في اليوم العالمي لحرية الإعلام: كثير من القتل والسجن والحظر والتجسس!
احتفلت اليونيسكو بـ"اليوم العالمي لحرّية الصحافة" الذي يصادف الثالث من أيار/مايو، معلنةً شعار هذا العام وهو "الصحافة تحت الحصار الرقمي"، فكيف كان المشهد الصحافي هذا العام؟
على موقعها الالكتروني الرسمي، احتفلت اليونيسكو بـ"اليوم العالمي لحرّية الصحافة" الذي يصادف الثالث من أيار/مايو من كل عام، معلنةً شعار هذا العام وهو "الصحافة تحت الحصار الرقمي".
وكتبت المنظمة العالمية للتربية والتعليم والثقافة، التابعة للأمم المتحدة: "يوم 3 مايو بمثابة تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، وهو أيضاً يوم للتفكير بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة والأخلاق المهنية، وهو يوم لدعم وسائل الإعلام التي تتعرّض لاستهداف يؤدي إلى تقييد حرية الصحافة أو إلغائها".
ولكنّ العام الفائت كان حافلاً بمحطات استثنائية، شكّلت تغيّرات مهمة في طبيعة عمل الصحافة والإعلام في العالم، وبينما تمكّن بعضها من التدخّل في صناعة المشهد الصحافي من حيث التأثير على الحريات الإعلامية في تغطية الأحداث وعلى حريات الناس في الوصول إلى المعلومات الصحيحة، مثّلت بعض الأعمال الصحافية والقضايا المرتبطة بالصحافيين وحرياتهم الإعلامية أحداثاً استثنائيةً بحدّ ذاتها.
جوليان أسّانج: خطر الترحيل إلى الولايات المتحدة
في 20 نيسان/أبريل الفائت، قضت محكمة بريطانية بترحيل مؤسس "ويكيليكس"، جوليان أسانج، إلى الولايات المتحدة الأميركية لمحاكمته بتهم التآمر ضدّ الحكومة واختاق حواسيب وزارة الدفاع والتجسس.
ورفضت المحكمة البريطانية العليا النظر في طلب تقدَّم به أسانج في آذار/مارس الفائت بعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة، بعد أن وافقت العام الفائت على طعن تقدمت به واشنطن طالبةً ترحيله إلى أراضيها.
أسانج، الصحافي الأسترالي الملاحق بشكل أساسي منذ عام 2010، طلب اللجوء السياسي إلى سفارة الإكوادور عام 2012 هرباً من ملاحقة قضائية سويدية وصفتها أكثر من جهة حقوقية وصحافية عالمية بأنها "ذات خلفية سياسية"، بينما تريد واشنطن محاكمته اليوم بـ "تهمة تسريب كمٍّ هائلٍ من الوثائق السرية" تحت قانون يعود إلى عام 1917، متجاهلة قانون حرية الصحافة والضمان حقّ الناس في الوصول إلى المعلومات.
Today, on World Press Freedom Day Julian #Assange awaits a decision from @pritipatel on his extradition. If the @EU_Commission and every single one of the political groups in the @Europarl_EN do not raise the call for the release of Julian Assange, it makes a mockery of this day. pic.twitter.com/oBVHNFUnGk
— Clare Daly (@ClareDalyMEP) May 3, 2022
كشفت وثائق "ويكيليكس" التي نشرها أسانج تباعاً منذ 2006 معلومات مهمة للرأي العام، تعتبر بحدّ ذاتها أحد نماذج العمل الصحافيّ المؤثّر في تشكّل وعي الجماهير والضامن لحقّ المتابعين في الوصول إلى المعلومات، وكشفت الوثائق ارتكابات قامت بها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، من قتل الجيش الأميركي مئات آلاف المدنيين، وفي العراق، حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين الموثقين عند الإدارة الأميركية 66 ألفاً.
واعتبر صحافيون غربيون كثر من بينهم كبار محرري صحف عالمية كواشنطن بوست ونيويورك تايمز، أنّ "نزع صفة الصحافي عن أسانج وملاحقه في لائحة التهم الأميركية كجاسوس، يشكّل خطراً غير مسبوق على كلّ عمل الصحافة الاستقصائية والحريات الإعلامية".
جمال خاشقجي: خاتمة "خطيرة ومخيّبة"
منذ اغتيال الصحافي والكاتب السعودي المعارض لحكم الملك سلمان وابنه، في ظروف غامضة داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 تشرين أول/أكتوبر عام 2018، راهن الجسم الصحافي في مختلف أنحاء العالم أنّ محاكمة عادلة تقتصّ من المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة ستكون الرادع الوحيد أمام تكرارها، مع ما تمثّله من خرق صارخ لكلّ الحريات الإنسانية والصحافية والسياسية.
ولكن، وبعد تصعيد كبير بين تركيا والسعودية على خلفية الجريمة، وبعد إثارة فرضية توجيه اتهام لأعلى مستويات القيادة السياسية في المملكة بأنّها هي من أصدرت الأمر بالقتل دعمتها تقارير سياسية وأمنية غربية، حمل العام الحالي نهاية "خطيرة ومخيّبة للآمال" بالنسبة للجسم الصحافي والحقوقي العالمي.
فقد قررت المحكمة التركية، في 7 نيسان/أبريل الفائت، إنهاء المحاكمة الغيابية لأكثر من 26 متهماً، وإحالة الملفّ إلى السعودية، فيما بدا كشرط سعوديّ لعقد تسوية بين الطرفين تحتاجها أنقرة بشدة، وقبل أسبوع واحد من الإعلان عن زيارة رسمية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إلى السعودية وصفت نتائجها بأنها تاريخية على مستوى العلاقات بين البلدين
الصحافة في الاتحاد الأوروبي: بين "بيغاسوس" وقتل وسجن
نشر الاتحاد الأوروبي للصحافيين، اليوم الثلاثاء، تقريراً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة عن وضع الصحافيين في أوروبا، وكشف "أنّ 84 صحافياً مسجونون حالياً داخل أوروبا بسبب قيامهم بعملهم"، كما أكّد أنّ "44 صحافياً آخرين قتلوا في القارة منذ عام 2015".
كما كشفت منظمة "فوربيدن ستوريز" الفرنسية أنّ "180 صحافياً في أوروبا تعرّضوا إلى التجسس على هواتفهم الذكية باستخدام البرنامج الإسرائيلي "بيغاسوس"، وأنّ من بين الدول التي تعرّضوا فيها للتجسس بلجيكا وفرنسا وهنغاريا.
فيما أكّد المجلس الأوروبي لحماية حقوق الصحافة أنّه "سجّل 282 انتهاكاً خطيراً لحرية العمل الصحافي في 35 دولة أوروبية خلال 2021".
وبالرغم من الصعوبات التي يعانيها الصحافيون في أوروبا على مستوى حرية الخطاب، والتي تضاف إليها معاناتهم الدائمة مع التمويل السياسي لمعظم المنصات الإعلامية والذي ينعكس رقابة وتوجيهاً للخطاب الإعلامي، لا يمكن إغفال قضية ازدواجية المعايير التي يقارب فيها الإعلام الأوروبي السائد قضايا "العالم الآخر" خارج القارة، والتي ظهرت مع تغطية أزمة اللاجئين الأوكرانيين ومقارنة الخطاب الإعلامي المرتبط بالحدث مع الخطاب تجاه اللاجئين العرب.
كما شكّل الخروج العسكري الفرنسي من مالي هذا العام مناسبة للصحافة الفرنسية والأوروبية لاستحضار خطاب شبه استعماري، ذكّر "بحاجة البلاد الأفريقية للتدخل الأوروبي لإدارة شؤونها ومساعدتها على التقدم والتحضّر"، متناسياً دور أوروبا التاريخي في استغلال ثروات القارة السوداء وسكانها.
طرد الصحافيين العرب: تطهير عرقي-سياسي في "دويتشه فيله"؟
أثار قرار وكالة "دويتشه فيله" الألمانية، في مطلع شباط/فبراير الفائت، فصل عدد من الموظفين العرب على خلفية تغريدات ومشاركات لهم مناهضة للاحتلال الإسرائيلي عبر "فيسبوك" و"تويتر"، موجة غضب عارمة في الجسم الإعلامي العربي والعالمي، لا سيما المؤيّد لحق الفلسطينيين في العيش بحرية.
وكان ملفتاً استخدام الوكالة تهمة "معاداة السامية" لتبرير طردها خمسة صحافيين من لبنان وفلسطين وسوريا هم باسل العريضي وداوود إبراهيم ومرام سالم وفرح مرقة ومرهف محمود، وهي تهمة اعتبر كثيرون أنّها تحمل دلالات على الخلفية "الإسرائيلية" للقرار، وتؤكّد عدم مراعاة الوكالة لمبادئ الحريّات الإعلامية وحريات الرأي.
وبينما تعرّض نحو 10 صحافيين آخرين في وكالة DW للتحقيق حول منشورات عبروا فيها عن رأيهم المؤيد لفلسطين، طرحت هذه الحادثة أسئلة كبيرة حول مدى جدية القوانين الراعية لحرية العمل الإعلامي وحقوق الصحافة في الدول الأوروبية
تبعات سيف القدس: حصار رقمي واسع النطاق
شكّلت خطوة DW حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية، أطلقتها وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلامية في الحكومة الإسرائيلية خلال وعقب معركة سيف القدس في أيار/مايو الفائت.
فقد أقلق الدعم الواسع الذي حظي به الفلسطينيون في منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، وشكّل فارقاً مهماً في طبيعة انتشار المعلومات حول الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر ضدّ النساء والأطفال والاستهدافات ذات الطابع الانتقامي لأبراج غزة، كيان الاحتلال.
كما شكّل الدور الذي لعبته وسائل التواصل قبل بدأ المعركة، في تظهير حقّ أهالي حيّ الشيخ جراح الفلسطينيين في السكن في منازلهم بأمان وعدوانية الاحتلال ولا شرعية قراراته، سابقة صحافية وإعلامية أظهرت قدرة وسائل التواصل على اختراق أنظمة "الفلترة" و"الخوارزميات" بالإضافة إلى تجاوز عقبة انحياز المؤسسات الإعلامية الكبرى للتوجهات الإسرائيلية.
على أثر ذلك أطلقت حكومة الاحتلال حملة تواصل هدفت للتأثير على صناع السياسات في منصات كبرى كـ “تويتر" و"فيسبوك" وتيك توك" و"يوتيوب" و"غووغل" وغيرها، أثمرت تزايداً غير مسبوق في القيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني، وحظراً لحسابات وصفحات لعبت دوراً أساسياً في نشر معلومات صحافية شفافة عن الأحداث في فلسطين، فيما يزال التضييق مستمراً وبشكل متزايد لمواجهة محاولات الالتفاف على القيود التي بات يلجأ إليها الصحافيون والناشطون.
ويضاف إلى الحصار الرقمي الممارس ضد المحتوى الإعلامي والصحافي الفلسطيني، الحصار المادي والممارسات العدوانية التي يقوم بها الاحتلال ضد الصحافة في فلسطين المحتلة.
فبالإضافة إلى الإبعاد عن القدس، وتعريضهم للتجسس، والاستدعاء إلى التحقيق، ومنعهم من مزاولة عملهم، يقبع حتى الساعة 15 صحافياً فلسطينياً خلف قضبان المعتقلات الإسرائيلية، بحسب نادي الأسير الفلسطيني، بعضهم بتهمٍ وبعضهم بدونها، ومن بينهم الصحافية بشرى الطويل ابنة ال 26 عاماً والتي اعتقلت مؤخراً على حاجز للاحتلال.
تغطية الحدث الأوكراني: انحياز وحصار رقمي "غير مسبوق"
شكّل الحدث الأوكراني نقطة تحوّل خطيرة في طبيعة ممارسة القيود على العمل الصحافي والحريات الإعلامية، وحقّ الناس في الوصول إلى المعلومات.
فالانحياز الإعلامي الواضح لدى مؤسسات الإعلام الأميركية والغربية في تغطية النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلفها أوروبا والولايات المتحدة، تجلّى بشكل أساسي عبر تهميش السردية الإعلامية الغربية لكلّ أسباب النزاع وتقديم الصراع الحالي كتصعيد استثنائي من قبل روسيا، متجاهلةً كافة أشكال التصعيد الذي مارسته كييف ضدّ روسيا والأوكرانيين الروس وسكان دونيتسك ولوغانسك خلال الأعوام الماضية.
لكنّ التغطية الإعلامية الغربية المنحازة إلى سياسة ومصالح مالكي هذه المؤسسات الإعلامية كانت، رغم كونها مرفوضة وغير طبيعية، متوقعة إلى حدّ ما وسط التصعيد السياسي الهائل وإعادة التموضع الحادّ الذي شهدته الجبهة السياسية الدولية.
ما كان بحسب خبراء إعلاميين "غير متوقع وشهد استنكاراً واسعاً" هو تغطية صحافية على شبكات عالمية "أدخلت في لغتها، بشكل متكرر ومنهجي، إشارات عنصرية على أسس عرقية وطبقية ومناطقية ولغوية"، تعيد بحسب خبراء الإعلام "المهنة قروناً إلى الوراء".
كما أدّى الحظر الذي فرضته الدول الغربية على القنوات والإذاعات والمواقع الروسية سابقة خطيرة تظهر مدى ارتباط العمل الإعلامي والصحافي عند أبرز القوى في العالم بأجندتها السياسية، وحجم الخطر والتهديد الذي تراه في وسائل إعلامية تنقل رواية مختلفة أو مخالفة للرواية والسردية الرسمية في تلك الدول.
فحُظرت شبكة روسيا اليوم وموقع وكالة "سبوتنيك" وإذاعة راديو روسيا وغيرها، كما قيّدت منصة "فيسبوك" عمل "قناة زفيزدا" و"وكالة نوفوستي" و"موقع لينتا" و"موقع غازيتا"، بينما اعتبرت روسيا الإجراء هذه القيود "تنتهك مبادئ التداول الحر للمعلومات والوصول إليها".
العالم العربي: السعودية ودول التطبيع على عرش الانتهاكات بحق الصحافيين
قالت "هيومن رايتس ووتش" و"مركز الخليج لحقوق الإنسان"، في تموز/يوليو الفائت، إنّ "أحمد منصور، المدافع الإماراتي البارز عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، قد يكون معرَّضاً إلى إجراءات انتقامية"، بعد أن تناقلت وسائل إعلام إقليمية رسالةً خاصة كتبها ذكرت بالتفصيل ما يلاقيه من "صنوف إساءة المعاملة أثناء الاحتجاز ووقائع محاكمته الجائرة".
ليت لدينا في امارات التسامح حرية تعبير وحرية صحافة وحرية تجمع وحريات سياسية كما لدينا حرية معتقد وحرية تجارة وحرية شخصية وحريات اجتماعية
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) January 15, 2017
وتعرّضت شخصيات عدة زارت السعودية والبحرين والإمارات لمضايقات وصلت إلى حدّ الترحيل، السجن، التوقيف المؤقت وغير ذلك بسبب تغريدات ومواقف سابقة، مع ما يعنيه ذلك من زيادة لحجم التقييد والرقابة الذاتية عند المقيمين في هذه البلاد، ومستوى قمع حريات التعبير في هذه الدول.
وبينما يقبع في سجون البحرين صحافيون ومراسلون ومصورون وناشطون في ظروف إنسانية صعبة وخارج أيّة رقابة دولية، قال المعارض البحريني عبد النبي سلمان في مقابلة صحافية: "في ظل الظروف الحالية في البحرين لا يمكن لنا أن نتحدث عن وجود حرية رأي وتعبير، كما أن هناك صحفيين ومدونين وكتّابا ومصورين ومثقفين تم استهدافهم بسبب طبيعة عملهم ونشاطهم ورأيهم السياسي وهذا يعطينا مؤشراً على ما هو متاح".
كما شكّل التطبيع الذي أقدمت عليه بلدان عربية عدّة خلفيةً لفرض رقابة مشدّدة على المحتوى المناهض للتطبيع مع كيان الاحتلال أو المناصر لفلسطين في هذه الدول، كالمغرب والإمارات والبحرين، فتمّ منع مظاهرات وفرض حظر على تغطية نشاطات شعبية مناهضة لقرارات الحكومات، كما تمّ استدعاء صحافيين وناشطين عبّروا عن آرائهم الرافضة للتطبيع إلى التحقيق وتمّ اعتقال العديد منهم.
وأظهر غياب أيّة مادة نقدية للحكم وأداء الحكام في هذه البلدان، بالرغم من قيامها بأعمال لاقت إدانات دولية من منظمات وشخصيات ودول كإعدام السعودية والبحرين لناشطين سياسيين وأطفال معتقلين بتهم سياسية على خلفيات مرتبطة بتعبيرهم عن رأيهم، إشارة إضافية إلى أنّ الحريات الإعلامية في هذه البلاد مصادرة بشكل كبير.
واعتبرت الأزمة السعودية في علاقاتها السياسية مع لبنان، والتي فجّرتها عقب تصريح للإعلامي ووزير الإعلام والصحافة اللبناني جورج قرداحي يقول فيه إنّ "حرب اليمن عبثية"، مثالاً بارزاً في عام 2021 على مدى عدم تقبّل الرياض لأي شكل من أشكال الرأي الآخر حتى لو كان خارج بلادها ومن غير مواطنيها.
وقد أدّت الحملة السياسية الضاغطة وقطع العلاقات التام، مصحوبة بحملة إعلامية مدارة من قبل الحكومة السعودية تضمنت استخدام إشارات عنصرية ورجعية ضدّ لبنان واللبنانيين والقرداحي، فضلاً عن تهديدات بطرد لبنانيين من دول الخليج، إلى استقالته من منصبه بعد شهر من التصريح، في انتهاك صارخٍ لحريات التعبير والإعلام.