كيف اتسع دور "الدبلوماسية الروحية" للجزائر في أفريقيا؟
أدت الجزائر دوراً تاريخياً في أفريقيا، وكانت جهودها للمساهمة في حل الأزمة في ليبيا، وكذلك وقوفها لمنع "إسرائيل" من الحصول على عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي، دلالة على العودة النشطة للدبلوماسية الجزائرية في الفضاء الأفريقي
تمكنت الجزائر منذ إعلان استقلالها من أداء دور دبلوماسي يسعى لحل النزاعات العربية والدولية عموماً، والأفريقية خصوصاً، وذلك لتحقيق السلم والأمن، باعتبارهما من أهم المبادئ التي تحكم المجتمع الدولي.
من النزاعات التي ساهمت الجزائر في أداء دور الوساطة الدبلوماسية فيها، كان النزاع الإريتري والإثيوبي الذي انتهى باتفاق الجزائر للسلام بين الطرفين، ودورها في صراع الطوارق في مالي، إضافة إلى الجهود الدبلوماسية الجزائرية المبذولة في إنجاز مجلس السلم والأمن الأفريقي الهادف إلى تجسيد الاستقرار الإقليمي.
ما دور الجزائر في الاتحاد الأفريقي؟
يستند دور الجزائر على المستوى الأفريقي إلى الدبلوماسية التي تعتمد على الإرث التاريخي الذي تأسَّست في إطاره منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963. وفق ما قاله المحلل السياسي الدكتور رشيد علوش في حديثه إلى الميادين نت، فالجزائر هي دبلوماسية نضال ودبلوماسية تقرير مصير.
وأوضح علوش أنَّ الجزائر تمكنت من رسم صورة لها على مستوى الاتحاد الأفريقي، معتبرةً أن العمق الاستراتيجي للجزائر يقع في القارة الأفريقية بالاستناد إلى مجموعة مستويات. على المستوى السياسي، تعمل الجزائر على أن تتم معالجة الأزمات الأفريقية بحلول أفريقية، بما يعرف بـ"أفرقة حل المشاكل" لرفض تدخل القوى الخارجية في الداخل الأفريقي، لأن ديناميكية الصراع المنتشرة في الأزمات الأفريقية لا تشبه دينامية الصراع في المناطق الأخرى في العالم.
أما النقطة الثانية، فهي مرتبطة بدور الجزائر لإعادة تفعيل دور منظمة الوحدة الأفريقية لمكافحة الارهاب، وهو الأمر المهم جداً على مستوى القارة الأفريقية.
كيف أوقفت الجزائر منح "إسرائيل" عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي؟
لم تكن رحلة الجزائر لإيقاف هذا المقترح خالية من المواجهات والتحديات. يشرح علوش عن هذه الصعوبات التي تعود في الدرجة الأولى إلى درجة الاختراق الذي حققه الكيان الإسرائيلي بمساعدة دول أعضاء في الاتحاد الأفريقي.
وبحسب علوش، هذه الدول "هيأت الأرضية اللازمة لهذا الاختراق، ومن ثم هيأت الظروف المناسبة له كعضو مراقب على مستوى الاتحاد الأفريقي".
وبحسب علوش، فإن مسارات الاختراق كانت متعددة، ومنها:
1- التعاون مع كيان الاحتلال لتنصيب برامج تجسسية في العديد من الدول الأفريقية.
2- التعاون مع شركات الأسلحة الإسرائيلية وإبرام التعاقدات معها.
3- إغراء الدول الأفريقية وإيهامها بأنه ستمنح تكنولوجيا زراعية وتكنولوجيا لتوفير الموارد المائية.
هذه المجالات ربما شكلت صعوبة أمام الجزائر لإقناع الدول الأفريقية بأن لا تصوت لمنح الكيان الإسرائيلي صفة العضو المراقب. في المقابل، استندت الجزائر إلى مجال آخر مرتبط بالدبلوماسية الروحية، وخصوصاً في الدول التي تنتشر فيها امتدادات للطرق الصوفية.
كيف أعادت الجزائر تطبيق الدبلوماسية؟
ولفت علوش، في حديثه إلى الميادين نت، إلى أنَّ الجزائر أعادت انتشارها من خلال تعيين مبعوثين على مستوى المناطق ومستوى الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري. وفي منتصف عام 2021، كان هناك إعادة انتشار لمبعوثين إلى المناطق العربية؛ مبعوثين دائمين على مستوى وزارة الخارجية للاتحاد الأفريقي، ولمنطقة المغرب العربي، ولجامعة الدول العربية، وحتى للقارة الأوروبية والعديد من المؤسسات التي ترتبط بالأمن القومي الجزائري.
وتابع علوش: "عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان لها وهج في عودة الدبلوماسية الجزائرية. والجدير ذكره أن أول خروج للرئيس الجزائري كان للمشاركة في مؤتمر برلين للوصول إلى بناء توافق على تسوية الأزمة الليبية".
بعد ذلك، شارك الرئيس الجزائري في الاتحاد الأفريقي بعد غياب الجزائر منذ عام 2010، حيث كانت المشاركة تتم عبر وزير الخارجية.
وأضاف علوش: "خلال هذه المرحلة، أدرك صانع القرار الجزائري حجم هذه التغيرات والتحولات التي حتمت عليه أن يعيد رسم الأولويات السياسية والآليات التي ستمكنه على المدى المتوسط والقصير من إعادة دبلوماسيته في مجمل المجالات، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني، وصولاً إلى الدبلوماسية الروحية التي أصبحت تؤدي دوراً كبيراً جداً".