أين تقف روسيا من العدوان على غزة وهل تقود خطّ الوساطات السياسية؟

بعد انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عارضت روسيا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ورفضت وسم حركة "حماس" بـ"الإرهاب"، لذلك ثمّنت الحركة الموقف الروسي، وأطلقت قبل أيام سراح 3 أسرى يحملون الجنسية الروسية.

  • حماس روسيا
    كيف تدعم روسيا مقاومة غزة وهل تقود خطّ الوساطات السياسية؟

مع انتهاء الهدنة بين حركة "حماس" و"إسرائيل" والتي استمرّت 7 أيام، أفرجت "حماس" بالتزامن مع عمليات تبادل الأسرى، وفي مبادرة خارج إطار صفقة التبادل، عن 3 أشخاص ممن يحملون الجنسية الروسية (امرأتان ورجل) كانوا لدى المقاومة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك استجابةً لجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتقديراً للموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية.

ما هو سبب استجابة "حماس" لجهود الرئيس بوتين؟

بعد انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى" بأيامٍ ثلاثة، ألقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بالمسؤولية فيما حدث على الولايات المتحدة، وقال بوتين وقتها إنّ ما حدث جاء نتيجة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي حاولت احتكار عملية التسوية هناك.

ومرّت 6 أيام أخرى قبل أن يتحدث بوتين مع نتنياهو ليقدّم تعازيه، وبعد ذلك بعشرة أيام، قالت روسيا إنّ وفداً من "حماس" موجود في موسكو لإجراء محادثات، وحظي موقف موسكو بإشادةٍ سريعة من "حماس" التي قالت إنّها "تقدر دعوة روسيا لوقف إطلاق النار".

وأثارت الزيارة غضب "إسرائيل"، الأمر الذي دفعها إلى استدعاء السفير الروسي، انتولي فيكتوروف، كون موقف موسكو "ينقل رسالة شرعية للإرهاب ضد الإسرائيليين"، بحسب مسؤول في الخارجية الإسرائيلية تحدث لصحيفة "يديعوت أحرونوت".

وكان الاستياء متبادلاً، فاستدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي، ألكسندر بن تسفي، مرتين على الأقل لإجراء محادثات، وتراشق المبعوثان لدى الأمم المتحدة حرباً كلامية بعد أن شكك ممثل موسكو في نطاق تعريف "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وكتب المستشار السابق في الكرملين، سيرغي ماركوف عن الموقف الروسي أنّ "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان إسرائيل بشكلٍ كامل، وأنهما يُجسدان الشر، لذلك لن تكون موسكو معهما في  الخندق نفسه".

وعن استجابة حركة "حماس" للموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية، قال المحلل الجيوسياسي الروسي، ورئيس تحرير موقع "جيوبوليتيكا"، ليونيد سافين، في تصريحٍ خاص للميادين نت إن وفداً من حركة حماس زار موسكو في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وناقش مع مسؤولين روس رفيعي المستوى قضايا عدّة.

وأشار سافين إلى أنّ أهم القضايا التي جرت مُناقشتها هي قضيّة المحتجزين الروس في غزة، "الذين جرى أسرهم عن طريق الخطأ"، وخلصت المناقشات إلى أنّه لا يوجد أيّ سبب للاحتفاظ بالأسرى الروس لتبادلهم مع "إسرائيل" ضمن صفقة تبادل الأسرى، لذلك جرى إطلاق سراحهم.

وفي وقتٍ سابق، أكّد سافين في تصريحات للميادين نت أنّ الموقف الروسي الرسمي بشأن الحرب الدائرة في فلسطين يتمثّل في إدانة العدوان الإسرائيلي، والمطالبة بإنشاء الدولة الفلسطينية كما ورد في قرارات الأمم المتحدة.

  • فلسطينيون يحملون صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تظاهرة دعماً لغزة في مدينة الخليل في  فلسطين المحتلة 2023 (أرشيف)
    فلسطينيون يحملون صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تظاهرة رافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة في مدينة الخليل في فلسطين المحتلة 2023 (رويترز)

هل تقود روسيا خطّ الوساطات السياسية في الشرق الأوسط؟

اتهمت موسكو مرّاتٍ عدّة منذ انطلاق "طوفان الأقصى" الولايات المتحدة بأنّها السبب وراء تدهور الوضع الأمني في المنطقة، وصرّح الرئيس الروسي، وكذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا بأنّ "واشنطن أوصلت الوضع الأمني في الشرق الأوسط إلى نقطة اللاعودة".

وبعد أيامٍ قليلة من انطلاق معركة "الطوفان"، عرض بوتين وساطة بلاده وذلك خلال قمّة "رابطة الدول المستقلة" في بيشكيك، مؤكداً "الحاجة الملحّة إلى وقف إراقة الدماء".

وعن الوساطات الروسية في الشرق الأوسط، يقول ليونيد سافين آمل أنّ تقود روسيا خطّ الوساطات السياسية في الشرق الأوسط، ولكنّها الآن مشغولة للغاية في الجبهة الأوكرانية، وذلك بسبب الحرب الجماعية التي يخوضها الغرب بالوكالة.

وتحدّث سافين عن دور روسيا الفاعل منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في سوريا، مشيراً إلى أنّها قادت خطّ الوساطة ولا تزال في الأزمة السورية.

وعن هذا الأمر، أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق في تصريحاتٍ صحافية أنّ روسيا تُريد أن تقدّم خدمات في قضية المحتجزين المدنيين في قطاع غزة، وحاولت منذ بداية العدوان أن تدخل على هذا الخط، لكن "إسرائيل" لم تُرحّب بالدور الروسي.

فيما يؤكد المسؤولون الروس أنّ إطلاق حماس "طوفان الأقصى" هو ضربة لهيبة الولايات المتحدة، الأمر الذي يفرض عليها إجراء إعادة تقييم لمدى قدرتها على الاستمرار في إمداد أوكرانيا لمحاربة القوات الروسية، وكذلك تزويد "إسرائيل" بالأسلحة.

ووفقاً لمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، فإنّ "الحرب في غزّة بالنسبة لموسكو هي فرصة لطرح نفسها كشريكٍ دبلوماسي في منطقة تعدها ذات أهمية استراتيجية".

اقرأ أيضاً: الهدنة تنتهي والعدوان يتواصل على غزة.. أي دور يتجدد للوسطاء والأميركيين؟

من جانبها، لفتت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية إلى أنّ "الصراع يمنح موسكو فرصاً جديدة وقوية لتعزيز دورها كوسيط عالمي، وذلك في تحدٍ للجهود الغربية لعزلها بسبب الأزمة في أوكرانيا"، وفق تحليل للوكالة.

وعلى الرغم من الدور الهام الذي تلعبه موسكو، فإنها تُواجه العديد من العوائق أهمها انشغالها في الحرب في أوكرانيا، وتوتر علاقاتها مع "إسرائيل" لاستهداف مصالحها لحساب واشنطن في أماكن عدّة أهمها أوكرانيا وسوريا.

روسيا و"حماس".. علاقات رسمية

على عكس دول أجنبية، لا تُصنّف روسيا حماس "منظمة إرهابية"، وبعد زيارة وفد حماس الأخير إلى موسكو والاحتجاج الإسرائيلي ردّت موسكو على الانتقادات الإسرائيلية عبر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف الذي قال إنّ بلاده تُحافظ على قنوات التواصل مع جميع أطراف الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

وعن علاقة روسيا بـ"حماس"، أكّد ليونيد سافين أنّ حماس هيئة مُنتخبة بشكلٍ ديمقراطي وعلاقاتها مع روسيا علاقات رسمية.

وأشار سافين إلى أنّ المُشكلة الرئيسية هي أنّ فلسطين دولة (غير معترف بها من دول غربية عدة) الأمر الذي ينعكس في قرارات الأمم المتحدة، لكن السفارة الفلسطينية لا تزال تعمل في موسكو.

وأمل سافين أن تتمكن روسيا في المستقبل من تقديم المزيد من الدعم لفلسطين بما في ذلك القضايا الأمنية.

  • مبنى سفارة دولة فلسطين لدى روسيا الاتحادية في موسكو (أرشيف)
    مبنى سفارة دولة فلسطين لدى روسيا الاتحادية في موسكو (أرشيف)

روسيا تعارض القرار الأميركي بشأن غزة في مجلس الأمن

في اليوم الثامن عشر لعملية "طوفان الأقصى"، اجتمع مجلس الأمن الدولي في نيويورك للمرّة الثانية من أجل اتخاذ قرار أميركي لوقف إطلاق نار موقت في فلسطين المحتلة (غزة)، عطّلته روسيا التي تريد وقف إطلاق نار نهائي وبخاصّة إنهاء هجوم الطائرات الإسرائيلية على غزة.

كما أنّ موقف الشعب الروسي عامّةً كان متميزاً منذ بدء العدوان، حيث انتشرت الفيديوهات المتضامنة مع غزّة، والتي تفهّمت انطلاقة "طوفان الأقصى" على أنّها مقاومة ضد ظلم واحتلال ومجازر وعنصرية تمارس على الفلسطينيين منذ العام 1948.

ويمكن قراءة الموقف الروسي الرسمي من خلال التصريحات، التي ترفض توصيف حماس بأنّها حركة "إرهاب"، لذلك استنكر الروس تطوّر الأحداث في الحرب الدائرة لتصبح عملية انتقام من غزة في أبشع صورها، فالقرار يُريد إدانة "حماس" في حين أنّه لا يدين ولا يجرّم المجازر التي ترتكبها "إسرائيل" ضد المدنيين العزل، وما آلت إليه الأمور في مجلس الأمن يوضح النية الأميركية ويُعرّيها، ولهذا جاء الموقف الصيني- الروسي متلازماً في عرقلة القرار الأميركي.

إنّ القرار الروسي يُركّز على وقف إطلاق فوري وفك الحصار، بينما تصف أميركا جرائم الكيان على أنّها "دفاع عن النفس" في حين أنّ روسيا تقول إنّ "إسرائيل" قائمة على الاحتلال، وبالتالي فهي تنفي عن المحتل صفة الدفاع عن نفسه.

واستند القرار الروسي بحسب السفير الروسي، فاسيلي نيينزيا لدى مجلس الأمن إلى أنّ العالم أجمع يتوقع من مجلس الأمن دعوة إلى وقف إطلاق نار سريع وغير مشروط، وبما أنّ هذا لم يرد في المسودة الأميركية فيرى نيينزيا أنّ القرار "لا جدوى منه، ولا يمكن أن نؤيده".

محطّات في العلاقات بين روسيا و"حماس"

على مرّ السنين استقبلت موسكو وفوداً من "حماس"، إذ توسّطت مرّاتٍ عدّة في جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وفي مرّات أخرى، ناقش الجانبان "عملية السلام في الشرق الأوسط".

وفي عام 2006، وبعد فوزها في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، زار وفدٌ للحركة بقيادة رئيس المكتب السياسي لها في ذلك الوقت، خالد مشعل، موسكو حيث استقبله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وناقش الجانبان عملية السلام وأموراً أخرى.

وبعد أن اغتالت "إسرائيل" القائد العسكري للجناح العسكري لحماس و6 فلسطينيين آخرين في عملية ما يسمى "عمود السحاب" الإسرائيلية، دعا لافروف بعد اجتماع مع وزراء خارجية دول الخليج في الرياض إلى "وقف الهجمات والعنف ضد غزة".

وفي 2010، طالبت الحكومة الروسية الرئيس بوتين بفتح تحقيق دولي في توقيف القوات الإسرائيلية سفينة المساعدات قبالة غزة، ووصفت الإجراء الإسرائيلي بأنّه "انتهاك صارخ للقانون الدولي"، ودعت أيضاً إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة.

وخلال عدوان 2014 الإسرائيلي، اتصل بوتين هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لحثّه على وقف العملية في غزة التي "تؤدي إلى مقتل العديد من المدنيين".

وأيضاً، زار قادة حماس موسكو في أيار/مايو، وأيلول/سبتمبر 2022. وفي زيارة أيار/مايو، أجرى مسؤولون في الخارجية الروسية مباحثاتٍ مع موسى أبو مرزوق، رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، بشأن العنف في مدينة القدس ومحيط المسجد الأقصى.

وجاءت هذه الزيارة في أعقاب التوتر الذي كان قد حصل في العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد أن تحدّث وزير الخارجية الروسي عن "يهودية هتلر". وفي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، ترأس وفد حماس، إسماعيل هنية، الذي زار موسكو تلبية لدعوةٍ رسمية، وناقش هناك مع المسؤولين الروس المستجدات الإقليمية والدولية.

  • رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو 2022 (أرشيف)
    رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو 2022 (أرشيف)

وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، زار وفد من حركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق موسكو، إذ التقى الوفد مسؤولين من الخارجية الروسية وتباحثوا بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة والأسرى الإسرائيليين والأجانب المحتجزين في القطاع.

اقرأ أيضاً: هل يقرّب طوفان الأقصى المسافة بين العرب وروسيا والصين؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك