياسة الخارجية لدولها، واليوم لن يؤثر في سردية هذه الوكالات إلا انتصار المقاومة على الأرض، الذي يمكن أن يؤثر على المعادلات السياسية لهذه الدول وبالتالي على خطابها الإعلامي.
كيف نقاوم العدو الإسرائيلي والبروباغندا الغربية إعلامياً؟
من الضرورة أن تكون الجهود الإعلامية الجماهيرية جزءاً أساسياً من العمل المقاوم، فعندما ننشر فيديو أو نص أو صورة نحن نشارك في العمل المقاوم، طبعاً ليس بقدر المقاوم الذي يخاطر بحياته، ولكن لما ننشره أهمية كبيرة في دغمه وتقوية معنويات المقاومين ومعنويات شعبنا للصمود وننشر عدم اليأس وندفع باتجاه التمسك بهذه القضية ودعمها حتى الرمق الأخير.
لماذا يخاف بعض الناشطين أن ينشروا أو يعيدوا نشر مواد مفيدة لمعنويات المقاومة وللصراع مع الاحتلال؟ يمكن الاستفادة من اسم مستعار إذا كان الشخص يخاف من ملاحقته، ولن يجب على الجميع أن يشارك في حملة النشر الداعم للمقاومة ونشر حقيقة القضية الفلسطينية.
أريد أن أبدي إعجابي الشديد بقدرة شعب المقاومة على العمل الإعلامي الجماهيري بشكل محترف ومميز حقيقةً، فالأخطاء قليلة جداً، كأن ننشر بعض مواد الإعلام الإسرائيلي التي يراد منها ضرب معنويات شعبنا، ولكن في الحقيقة فإنّ الأخلاق التي يبديها جمهور فلسطين والمقاومة من ناحية الالتزام بخطاب إنساني وبعيد كل البعد عن العنصرية والتخلف.
وفي المقابل، الاحتلال يضخّ خطاباً مليئاً بالكراهية والعنصرية والدعوات إلى الإبادات الجماعية، وأقل ما يقال أنّ خطابه وسخ ومتخلف وسيؤدي إلى تبعات كبيرة على صورته في العالم، لا سيما مع ممارساته القذرة بحق الفلسطينيين والأسرى والشهداء، والكلام عن حيوانات بشرية، وسعيهم إلى فبركة إشارات نازية وتهم بالعنصرية للمناصري فلسطين.
كيف تساهم الأكاديميا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؟
من الضروري جداً أن يعمل الشباب خاصة والجمهور بشكل عام على زيادة معرفته بكل ما يرتبط بتاريخ وواقع وقضايا الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني ومظلوميته ونضاله، وبالتالي لا يجب الاكتفاء بالمنشورات على وسائل التواصل، بل يجب الاعتماد على القراءة وكذلك الاستفادة من الوثائقيات والأعمال المعرفية.
ونحن في الجامعة صممنا وأطلقنا مادة دراسية بعنوان "فلسطين والإعلام"، تقدم رؤية شاملة ودقيقة للإعلام وكيفية تغطيته للصراع الفلسطيني ضد الاحتلال، وكيفية دراسة المادة الإعلامية المرتبطة بفلسطين أينما صادفناها، وتدريب الطلاب على صناعة مواد إعلامية مفيدة في نشر الحقيقة بشأن فلسطين والرواية الفلسطينية.
(أجرت المقابلة المحررة في الميادين نت إسراء الفرج)