"سنخلق سلسلة من المعارك".. يوم اقتحام مبنى الكابيتول لم ينته بعد!
هجوم أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مبنى الكابيتول لا زال يشكّل محور اهتمام الرأي العام الأميركي، خاصةً مع تمسّك ترامب وأنصاره بموقفهم من نتائج الانتخابات الرئاسية.
-
أنصار دونالد ترامب هاجموا مبنى الكابيتول حيث كانت تجري المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية
نزل الآلاف من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب إلى شوارع واشنطن في السادس من كانون الثاني/يناير 2021 للاحتجاج على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي اعتبروها "مزوّرة". ويومها، تعرّض مقر الكابيتول إلى هجوم غير مسبوق.
بعد عام على الهجوم، يستذكر 3 من أنصار ترامب تلك الأحداث.
"النشوة" بالجماهير وخطاب ترامب
يقول سامسون راتشيوبي (40 عاماً)، وهو عضو بارز في الحزب الجمهوري استأجر عدة حافلات لنقل الناس من مسقط رأسه في ماساتشوستس إلى واشنطن إنّ اليوم السادس من كانون الثاني/يناير كان "مدهشاً".
بدأ ذلك اليوم بتوجّه الرئيس الأميركي الجمهوري المنتهية ولايته حينذاك دونالد ترامب إلى حشود من مؤيّديه الحاملين أعلام كُتب عليها "ترامب 2020" قرب البيت الأبيض.
وأثار ترامب حماسة الجمهور بنبرة تحدٍّ، مكرّراً من دون أدلة بأنّه فاز بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر بدلًا من الديمقراطي جو بايدن.
وأشار ترامب إلى أنّ نائبه مايك بنس هو المفتاح، قائلاً: "إذا قام مايك بنس بالأمر الصحيح، فسنفوز بالانتخابات". وحضّ الحشد على التوجّه إلى الكونغرس و"القتال".
ويتذّكّر الستّيني جيم وود، الذي أتى من نيو هامبشير إلى واشنطن، "الشعور الفعلي بالنشوة ذاك اليوم" إثر "رؤية كل هؤلاء الناس". وقبل أن يُنهي ترامب كلمته، توجّه وود إلى الكابيتول حيث كان الكونغرس مجتمعاً للمصادقة على فوز بايدن.
ولم يكن وود الوحيد الذي هرع إلى الكابيتول، فتجمّع حشد هائل بسرعة حول القبة البيضاء اللامعة للمبنى.
"هيّا بنا!"... الفوضى والعبث داخل مبنى الكابيتول
سار الآلاف باتّجاه الكابيتول، بينهم أعضاء في مجموعات ناشطة هي "براود بويز" و"أوث كيبرز"، وارتدى العديد منهم سترات واقية وخوذات.
وفي فندق قريب، أدار حلفاء ترامب "غرفة حرب" كانوا على تواصل منها مع الأشخاص في الشارع والمكتب البيضاوي والنواب الجمهوريين في الكونغرس.
"وفجأة"، بحسب ما يروي غلين مونتفالكون الذي جاء أيضاً من ماساتشوستس إلى واشنطن، بدأت تُسمع "نداءات: هيّا بنا، هيّا بنا، هيّا بنا، ثمّ بدأ نوع من الفوضى يحدث".
ويضيف أنّ "الناس كانوا يدفعون ويدفعون ويدفعون. انطلقوا انطلقوا، تقدّموا نحو الأمام، تقدّموا نحو الأمام"، متابعاً: "وهكذا فعلنا جميعاً، تقدّمنا جميعاً نحو الأمام وبدأنا بالدخول إلى المنطقة، ثمّ صعدنا الدرج".
يؤكّد الرجال الـ3 أنّهم لم يدخلوا إلى مبنى الكابيتول، علماً أنّهم قد يدخلون السجن إذا اعترفوا بقيامهم بذلك. لكن اقتحم مئات الأشخاص المبنى، من بينهم رجل لديه وشوم ونصف عارٍ يرتدي قروناً وقبعة من الفرو.
وأدى الاعتداء العنيف الذي أعقب ذلك إلى إغلاق الكابيتول وأوقف جلسة المصادقة، فيما فر النواب وقتل 5 أشخاص وأصيب العشرات بجروح.
-
اقتحم أنصار دونالد ترامب مبنى الكابيتول وكان من بينهم رجل يرتدي قروناً وقبعة من الفرو
ويقول وود إنّ المشاهد التي بثّتها التلفزيونات والتي شاهدها هو في اليوم التالي كانت "مُشيطنة" وإنّ أغلبية المتظاهرين لم يقتحموا المبنى وبقوا خارجاً.
وخلال الأشهر القليلة اللاحقة، ظهرت روايتان متناقضتان: مؤيدو ترامب قالوا إنّها كانت تظاهرة سلمية احتجاجاً على انتخابات "سُرقت"، فيما الشرطة التي تواجهت مع مثيري الشغب والمشرّعين الديمقراطيين وبعض الجمهوريين اعتبروها "إرهاباً".
المشاركون في الاقتحام مستعدون لتكراره
وفي أعقاب السادس من كانون الثاني/يناير، أطلقت السلطات حملة تمشيط على مستوى البلاد للمشاركين في الهجوم على مبنى الكابيتول.
أتى عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) إلى منزل مونتفالكون، واعتٌقل العديد من أصدقائه. وفشل الطلاب في محاولة طرد راتشيوبي في كلية الحقوق التي يدرس فيها.
وتحقّق لجنة في مجلس النواب في واشنطن في ما وُصف بأنه تمرّد أو محاولة انقلاب. غير أنّ المشاركين في الأحداث لا يزالون يرفضون هذا التوصيف.
أما راتشيوبي، فيقول بفخر "هذا شيء سأخبر أحفادي عنه". مقتنعاً، مثل العديد من الجمهوريين، أنّ انتخابات 2020 "سُرقت" من ترامب، رغم غياب الدلائل على ذلك.
ويعتبر طالب القانون إنّ السادس من كانون الثاني/يناير كان مجرد مناوشة في صراع مستمر. ويقول: "ننظر إلى ذاك اليوم على أنّه حرب، صحيح؟"، مضيفًا أنّ "الحرب هي الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر".
ويتابع: "وقبل هذه الحرب، سنخلق سلسلة من المعارك"، مؤكداً أنّهم سوف يتسببون "في أكبر قدر ممكن من الضرر السياسي لليسار والأشخاص الذين يدعمون الاستبداد".
وعمّا إذا كان يُكرّر فعلته لو تمكن من ذلك، يقول "طبعاً".
مسارعة لاستكمال التحقيق والأنظار تتركّز على ترامب
اعتقد كثيرون أنّ تدابير عزل ترامب التي سرعان ما أعقبت الحادثة خلال الأسبوعيين التاليين وتنصيب بايدن في 20 كانون الثاني/يناير، ستطوي هذه الصفحة لتكون فصلاً من فصول التاريخ.
لكن ترامب بقي في الواجهة، فعزز سيطرته على الحزب الجمهوري ورفض جميع الانتقادات وتعهّد العودة إلى الساحة السياسية.
بدورهم، يطالب الديمقراطيون بالمحاسبة. وقال عضو الكونغرس الديمقراطي بيني ثومبسن، الذي يقود تحقيق مجلس النواب، إنّ "عدم القيام بتحرّك ما أو تجاوز (ما حصل)، ليس خياراً بكل بساطة".
وسيكون على اللجنة، التي استجوبت أكثر من 300 شخص، استكمال عملها قبل انتخابات منتصف الولاية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، التي قد تعيد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، ما سيعني إلغاء التحقيق.
وفي كانون الأول/ديسمبر، أكدت نائبة رئيس اللجنة ليز تشيني (وهي من بين مجموعة صغيرة من الجمهوريين الداعمين للتحقيق) بأنّ أنظار اللجنة تتركّز على ترامب.
وقالت إنّه "لم يكن هناك مبرر أقوى في تاريخ أمتنا لإجراء تحقيق في الكونغرس في أفعال رئيس سابق. لا يمكننا الاستسلام لجهود الرئيس ترامب الرامية لإخفاء ما حصل".
لكن خبراء يشيرون إلى أنّ الكشف عن الحقيقة الكاملة لما حصل في السادس من كانون الثاني/يناير يحمل مخاطر سياسية هائلة لإدارة بايدن.
وأفاد الخبير السياسي من "معهد بروكينغز"، وليام غالستون، وكالة "فرانس برس" أنّ "السادس من كانون الثاني/يناير كان نذيراً بشأن خطر واضح وحاضر".
وأردف: "هل سيكون الأمر كذلك بعد 3 سنوات من الآن؟ الأمر غير واضح. لأنّ الأشخاص الذين كانوا عازمين على إلغاء تداعيات انتخابات 2020 تعلموا الكثير".
البنتاغون يتخذ إجراءات جديدة لمعالجة بطء الاستجابة
واجه البنتاغون انتقادات حادة بسبب بطء استجابته خلال اعتداء 6 كانون الثاني/يناير على الكونغرس، فجراء حزمة من الإجراءات، احتاج المسؤولون العسكريون أكثر من 3 ساعات لنشر الحرس الوطني في الكونغرس بعد سيطرة المتظاهرين عليه.
وفي مذكرة نشرت يوم الخميس، قرّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنّ أي طلب للتدخل من قبل الحرس الوطني، وهو قوة عسكرية في واشنطن، يجب أن يقدم الآن إلى أمانته التنفيذية لتجنّب التأخير في اتخاذ القرار. وفي حال حدوث أي اضطرابات مدنية، وحده الوزير يملك سلطة اتخاذ القرار.
وفي السياق، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إنّ وزير الدفاع سيكون من الآن فصاعداً "سلطة الموافقة الوحيدة" لطلب الاستخدام الطارئ لأفراد الحرس الوطني داخل واشنطن.
وأضاف أنّه "ومن خلال توضيح عملية الطلب وتبسيطها (...) ستكون الوزارة قادرة على الاستجابة بكفاءة وسرعة وفعالية".
وتتمتع العاصمة الأميركية واشنطن المنفصلة عن جارتيها ولايتي ميريلاند وفرجينيا لكنها ليست ولاية بحد ذاتها، بوضع خاص يمنع المسؤولين المحليين من إرسال قوات عسكرية أو شرطة أو حرس وطني إلى الكابيتول وهو مبنى فدرالي. ويدير وزير الجيش البري، بحكم الأمر الواقع، الحرس الوطني في العاصمة.
ولدى مطالبته بتقديم المساعدة بعدما تجاوز الوضع قدرات شرطة الكابيتول، قال مسؤولو البنتاغون لاحقاً إنّهم كانوا مترددين بإرسال جنود احتياط مسلحين وببزات عسكرية إلى الكونغرس خوفاً من تفاقم التوتر.
ترامب يحيي ذكرى "الاحتجاج غير المسلّح"
وأعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنّه سيعقد في الذكرى الأولى لأحداث شغب مبنى الكابيتول مؤتمراً صحافياً من منتجعه مارالاغو في ولاية ميامي الأميركية.
وفي بيانه الذي أصدره الأسبوع الماضي، وصف ترامب يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020 بأنّه "تمرد"، كما أشار إلى أنّ 6 كانون الثاني/يناير كان يوم "احتجاج غير مسلّح تماماً على الانتخابات المزورة"، بحسب صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
من جهتها، وصفت أليسا فرح، المساعدة السابقة لترامب، أنّ عقد الأخير مؤتمراً صحفياً في الذكرى بمثابة "نصيحة سيئة" من دائرته المقرّبة.
وأكدت فرح، التي عملت مع الرئيس الأميركي السابق كمديرة للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، أنّ "ترامب سيكون أفضل حالاً لو التزم الصمت" في هذا اليوم.
وأضافت: "سيكون حكيماً بالنسبة له أن يظل صامتاً للسماح لأولئك الذين كانوا ضحايا في مبنى الكابيتول هيل بالحديث عن ذلك اليوم المهم للغاية".
ويتخوّف الديمقراطيون من احتمال ترشّح دونالد ترامب مرةً أخرى في الانتخابات الرئاسية عام 2024. وتوقعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، في وقت سابق، حدوث ذلك.
واعتبرت أنّ ذلك سيكون بمثابة "كارثة"، مضيفةً أنّه "إذا لم تتم محاسبته وتمكّن من فعل ذلك مرة أخرى"، فذلك قد يكون "نهاية ديمقراطيتنا".