عن ميدان غزة والاستراتيجيا العسكرية.. الميادين نت تحاور العميد المتقاعد شربل أبو زيد

عن ميدان المعركة في غزة، والوضع العسكري للمقاومة الفلسطينية، وتأثير حرب الشوارع والطقس في مخططات الاحتلال في التوغل في عمق القطاع... الميادين نت تحاور العميد المتقاعد شربل أبو زيد.

  • حرب الشوارع هي من أشرس المعارك وأكثرها تعقيداً وتتطلب تخطيطاً دقيقاً وتدريباً خاصاً
    حرب الشوارع من أشرس المعارك وأكثرها تعقيداً وتتطلب تخطيطاً دقيقاً وتدريباً خاصاً

بعد مرور 40 يوماً على انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى"، لا تزال كلمة الفصل في الميدان في أيدي المقاومة الفلسطينية التي تتصدى بكل بسالة لقوات الاحتلال المتوغلة، موقعة فيها خسائر هائلة في الأرواح والعتاد.

حول الواقع الميداني والاستراتيجيا العسكرية للمقاومة الفلسطينية في صدّ توغل الاحتلال، الميادين نت حاورت العميد المتقاعد شربل أبو زيد.

وفيما يلي نص الحوار كاملاً:

الوضع الميداني في غزة ومحاور الاشتباكات

 بعد 20 يوماً على بدء العملية الهجومية البرية للاحتلال الإسرائيلي على غزة، نستطيع تلخيص الوضع على الشكل التالي:

- على محور إيرز - بيت حانون، تقدم الاحتلال حتى مشارف بيت حانون، ولم يستطع دخولها رغم المحاولات المتعددة التي باءت بالفشل، فيما لا تزال المقاومة تدمر دبابات الاحتلال وآلياته عن مسافة صفر أو بضعة أمتار، وتطلق قذائف الهاون الثقيل على تجمعات الاحتلال في إيرز ومحيطها.

- على محور إيرز - بيت لاهيا، تقدم الاحتلال نحو محيط بيت لاهيا من دون دخولها، رغم محاولاته المتكررة، كما لم يستطع فصل بيت لاهيا عن بيت حانون. وتدور الاشتباكات في منطقة السلاطين جنوبي العطاطرة وغرب بيت لاهيا من دون تمكن الاحتلال من التوغل والخرق جنوباً باتجاه جباليا.

- على المحور الغربي الصيافة - مخيم الشاطئ، تقدم الاحتلال عبر طريق الرشيد، ووصل إلى محيط مخيم الشاطئ من دون دخوله، واتجه جنوباً تحت تغطية بحرية وجوية باتجاه مستشفى الشفاء التي قام بتطويقها منذ 10 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي ودخلها بالقوة صباح اليوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر، مخالفاً بذلك القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب بقصفه المستشفى ومنع سيارات الإسعاف من الدخول والخروج ومنع وصول المحروقات والأدوية إليه، وثم اعتقال الأطباء والمسعفين والمرضى في جريمة قانونية وإنسانية موصوفة وعلنية.

وعلى المحور نفسه، تدور اشتباكات على محور النصر بين المقاومين والاحتلال الذي يحاول التقدم من شمال غرب غزة نحو وسطها وتكبد الاحتلال الخسائر بالعتاد والعديد.

- على محور جحر الديك - الشارع 10، وصل الاحتلال إلى مسجد الشيخ عجلين، واستطاع صُوَرِياً فصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه، وهو يحاول التقدم من محور تل الهوا جنوب مستشفى القدس نحو وسط المدينة، إذ يقوم المقاومون بصده وتدمير قواته المتقدمة. وهناك محاولة لتقدم الاحتلال من حي الزيتون تم صده وقصف تجمعات الاحتلال شرقي حي الزيتون بقذائف الهاون 120 ملم وصواريخ "رجوم عيار 114 ملم".

- على المحور الشرقي لمدينة غزة، استطاع الاحتلال الوصول إلى قسم من المدينة، حيث تدور الاشتباكات مع المقاومين على مسافات قريبة حتى الصفر قرب برج الإسراء وقرب دوار أبو مازن.

- وسط القطاع وجنوبه، لم يزل الاحتلال يقصف المنازل موقعاً المزيد من الشهداء، فترد عليه المقاومة بصليات من الصواريخ وقذائف الهاون الثقيل على تجمعاته ومدن ومستوطنات "غلاف غزة" من سديروت شمالاً حتى كرم سالم وصوفا شرقي رفح جنوباً، ولا تزال المقاومة في غزة لليوم الـ40 من "طوفان الأقصى" تستهدف "تل أبيب" وغيرها بالصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، وتوقع الإصابات المؤكدة بالأرواح والمباني والأرزاق.

 حرب الشوارع: كابوس مرعب للاحتلال

حرب الشوارع هي من أشرس المعارك وأكثرها تعقيداً، وتتطلب تخطيطاً دقيقاً وتدريباً خاصاً، وتعد كابوساً مرعباً للقوى المهاجمة لصعوبتها وخطورتها وخسائرها البشرية الكبيرة، لأن رحاها تدور بين الأبنية والشوارع، وتكون السيطرة فيها للقوى المدافعة صاحبة الأرض المتمركزة والمتحصنة في الأبنية والأنفاق، وتستخدم فيها أسلحة خاصة، كالقناصات وأجهزة الرؤية النهارية والليلة المتطورة والأسلحة الفردية المحسّنة والأسلحة المضادة للدروع والنسفيات. وغالباً ما يضيع الجنود المهاجمون في الأزقة، فيقعون أسرى أو يقتلون، إضافةً إلى الصعوبة اللوجستية للقوى المهاجمة.

من هنا، وبحسب مجريات المعركة في غزة، فإنّ الغلبة للمقاومين الآن، وخصوصاً في حال حاول الاحتلال الإسرائيلي الدخول إلى المدن والتجمعات السكنية، ما يقلب سير المعركة رأساً على عقب، ويكبد "جيش" العدو الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد.

 استراتيجية جر الاحتلال

تعتمد المقاومة الفلسطينية في صد توغل "جيش" الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية جر الاحتلال إلى بقع قتل محضرة مسبقاً، إذ تنقض عليه بالأسلحة المناسبة من مسافة صفر وحتى 50 متراً، فتدمر دباباته وملالاته المتقدمة بالأسلحة المضادة للدروع والنسفيات القوية، وتوقع جنوده بين قتيل وجريح.

كما تعتمد استراتيجية الكر والفر، بحيث لا يستطيع الاحتلال تحديد جهد المقاومة الرئيسي ومواقع عناصرها، وهذا ما يفقده تركيز جهده وتوازن تقدمه واستمراره، ما يجعله يستنجد بالقصف المدفعي والطيران العنيف، لعلّه يحقق أي مكسب يرفع به معنويات جنوده.

المناخ وتأثيره 

 عند التخطيط للعمليات العسكرية الهجومية أو الدفاعية، يؤخذ عامل الطقس بعين الاعتبار لتأثيره الجدّي في سير القتال. في العملية الهجومية البرية للاحتلال الإسرائيلي على غزة، تؤثر الأمطار التي بدأت تهطل على قطاع غزة في سير الأعمال القتالية كالتالي:

- تبطئ حركة المقاتل الفردي، وتساهم في سرعة إرهاقه واستنفاد قواه.

- تبطئ تقدم الدبابات والملالات والآليات اللوجستية بسبب الوحول في المناطق المفتوحة.

- تؤثر في أجهزة الرؤية، فتُضَيّق مجال الرؤية للآليات والدبابات، وتؤثر في أجهزة الرمي المباشر للمدافع والأسلحة المتوسطة وفي دقة مناظير القناصات.

- تؤثر سلباً في حركة طيران الاحتلال رغم تطوره، فتقيد مناوراته الجوية، إذ تؤثر الرياح وسرعتها واتجاهها في مسارات الطيران الجوية.

- تؤثر في دقة رمايات المدفعية حتى لو اعتمدت القذائف الدقيقة التي تعتمد على نظام تحديد الموقع GPS أو على أنظمة التسديد اللايزري.

الوضع الميداني للمقاومة الفلسطينية

رغم مرور 40 يوماً على "طوفان الأقصى"، لم تزل المقاومة الفلسطينية تقاتل كأنه اليوم الأول بالوتيرة القتالية نفسها والعزيمة القوية والتصميم على الانتصار.

تقاتل المقاومة على كل المحاور شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً بتنظيم ومرونة ومعرفة دقيقة لمجريات المعركة ومواقع قوات الاحتلال، فتتصدى لها بالأسلحة المناسبة، موقعة فيها الخسائر البشرية التي يحاول الاحتلال إخفاءها.

لم تزل المقاومة تقاتل الاحتلال وتفاجئه في خطوطه الخلفية، مع محافظتها على التواصل والتنسيق بين مجموعاتها القتالية ومع غرفة عملياتها لتلقي الأوامر من قياداتها.

هذا الوضع الميداني المنظم للمقاومة يربك الاحتلال الذي راهن على تضعضعها المبكر، وإذ بها تزداد تنظيماً ودقةً في التنفيذ والقتال رغم ضراوة المعركة.

استطاعت المقاومة الفلسطينية لغاية اليوم تدمير أكثر من 140 دبابة وناقلة جند، أي أكثر من تجهيز لواء مدرع، وهذا ما لم يحصل في أي حرب حديثة للاحتلال (حرب تموز 109 دبابات)، وقتل أكثر من 400 من جنود الاحتلال من دون احتساب ما يتكتم عليه.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يقر بمقتل ضابطين وإصابات خطرة شمالي غزة.. والمقاومة تتصدى لتوغله في محاور عدة

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك