كيف صعد حزب "البديل" في ألمانيا وأشعل مزاد التطرّف في أوروبا؟
تحظى الأحزاب اليمينية في أوروبا، اليوم، بنسب تأييد كبيرة لدى شعوبها مما يدلّ على صعود اليمين المتطرف، ففي ألمانيا صعد "حزب البديل من أجل ألمانيا" المتطرف، فمن هو زعيمه وما موقف الألمان منه؟
لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أن حظيت الأحزاب اليمينية في أوروبا، بتلك النسب الكبيرة من التأييد والإقبال والتفاعل (الآخذة بالازدياد والاتساع) من قبل شعوبها مع برامجها وطروحاتها القومية، مثلما يجري حالياً في العديد من دولها وآخرها ألمانيا التي يشهد المزاج الشعبي فيها تحولاتٍ وتغيراتٍ جذرية تبدو واضحةً بشكلٍ جليّ، من خلال الصعود الصاروخي "لحزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وتقدّمه حتى على الائتلاف الحاكم بقيادة أولاف شولتز.
وما زاد الطين بلة بالنسبة للأوروبيين، هو توجّسهم من خطاب زعيمه المتطرف ماكسيميليان كراه، المتفوّق بتطرفه على التيارات والشخصيات المتشددة في أوروبا كافّة، وشعاراته العرقية المتعلقة بالبيض والمهاجرين، ووصفه الاتحاد الأوروبي بالفاشل، وهذا برأيهم يُنذر بالسوء، ويقضّ في الوقت ذاته، مضاجع الغرب الذي بات يخشى على ما يُعرف بـ"الديمقراطية"، في بلدٍ لا يزال مُدركاً لماضيه النازي.
من هو ماكسيميليان كراه وحزبه "البديل من أجل المانيا"؟
في الواقع، لمع نجم اليميني المتطرف، عضو البرلمان الأوروبي المثير للجدل ماكسيميليان كراه بعدما صوّت أكثر من 65% من نحو 600 مندوب من "حزب البديل"، في تجمّع حزبي أقيم في منطقة ماغدبورغ في ولاية ساكسونيا أنهالت بشرق ألمانيا، أواخر تموز/ يوليو الفائت، وأوائل آب/ أغسطس الحالي، لصالح كراه كمرشّحهم الرئيسي لانتخابات البرلمان الأوروبي، العام القادم. حيث تعهّد الأخير بتحديّ الاتحاد الأوروبي من الداخل وتحويله إلى "قلعةٍ" ضد المهاجرين.
ولا يزال كراه (46 عاماً) مُشرّع في البرلمان الأوروبي منذ عام 2019، وهو وأيضاً عضو في لجنة التجارة والوفد إلى الولايات المتحدة، وكذلك في اللجان الفرعية لحقوق الإنسان والأمن والدفاع. وقد جرى اتهامه بقضية احتيال في أحد عقود الاتصالات، غير أنّه ينفي هذه المزاعم، ويردّها إلى التنافس على السلطة داخل حزبه.
كراه أبٌ لثمانية أطفال من ثلاث نساء، ويقدم أيضاً نصائح المواعدة للرجال الألمان على قناته TikTok، وينحدر كراه مما يصفه المحللون بالجناح القومي العرقي للحزب، وهو يُجاهر بتأثره بالتيار الترامبي (نسبةً إلى الرئيس الأميركي وأفكاره العنصرية والعرقية الفاشية)، مُتحدثاً عن حزبه المعروف باسمه الألماني المختصر AfD، بالقول: "لقد أصبحنا أكثر وضوحاً في ما نُريد وما نُفكر فيه.. ولدينا المزيد من أسلوب ترامب في التواصل.
أكثر من ذلك لا يؤمن ماكسيميليان كراه، بتخفيف رسائله السياسية القاسية المُوجّهة إلى الداخل والخارج، لكسب أصوات الوسط.
ولهذه الغاية قال: "أخبرنا الخبراء والنقاد دائماً أنّه إذا كنت ترغب في الحصول على نتائج انتخابات أفضل، فعليك التخلي عن مواقفك، ويجب أن تصبح حزباً أكثر وسطية".
وفي مناسبةٍ أخرى صرّح كراه عبر تطبيق "زوم" من بروكسل أنّه "ليس من نوع المغني الذي يسأل عما يُريده جمهوره ثم يغني أغنية... بل إنّ حزبه يملك أيديولوجيا واضحة".
ما هي رؤية ماكسيميليان كراه لألمانيا؟
تبدو سياسات كراه مُتناقضة، فهو من جهة يستنكر فكرة أنّ الحزب أصبح أكثر تطرفاً أو أنّه على يمينه، بينما يتبنى في الوقت ذاته، فكرة "إعادة الهجرة" - أو الترحيل الفعلي – للاجئين، فضلاً عن دفاعه الشرس عن "نظرية الاستبدال العظيم" باعتبارها حقيقة.
يعتبر كراه أنّ ألمانيا لم تأخذ حقّها كقوّة كبيرة (على مختلف الصعد)، لذا لا يرى مشكلةً في القول بأنّ بلده يجب أن تستعيد مكانها الصحيح في العالم. كما يؤيّد فكرة أنّ المهاجرين يحلون محل الألمان العرقيين، معتبراً أنّها توصيفٌ للواقع وليس نظرية مؤامرة، مفنّداً ذلك بالقول "ألمانيا بلدٌ يمرّ في أزمة، وهي ليست مجرّد أزمة اقتصادية، إنّها أيضاً أزمة هوية، أزمة نسي فيها الألمان أن يفخروا بآبائهم وأجدادهم".
ليس هذا فحسب، اتهم كراه أيضاً الاتحاد الأوروبي بـ "الإفراط في تنظيم" السياسة الداخلية، كما ركّزت معظم تعليقاته على القضايا الوطنية مثل التعهّد بزيادة دخل العمال، إذ يعتبر، أنّ الكثير من ضرائب العمال تُنفق "على المناخ، وعلى السياسات المتعلقة بالجنسين، وعلى الهجرة" وعلى دعم أوكرانيا لمواجهة روسيا.
ما هي أسباب صعود "حزب البديل"؟
انطلاقاً من الرؤية أعلاه لحزب البديل وزعيمه، تأتي المكانة القياسية التي حققها في استطلاعات الرأي وسط حالة من الاستياء الشديد من الائتلاف الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب في ألمانيا، بقيادة "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" من يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتز.
والأهم من ذلك كلّه، يعزو كراه نجاح الحزب إلى ازدراء السكان للسياسات الليبرالية بشأن المناخ والجنس والهجرة والحرب في أوكرانيا، التي عززت الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا، لافتاً إلى أنّ الأحزاب السياسية القائمة ليس لديها إجابة للقضايا الحقيقية التي تُواجهها ألمانيا.
ولهذا، يُحذّر خبراء اليمين المتطرف من أنّ انتخاب كراه مؤخراً كمرشّح رئيسي لتمثيل الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، كان مُجرّد علامة أخرى على التطرف المتزايد لحزب البديل.
ماذا عن النتائج التي حققها حزب البديل في الموقع السياسي؟
في الحقيقة، يجتذب "حزب البديل" عدداً قياسياً من الناخبين الألمان. ففي الأشهر الأخيرة، صعد ليُصبح ثاني أقوى قوّة سياسية في البلاد بعد "حزب الديمقراطيين المسيحيين المعارض"، حيث حصل على نحو 21% من الأصوات، متقدماً على جميع أعضاء الائتلاف الحاكم الليبرالي في البلاد.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية بعد تسعة أشهر فقط، واقتراب موعد الانتخابات في ولايات براندنبورج وساكسونيا وتورينجيا بشرق ألمانيا - حيث يتفوق حزب البديل، بنحو 10 نقاط عن المتوسط الوطني - في العام المقبل، تسببت أرقام الاستطلاعات هذه، بإثارة القلق لدى الاوروبيين و الساسة الألمان على حدٍ سُواء.
وتعقيباً على ذلك أكّد عالم السياسة الألماني فولفغانغ ميركل أنّ "حزب البديل"، يمرّ بعملية "تطرف تقدمي إلى اليمين مقارنةً بالأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا، متابعاً أنّ "الغريب في الأمر هو أنّه حتى مع هذا التطرف لم تتم معاقبته لغاية الآن في استطلاعات الرأي".
كيف تنظر الأحزاب اليمينية الأوروبية إلى مواقف حزب البديل وزعيمه؟
عملياً، يُنظر إلى حزب البديل، بأنّه شريكٌ غير مُفضّل حتى بالنسبة لبعض الشعبويين اليمينيين الأكثر تطرفاً على مستوى الاتحاد الأوروبي. من هنا، أوضح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان العام الماضي أنّه "مُضطر للتضحية بعلاقاته مع حزب البديل على مذبح العلاقات الدولية الجيدة"، في حين أشار السياسي الإيطالي اليميني ماتيو سالفيني إلى أنّه يبحث عن حلفاء أكثر وسطية.
ما تجدر معرفته هنا، أنّه حين خففت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية الأخرى خطاباتها الشعبوية، بما في ذلك حزب "إخوان إيطاليا" الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، وحوّلت تركيزها إلى مُغازلة المزيد من المحافظين الوسطيين، فإنّ حزب البديل يقف بعيداً عن ذلك.
لذلك، لا تزال ألمانيا مُتخلفة عن دولٍ أُخرى في أوروبا عندما يتعلّق الأمر بالتعاون مع اليمين المتطرف. وإذ كان رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني قد جلب ميلوني إلى الحكومة كممثل "لإخوان إيطاليا" في عام 2008، لكن مثل هذه التحالفات لا تزال من المحرمات السياسية في ألمانيا.
إنّ النجاح المُتزايد الذي حققه "البديل" يجعل من الصعب على الآخرين تشكيل ائتلافات سياسية قابلة للحياة بدونه. لذلك، فإنّ التعليقات الأخيرة التي أدلى بها فريدريش ميرز، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، والتي ألمح فيها إلى أنّ حزبه يُمكن أن يعمل مع حزب البديل على المستوى السياسي، تبدو وكأنّها "اختبارٌ للأحوال".
في المحصّلة،حالياً، يبدو كراه وزملاؤه واثقين من أنفسهم. فاستمرار تباطؤ الاقتصاد وارتفاع التضخّم يُمكن أن يُساعد حزب البديل. ولهذا قال أحد السياسين الألمان "عندما يتمكّن الناس من شراء منازلهم وسياراتهم ويستطيعون الذهاب في إجازة، يُصبح من الأسهل دعم الديمقراطية".