التحريض ضد روسيا يسيطر على أجواء دافوس
في ظل تحدياتٍ عالمية جديدة، ينطلق منتدى "دافوس".. فهل يهدف إلى محاصرة موسكو وتشويه دورها؟
للمرة الأولى حضورياً بعد عامين من الانقطاع بسبب كوفيد-19ـ، انطلقت اليوم الإثنين، أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في سويسرا، تحت عنوان "التاريخ يقف عند نقطة تحول.. السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال"، بمشاركةِ عددٍ من أثرياء العالم.
المنتدى الاقتصادي هذا العام، ينطلق في ظل تحدياتٍ جديدة، أبرزها الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى أزمتي الاقتصاد والطاقة العالميتين، وأزمة المناخ، وغيرها من الأزمات.
المنتدى الذي يصبّ تركيزه على تداعيات الحرب في أوكرانيا، غُيّبت عنه روسيا. فيما يشير مراقبون إلى أنّ استخدام هذا المؤتمر يهدف إلى محاصرة موسكو، والهجوم على دورها الإقليمي والعالمي.
رئيس مجلس إدارة Vision 3، خالد جناحي، قال على هامش المنتدى، إنّ "غياب الوفد الصيني والروسي عن المنتدى الاقتصادي العالمي له تأثير كبير على محتوى اجتماعات المنتدى"، لافتاً إلى أنّ المنتدى "عُرف بـتشارك الرأي والرأي الآخر لكن هذه الميّزة غابت عن هذه الدورة".
وكان مؤسس المنتدى، كلاوس شفاب، رحّب بمشاركة "وفد أوكراني كبير" في المنتدى الذي غُيّبت عنه روسيا هذا العام، علماً بأنّ الوفد الروسي عادةً ما يكون كبيراً.
زيلينسكي يطالب بعقوبات "قصوى".. والانقسام ينهش أوروبا
مع إتاحة إدارة المنتدى الاقتصادي، المنصّة للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لإلقاء كلمته في الافتتاح، تحامل مجدداً على روسيا، وحرّض عليها لاستجرار المزيد من الدعم والسلاح والتدخل.
زيلينسكي حضّ في كلمته أمام المنتدى إلى وقف التعامل مع الأسواق الروسية في هذه المرحلة، مؤكداً استعداد أوكرانيا لمساعدة العالم في مواجهة موجة الجوع التي تهدد البشرية. إذ أكّد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، وفي وقتٍ سابق، أنّ "العقوبات التي فُرضت على روسيا ستؤثر في أوروبا أيضاً"، داعياً إلى الاستعداد لمواجهة الأزمات.
ودعا زيلينسكي، اليوم أيضاً، إلى فرض حظرٍ نفطي على روسيا وعقوباتٍ على جميع مصارفها والتخلي عن قطاع تكنولوجيا المعلومات التابع لها، بينما حضّ جميع الشركات الأجنبية على مغادرتها.
وما زالت أوروبا تعتمد على النفط والغاز الروسيين، وخصوصاً أنّ البدائل الأخرى لا تزال بعيدة المنال وأكثر تكلفة، إذ يمثّل الغاز الروسي ما يفوق الـ40% من واردات الغاز الأوروبية.
في وقتٍ قد يؤدي نضوب الغاز، جرّاء عقوبات غربية أو إجراءات مضادة روسية، إلى زيادة أكبر في تعرفة الطاقة لملايين الأُسر في أوروبا، وسيؤدي قطع موسكو عن أنظمة الدفع الدولية إلى تعقيد مدفوعات أوروبا في مقابل وارداتها من الغاز التي يأتي أكثر من ثلثها من روسيا.
ويقول مدير معهد "بروغل"، غونترام وولف، إنّه "من الواضح أنّ أوروبا تعرّض نفسها لخسائر أكثر من الولايات المتحدة، لأنّ القرب الجغرافي يقترن بروابط اقتصادية وأمنية وثيقة".
وبينما تحرّكت الولايات المتحدة وبريطانيا لحظر النفط والغاز الروسيين، تسود انقسامات في صفوف الاتحاد الأوروبي بشأن فرض إجراءات مماثلة، إذ تعتمد دول في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا والمجر بشكلٍ كبير على واردات الغاز الروسية. وفي ظل هذه الانقسامات، فشل الاتحاد الأوروبي أيضاً في إقرار الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا.
بدورها، شددت البرلمانية الأوكرانية، أناستاسيا رادينا، التي تشارك في المنتدى، أمس الأحد، على أن بلادها "بحاجة إلى أسلحة أكثر من أي شيء آخر.. أسلحة كأسلحة حلف الناتو، لا سيما دبابات ومنظومات للدفاع الجوي وطائرات مقاتلة".
الركود العالمي وأزمة الغذاء على طاولة منتدى "دافوس"
وتصدّرت التهديدات المتعددة للاقتصاد العالمي مخاوف كبار رجال الأعمال المشاركين في "دافوس" إذ أشار البعض إلى "خطر ركود عالمي".
وتسببت الزيادات في الأسعار في تقويض ثقة المستهلكين واضطراب الأسواق المالية العالمية، مما دفع البنوك المركزية، بما في ذلك مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، إلى رفع أسعار الفائدة.
في الوقت نفسه، أدّت التداعيات على أسواق النفط والغذاء وعمليات الإغلاق لمكافحة كوفيد-19، إلى تفاقم الأزمات وتعقدها.
وقال نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك: "لدينا ما لا يقل عن أربع أزمات متضافرة. لدينا تضخم مرتفع، ولدينا أزمة طاقة كما أنّه لدينا فقر غذائي، ولدينا أزمة مناخ أيضاً، ولا يمكننا حل المشاكل إذا ركزنا على أزمة واحدة فقط".
وأضاف هابيك خلال حلقة نقاش في المنتدى "لكن إذا لم يتم حل أي من المشاكل، فأنا أخشى حقاً أننا سنواجه ركوداً عالمياً له تأثير هائل.. على الاستقرار العالمي".
وخفض صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، توقعاته للنمو العالمي للمرة الثانية هذا العام، ووصف الحرب في أوكرانيا والتضخم بأنهما "خطر واضح وقائم" للعديد من البلدان.
وقال الكرملين، اليوم، إنّ الغرب تسبب في أزمة غذاء عالمية بفرضه أشد العقوبات في التاريخ الحديث على روسيا بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا، مضيفاً أنّ "الرئيس فلاديمير بوتين يتفق مع تقييم الأمم المتحدة بأن العالم يواجه أزمة غذائية قد تسبب المجاعة".
وكانت ارتفعت بالفعل أسعار القمح في الأسواق الأوروبية إلى مستوىً غير مسبوق، متأثرة بالأزمة في أوكرانية.
في سياقٍ منفصل، وفي وقتٍ يواجه النظام الاقتصادي العالمي "تقاطعاً محتملاً للكوارث"، دافع صندوق النقد الدوليّ في منتدى "دافوس" عن العولمة وحثّ الدول على عدم الاستسلام لمغريات الأنظمة الحمائيّة؛ أي تقييد الواردات من البلدان الأخرى.
وشدّد مسؤلو صندوق النقد الدولي على "فوائد العولمة"، لافتين إلى التغيّر في تدفّق رأس المال والسلع والخدمات على مدى العقود الثلاثة الماضية مدفوعاً بانتشار التكنولوجيا الحديثة، "لقد عززت قوى التكامل هذه مستوى المعيشة والإنتاجيّة وضاعفت حجم الاقتصاد العالمي ثلاث مرّات وانتشلت 1,3 مليار شخص من الفقر المدقع".
إلا أنّ هذا التقدّم مهدّد اليوم بفعل الحرب في أوكرانيا وما صاحبها من عقوبات وقيود، إذ فرضت قيودٌ على تجارة الأغذية والطاقة والمواد الخام الأخرى في حوالى 30 بلداً، وفق الصندوق. ومع ذلك من الضروريّ "تعزيز الحركة التجاريّة لزيادة القدرة على التكيّف".