في ذكرى الاندحار الإسرائيلي عن غزة... 16 عاماً من تطور القدرات والصمود

في الذكرى الـ16 لاندحار الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، مرّت الترسانة الصاروخية للمقاومة في غزة بتجارب متطورة على مدى السنوات الأخيرة، أسهمت بصورة كبيرة في تطوير خبراتها الميدانية.

  • في ذكرى الاندحار الإسرائيلي عن غزة.. أين أصبحت المقاومة الفلسطينية اليوم؟
    مرّت الترسانة الصاروخية للمقاومة في غزة بتجارب مستمرة على مدى السنوات الأخيرة

يوافق في أيلول/ سبتمبر الذكرى الـ16 لدحر المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي عن أرض غزة بعد احتلال دام 38 عاماً، حيث مثّل هذا الاندحار نقطة تحول مهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ونقلة نوعية على صعيد تطور قدرات المقاومة الفلسطينية وتعاظمها.

ومنذ هذا الاندحار، حاول الاحتلال الإسرائيلي تضييق الخناق على غزة، حيث فرض حصاراً كاملاً على القطاع ولجأ إلى سياسة الانتهاكات الجوية المتكررة، إلا أن فصائل المقاومة الفلسطينية اختارت الطرق الأنسب للرد على ابتزاز الاحتلال الإسرائيلي، واستطاعت تغيير المعادلات بوجه الاحتلال طوال السنوات الماضية.

ومرّت الترسانة الصاروخية للمقاومة في غزة بتجارب مستمرة على مدى السنوات الأخيرة، أسهمت بصورة كبيرة في تطوير خبراتها الميدانية. هذا التطور المتسارع للقدرات العسكرية جعل من غزة كابوساً يحلم قادة الاحتلال، على تعاقبهم، في التخلص منه. ومنذ العدوان الأخير على غزة في أيار/مايو، استطاعت الفصائل الفلسطينية رسم قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وفرض معادلات متعلقة بظروف اندلاع المواجهة وأسبابها وتوقيتها.

وعلى الرغم من اندلاع 3 حروب سابقة بين المقاومة في غزة والاحتلال، إلا أنها تعدّ المرة الأولى في تاريخ الحروب بينهما التي يكون سببها لا يتعلق بالقطاع نفسه، حيث جاءت الحرب الأخيرة كفعل من المقاومة في غزة، نصرةً للقدس المحتلة.

وجسّدت معركة "سيف القدس" الصورة الأنصع التي يمكن إظهارها ضمن سياق تحديد المسار الذي اتبعته المقاومة في تطوير قدراتها على الصعد كافة، منذ تحرير غزة حتى الآن، ومن ضمن ذلك، حجم التطور النوعي الذي طرأ على الترسانة الصاروخية للمقاومة، والتي هي بمعظمها تصنيع محلي، حيث كشفت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عن أنواع جديدة من الصواريخ ذات مدى غير مسبوق، كصاروخ "عياش - 250"، الذي قُصفت به مواقع تقع شماليّ مدينة إيلات، على بعد نحو 217 كيلومتراً من غزة.

وهذا ما عبّرت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، التي تحدثت عن فشل عملية "حارس الأسوار" في تحقيق أهدافها المنشودة، واعترفت بالإخفاقات التي تعرض لها جنود الاحتلال وقادته، في الوقت الذي كانت فيه قوات الاحتلال عاجزة عن اتخاذ قرار التقدم البري بعد الانتكاسات التي تعرضت لها خلال عدوانها في عام 2014.

كذلك، تلقّى الاحتلال ضربة قاسية من المقاومة مع انطلاق أول صواريخها، بحيث اتخذت "إسرائيل" قراراً بتجميد مناورة تحاكي القتال في عدة جبهات. بداية ضربات المقاومة تلك كانت هذه المرة "تل أبيب" ومستوطنات مهمة، مثل عسقلان و"نتيفوت" و"أوفاكيم" و"أسدود" وبئر السبع، وهذا تحول جذري في سلم العمليات العسكرية التي كانت تتصاعد في الآونة الأخيرة. 

إضافة إلى ذلك، أثبت سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي، خلال هذه الفترة، فشله التام في إيقاف الضربات الصاروخية شمالاً أو جنوباً، وظهر جلياً الخلل في القبة الحديدية، رغم الأموال الطائلة التي صرفت من أجل تطويرها.

وعند الشريط الشائك في غزة، تزعزعت الثقة أيضاً بين المستوطنين من جهة، وحكومة الاحتلال وقيادته من جهة أخرى، خصوصاً بعد مقتل قناص إسرائيلي عبر ثغرة في الجدار الإسمنتي المحيط بالقطاع، أثناء قنصه متظاهرين فلسطينيين. حيث اعتبرت صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس" أن حادثة مقتل الجندي تشي بـ"فشل ذريع" لدى قيادة الاحتلال الإسرائيلي.

الفشل الإسرائيلي الذي تحدثت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، ظهر أيضاً في سجن جلبوع، هناك حيث سخّرت "إسرائيل" كل إمكاناتها المادية واللوجستية والتكنولوجية والبشرية في تحصين هذا السِّجن الذي يضمّ أخطر المقاومين الفلسطينيين، إلا أن 6 فلسطينيين، بينهم قادة، استطاعوا حفر نفق والتحرر منه أمام برج المراقبة الإسرائيلي.

وبعد تمكن الاحتلال من إعادة أسر 4 من الأبطال الستة، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أبو عبيدة، أن "أي صفقة تبادُل لن تتمّ إلّا إذا شملت الأسرى المحرَّرين من سجن جلبوع"، مشدداً على أن "إعادة اعتقال أبطال نفق الحرية لا تحجب العار الذي لحق بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية". وهذه أيضاً معادلة جديدة تفرضها المقاومة الفلسسطينية في غزة بعد 16 عاماً على انسحابه من القطاع، مسجلة بذلك نقطة تطورٍ في المجالين السياسي والأمني.

منذ معركة "سيف القدس"، مروراً بقتل الجندي الإسرائيلي القنّاص شرقيّ قطاع غزة، وصولاً إلى تحرر الأسرى الستة من سجن جلبوع، يمر الاحتلال الإسرائيلي اليوم في تخبّط ضمن مستويات عديدة، وبعد 16 سنة على اندحاره من غزة، يرى أنه أمام واقع تتعاظم فيه قوى المقاومة، حيث أصبحت مخاوق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتعلق بـ"انتقال نماذج هذه المقاومة وتوسعها في فلسطين كافة".

الاحتلال الإسرائيلي الذي كان عاجزاً عن البقاء في غزة تحت ضربات المقاومة، خرج مع مستوطنيه هارباً من معركة كانت تفرض عليه بشكل يومي. لكن بعد 16 عاماً بقيت صواريخ المقاومة تطارد هذا الاحتلال خارج قطاع غزة أيضاً، ضمن رؤية واضحة هدفها تثبيت تجربة الانسحاب والاندحار على الأراضي الفلسطينية كافة.

اخترنا لك