في ميدان "الصراع التربوي".. أي معايير غربية يعتمدها مؤشر "شنغهاي" للجامعات؟
ضمن "الصراع التربوي" الدولي القائم.. أيّ معايير يعتمدها مؤشر "شنغهاي" لتصنيف الجامعات؟ ولماذا ترفضه "بريكس"؟
في ظل الصراع الجيوسياسي المحتدم.. يشكّل "الحقل التربوي" ميداناً خصباً للمنافسة الدولية، لا تقل أهميته عن ما تشهده الساحة الدولية من مواجهات سياسية وعسكرية واقتصادية حادة.
وأحدث مؤشر على هذا الشكل من الصراع، هو الخلاف بين دول بريكس (الصين، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل) وبين الغرب حول تصنيف مؤشر "شنغهاي" للجامعات. حيث صدر الثلاثاء الماضي، هذا المؤشر، الذي أقر ترتيب الجامعات حول العالم، وزعم هيمنة الجامعات الأميركية والأنكلوسكسونية على التصنيف العالمي للجامعات.
منح التصنيف جامعة "هارفارد" الأميركية المركز الأول للسنة 22 على التوالي، ثم تليها جامعة "ستانفورد"، وأعطى المركز الثالث لجامعة "كامبردج" البريطانية. فأي معايير يعتمدها مؤشر "شنغهاي" لتصنيف الجامعات؟ ولماذا أثار استياء "بريكس"؟ وأيّ معايير جديدة اقترحتها روسيا والصين؟
ما هو مؤشر "شنغهاي" وأيّ معايير يعتمد؟
"مؤشر شنغهاي"، هو التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية Academic Ranking of World Universities، أو اختصاراً ARWU. وهو واحد من التصنيفات الهامة الثلاثة الأكثر تأثيراً.
يعدّ البعض أن تصنيف "شنغهاي" هو "الأكثر موضوعية وشفافية نظراً لمنهجيته"، فيما توجه له الانتقادات لتركيزه على العلوم البحتة (الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، علوم الكمبيوتر، الطب، الهندسة)، والنشر للأبحاث في مجالات محددة باللغة الإنكليزية كمجلة الطبيعة والعلوم، ومتطلب جوائز "نوبل".
ويستند تصنيف "شنغهاي" إلى 4 مؤشرات:
1/ المؤشر الأول: جودة التعليم والمقررات الجامعية المقدمة، وهنا ينظر إلى عدد خريجي المؤسسة، وكم عدد طلاب المؤسسة الذين حازوا على جائزة نوبل أو ميداليات أو أوسمة، بنسبة 10%.
2/ المؤشر الثاني: جودة الكليّات وطاقمها التعليمي عبر معرفة ما إذا حصل أساتذتها أو باحثوها على جائزة نوبل أو ميداليات أو أوسمة (20%)، وما إذا كانت أبحاثهم تُعدّ مراجع أساسية وقوية لغيرهم (20%).
3/ المؤشر الثالث: مجموع الأبحاث العلمية المعترف بها والمنشورة في أفضل المجلات المحكمة خلال الخمس السنوات الماضية، والتي تمت في مختبرات هذه الجامعات وعلى يد باحثيها وأساتذتها (40%).
4/ المؤشر الرابع: نصيب الفرد من الأداء، والذي يعدّ وسيلةً لتحديد التطوّر المعرفي والأكاديمي للجامعة ككلّ حسب كلّ طالب، وكم حجم إنفاق الجامعة على البحث العلمي (10%).
ويمكن الوصول إلى بيانات تصنيف "شنغهاي" عبر الإنترنت، ويُفترض أن التصنيف مستقل وليس له أي أغراض تجارية، بحسب ما يقول القائمون عليه.
لماذا ترفض "بريكس" مؤشر "شنغهاي"؟
على الرغم من أن مؤشر "شنغهاي" صيني بالأساس، وإن كان تابعاً للقطاع الخاص، فإن دول "بريكس" ترى أنه يعتمد آليات غربية في التصنيفات. وتطالب بآليات جديدة لتصنيف جامعاتها بعيدة عن الجامعات الأميركية والآليات المعمول بها حالياً.
ومن ضمن الانتقادات التي وجهتها "بريكس" للتصنيف الحالي، اعتماده على نشر المقالات في مجلتين أساسيتين وهما Nature و Science، الأولى بريطانية والثانية أميركية.
ورأت "بريكس" أنه لا يمكن تهميش المقالات التي تنشر في باقي المجلات العلمية، ومنها مجلات وطنية مرموقة. وتُبين في بعض الأحيان "الزبائنية" التي تتحكم في المجلتين لصالح جامعات غربية أو باحثين معينين.
كذلك، رأت "بريكس" أنّ التقدم الحاصل في مجال البحث العلمي يحقق في دول مثل الصين وروسيا تقدماً مذهلاً، مما يؤكد المستوى الرفيع للمتخرجين من جامعاتها. وضمن الأمثلة الكثيرة: كيف تخطو الصين نحو الجيل السادس 6G في شبكة الإنترنت، في حين يعاني الغرب في تعميم الجيل الخامس. كما نجحت روسيا في تطوير محركات مثل محركات صواريخ فرط صوتية، فيما فشل الغرب في هذا المجال.
واجتمع وزراء التعليم في دول "بريكس" يوم 17 تموز/ يوليو الماضي في جنوبي أفريقيا، واتفقوا على تصنيف جديد للجامعات يقوم على معطيات الواقع والموضوعية. كما جاء ضمن الاجتماع، توصيات الاعتماد على "المؤشرات النوعية"، والأخذ بالاعتبار "خصوصيات أنظمة التعليم في دول بريكس"، ثم تحديد إطار تنظيمي مشترك للاعتراف بالشهادات.
وتعدّ روسيا من المنادين بتصنيف جديد للجامعات. وصرّح نائب وزير التعليم الروسي، كونستانتين موغيليفسكي، أنّ "الجامعات الروسية تواجه قيوداً على مشاركتها في التصنيفات الدولية الحالية لأسباب سياسية.
وأضاف "لا توجد جامعة محصنة ضد مثل هذه الأعمال من جانب الدول الغربية. هذا هو السبب في أن المجتمع التعليمي العالمي يجب أن ينشئ تصنيفاً جديداً، بناءً على بيانات موضوعية ويتمتع بثقة عالمية".
بدوره، دعا نائب وزير التعليم الصيني إلى الاعتماد على المؤشرات النوعية في الترتيب الجديد، بدلاً من المؤشرات الكمية التي تعتمد عليها التصنيفات الغربية.
ويؤخذ على تصنيف "شنغهاي" للجامعات العديد من الانتقادات باعتبارها خدعة، ولا تعدّ دليلاً على جودة التعليم، إذ إن المعايير المعتمدة ، معايير غربية سياسية في الدرجة الأولى.
ويرى البعض أنّ تصنيفات "شنغهاي" تعكس حدّة المواجهة بين القوى الدولية، والتي لم تعد تقتصر على "الميادين التقليدية" المعروفة في الساحة السياسية وبسط الهيمنة والنفوذ، والاقتصادية من خلال السيطرة على الأسواق، والبحث عن العملات البديلة، والعسكرية عبر سباق التسلح. إذ إن المواجهة اليوم بالإضافة إلى الميادين التقليدية، تشمل عدّة مجالات فاعلة ومؤثرة في تشكيل بنية النظام الدولي، ويعد الجانبان التربوي والثقافي أهمها، إضافة إلى الصراع الفضائي والتكنولوجي.