لماذا انهار الاقتصاد السريلانكي.. وكيف تأثر الشعب بالأزمة؟
التخلف عن سداد الديون، وانهيار العملة، والتضخم وأسباب أخرى، جعلت سريلانكا فريسة لأسوأ أزمة اقتصادية منذ عام 1948.
أصابت أزمة الديون في سريلانكا اقتصادها بالشلل، وأثارت اضطرابات عامة مع استنزاف احتياطياتها الأجنبية إلى ما يقارب الصفر، وسقوطها في حالة تخلف عن السداد في أيار/مايو.
وقال رئيس حكومة البلاد التي باتت تكافح لتأمين الواردات الأساسية مثل الوقود والأدوية، أواخر حزيران/يونيو الماضي، إنّ "اقتصاد الدولة المثقل بالديون انهار، مع نفاد الأموال اللازمة لدفع ثمن الغذاء والوقود، بسبب نقص السيولة النقدية اللازمة لدفع ثمن الواردات من هذه الضروريات، وتعثر الدولة في سداد ديونها".
وإثر الوضع الاقتصادي، بدأ السريلانكيون بالتظاهر، في آذار/ مارس، وتستمر حركتهم حتى اليوم. لكن في 9 تموز/يوليو، تطورت التظاهرات حتى أحدثت تغيراً جذرياً في مجرى الأحداث منذ بدء الأزمة، حين عجزت الشرطة عن منع حشود كبيرة من المتظاهرين من اقتحام المساكن الرسمية للرئيس غوتابايا راجاباكسا ورئيس مجلس الوزراء رانيل ويكرمسينغ، وإضرام النار في منزل الأخير. واتخذ المسؤولان عقب هذه الأحداث قرارهما بالاستقالة.
سيطرت عائلة راجاباكسا القوية على المشهد السياسي في سريلانكا في معظم العقدين الماضيين، في حين تولى رئيس مجلس الوزراء رانيل ويكرمسينغ منصبه في أيار/مايو. وأكد ويكرمسينغ، في ذلك الحين، ضخامة المهمة التي يواجهها في قلب الاقتصاد، الذي قال إنّه يتجه نحو "الحضيض".
أسباب عديدة جعلت سريلانكا تتجه نحو الإفلاس، إذ تستدين الحكومة السريلانكية 51 مليار دولار، وهي غير قادرة على تسديد القروض، فضلاً عن تسديد الفوائد، إضافة إلى تعثر السياحة، وهي محرك مهم للنمو الاقتصادي، بسبب الوباء والمخاوف بشأن السلامة بعد الهجمات الإرهابية عام 2019.
وتفاقم التضخم وأصبح فعلاً خارج نطاق السيطرة، مع ارتفاع تكاليف الغذاء بنسبة 60%، بحسب البيانات الرسمية. كذلك، انهارت العملة بنسبة 80%، ما جعل الواردات أكثر تكلفة. يأتي ذلك فيما تعجز الدولة عن استيراد الحاجات الأسياسية كالبنزين والغاز، مع الإشارة إلى أنّ أسعار البنزين والغاز ارتفعت عالمياً بفعل العملية الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية.
الفساد السياسي يفاقم الأزمة أيضاً، وهو أحد أسبابها الفعلية. يقول الاقتصاديون إنّ الأزمة تنبع من عوامل محلية تعود إلى سنوات من سوء الإدارة والفساد.
احتاجت الحكومة إلى زيادة إيراداتها مع ارتفاع الدين الخارجي لمشروعات البنية التحتية الكبيرة، ولكن بدلاً من ذلك، أقر راجاباكسا أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ سريلانكا.
جرى عكس التخفيضات الضريبية أخيراً، ولكن فقط بعدما خفض الدائنون تصنيفات سريلانكا، ما منعها من اقتراض مزيد من الأموال مع تراجع احتياطياتها الأجنبية، ثم تراجعت السياحة مرة أخرى خلال الوباء.
كيف تأثر السريلانكيون بالأزمة؟
جعلت الأزمة الاقتصادية في سريلانكا المواطنين يتخلّون عن وجبات الطعام. ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إنّ "ما يقارب 9 أسر من بين 10 تتخطّى وجبات الطعام، أو تقلل من تناول طعامها، فيما يتلقى 3 ملايين مساعدات إنسانية طارئة".
وحذّرت الأمم المتحدة من أنّ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجهها سريلانكا يمكن أن "تتحول إلى أزمة إنسانية خطرة"، ووفقاً للبنك الدولي وقع أكثر من نصف مليون مواطن تحت خط الفقر منذ بدء جائحة فيروس كورونا.
وشهدت شوارع سريلانكا صفوفاً من المواطنين وقفوا ساعات لشراء الوقود الشحيح أصلاً. وتبلغ فاتورة الوقود الشهرية لسريلانكا ملايين الدولارات. وقال المسؤولون إنّ عدداً من موردي الوقود التقليديين يحجمون عن البيع للبلاد، لأنّ شركة النفط الحكومية غارقة في الديون التي تكافح من أجل سدادها.
وفي الأشهر الماضية، رفض بعض الموردين تفريغ صهاريج الوقود الراسية في الموانئ السريلانكية قبل أن يجري الدفع نقصاً، طلبت سريلانكا شراء مزيداً من النفط المخفض بشدة من روسيا.
ودفعت الأزمة عدداً متزايداً من السريلانكيين إلى طلب الحصول على جوازات سفر لمغادرة البلاد إلى الخارج بحثاً عن عمل. وفي الوقت نفسه، لجأ الأطباء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة الحصول على الإمدادات الضرورية من المعدات والأدوية. كذلك، حصل موظفو الحكومة على يوم عطلة إضافي طوال ثلاثة أشهر لإتاحة الوقت لهم لزراعة طعامهم بأنفسهم، ولتوفير الوقود.
وتحاول الحكومة في سريلانكا الاعتماد على مساعدات طلبتها من دول صديقة، لكن هذه المساعدات لن تبقِ سريلانكا واقفة على قدميها فترة طويلة، بحسب رئيس مجلس الوزراء المستقيل.
وتعلق سريلانكا آمالها الأخيرة على صندوق النقد الدولي، بحسب صحيفة "كولومبو تايمز". وتجري الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ، لكن الأخير طلب إلى كولومبو وضع حد للفساد، وزيادة الضرائب بصورة كبيرة.