دبلوماسي روسي للميادين نت: سوريا تحتاج لموقف عربي ثابت بوجه الضغوط الأميركية
ما التحديات التي تواجهها اليوم مشاركة روسيا في عملية إعادة إعمار سوريا؟ وما تأثير الحرب في أوكرانيا على الوجود العسكري الروسي في سوريا؟ وما هي آفاق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لما بعد الحرب في سوريا؟
شهدت العلاقات السورية - الروسية التي بدأت عام 1944، تطورات كبيرة وقفزات مهمة على جميع الصعد، جعلت دمشق وموسكو تتجاوزان حدود الصداقة التقليدية، وتؤسسان لمستويات جديدة من التعاون الاستراتيجي، والتنسيق الشامل في جميع الملفات، وفق رؤية واضحة ومشتركة لكل ما يتصل بالقضايا الدولية والمسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك.
فما التحديات التي تواجهها اليوم مشاركة روسيا في عملية إعادة إعمار سوريا؟ وما تأثير الحرب في أوكرانيا على الوجود العسكري الروسي في سوريا؟ وما هي آفاق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لما بعد الحرب في سوريا؟
هذه الملفات ناقشها "الميادين نت" مع الدبلوماسي والأكاديمي الروسي إيغور ماتڤيڤ، الذي تعود معرفته العميقة بسوريا إلى العام 1993، عندما وصلها للمرة الأولى، والتي كانت سياستها الخارجية في الشرق الأوسط موضوع أطروحته في الدكتوراه التي نالها عام 2003.
عمل ماتڤيڤ كدبلوماسي روسي في سوريا والولايات المتحدة الأميركية، وشغل بين العامين 2014 و2017 منصب رئيس القسم التجاري والاقتصادي كمستشار أول في السفارة الروسية بدمشق، وأصدر عام 2018 كتاباً بعنوان "التأثير الاقتصادي لأزمة سوريا: دروس وآفاق".
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:
- في شهر آذار/مارس من هذا العام، زار الرئيس بشار الأسد موسكو، والعديد من المُعلقين قالوا إن هذه الزيارة ستفتح مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين على جميع المستويات، ما ملامح هذه المرحلة الجديدة؟
نعم، لكن الرئيس بشار الأسد كان قد زار موسكو قبل ذلك ثلاث زيارات عملية، أما هذه الزيارة فلا أعتقد أنها تؤسس لمرحلة جديدة بالمطلق، وإنما التعبير الصحيح هو تطور مستمر للعلاقات بين البلدين الشقيقين، فبحسب جدول الأعمال الرسمي كان هناك حضور للعديد من الوزراء منهم وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وهي هيئة مهمة جداً في الحكومة السورية، وهذا دليل واضح على الاهتمام الذي يعيره الجانب السوري لتطوير العلاقات مع روسيا الاتحادية في جميع المجالات خصوصاً الاقتصادية والمالية والاستثمارية، لكن أعتقد أن من أهم ما تم بحثه هو تطبيع العلاقة بين سوريا وتركيا، ورأينا بعد الزيارة إعلان إقلاع خريطة العمل بهذا الخصوص بدعم دبلوماسي روسي.
- يشعر الكثير من السوريين بالخيبة بعد أن علقوا آمالاً كبيرة على بدء التحسن الاقتصادي بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، هل ترون أن هذه العودة قد تنتج مساراً من الانفتاح والتحسن التدريجي للاقتصاد السوري؟
بدءاً من صيف عام 2020 وبالرغم من وجود جائحة كورونا، بدأ الخبراء العرب يبحثون في موضوع الانفتاح الخليجي الاقتصادي على سوريا، أي منح الاستثمارات.
وأود أن أشير هنا إلى أن الاستثمارات الخليجية كانت موجودة خلال الأزمة السورية وفي أصعب الأوقات، في القطاع البنكي وقطاع التأمينات وغيرهما من القطاعات الاقتصادية حتى إن هناك عدة شركات خليجية في المدينة الصناعية بحسياء بحمص، وهذا عامل مهم لأنه أساس لتقدم لاحق.
لكن، هناك تحديات حتى بعد اتخاذ القرارات الإيجابية المناسبة من جامعة الدول العربية، لأن هناك عقوبات غربية وضغطاً أميركياً على هذه الدول، فمثلاً هناك مشروع قانون في الكونغرس ضد تطبيع العلاقات مع سوريا بعنوان "Assad Regime Anti-Normalization Act of 2023" وهذا المشروع أسلوب للضغط على شركاء سوريا لمنع الاستثمارات الكبيرة.
في الوقت نفسه، ثمة دول خليجية مثل الإمارات وسلطنة عمان متقدمة بأنظمة عمل B2B أي الشركات التي تقدم منتجاتها لشركات أخرى، وإن شاء الله سوف تكون إيجابية أيضاً مستقبلاً بالنسبة إلى نظام B2G أي أن يصبح تعامل الشركات مباشراً مع الحكومة بصيغ وملفات مختلفة.
عدا عن العقوبات الغربية والأميركية، هناك الآثار والأضرار التي خلفتها الحرب، لكن الحكومة السورية تبذل كل جهودها في سبيل تحسين المعيشة للناس، مثلاً القرار الأخير الذي أصدره البنك المركزي الذي سمح بموجبه ببيع العملة الأجنبية للمستوردين السوريين كي يشتروا المنتجات من الخارج. هذه خطوة إيجابية إلى الأمام وستحدث تأثيراً ملحوظاً.
- ما التحديات التي تواجهها مشاركة روسيا في عمليات إعادة الإعمار في سوريا؟
أولاً، هناك نقص في الإمكانيات لتمويل الاستثمارات بسبب العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا، وثانياً وجود العقوبات التي تمنع تحويلات الأموال البنكية والاستثمارات، ويبذل الجانبان جهودهما في سبيل إيجاد صيغ ملائمة ومناسبة لتوفير التقدم اللازم للأمام، على سبيل المثال استخدام العملتين الوطنيتين، لكن هناك تضخم كبير لليرة السورية، هذا يعدّ تحدياً كبيراً للمشاركة الروسية، بالرغم من ذلك نحن متفائلون ونسعى لتعاون، ليس ثنائياً فقط، بل متعدد الأطراف مع إيران مثلاً، وممكن بعض الدول العربية، وهذا سوف يجري على أساس القاعدة الإقليمية لإعادة الإعمار في سوريا في حال ظهورها.
- ما تأثير العقوبات المفروضة على سوريا وحليفتيها، روسيا وإيران، في مدى التجاوب مع متطلبات دعم سوريا؟
تأثير سلبي طبعاً، ويخلّف تحديات كبيرة لكنه في الوقت نفسه يخلق إمكانيات وآفاقاً. نحن نبذل جهودنا المكثفة لإيجاد الطرق المناسبة وتنفيذ المشاريع المشتركة، ويمكن لروسيا هنا أن تستخدم صمامات الأمان المتوفرة لديها بطبيعة الحال في سوريا، من خلال الشرطة العسكرية الروسية الموجودة هناك، بموافقة ودعوة من الحكومة الشرعية السورية، وتلعب هذه القوات دوراً مهماً وإيجابياً ليس في إيجاد حلول لمسائل أمنية فحسب، لكن لتوفير المناخ الملائم والإيجابي لإحياء الحياة والواقع الاقتصادي في محافظات مختلفة، وهذا عامل مهم جداً ممكن أن نستخدمه في عملية تنفيذ المشاريع المشتركة متعددة الأطراف.
- يطرح السوريون سؤالاً مشتركاً بعد كل عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية.. ما موقف موسكو من هذه الاعتداءات المتكررة؟ لماذا لا تشارك بالتصدي أو تفعيل منظومة S300؟
أنا لست خبيراً عسكرياً، لكن بشكل عام، روسيا تتابع هذه الاعتداءات، وهناك تنسيق عسكري مستمر بين الجيش الروسي والجيش السوري، وبين الأجهزة الأمنية بمستويات مختلفة. نحن ندعم صمود الشعب السوري ولا نزال نقف إلى جانبه.
- لعبت موسكو دوراً كبيراً في التقارب بين دمشق وأنقرة عبر تشكيل اللجنة الرباعية.. كيف تقيمون وتيرة السير بخريطة الطريق التي تم وضعها؟
روسيا لا تزال تلعب دوراً أساسياً في هذا الملف المهم، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار وجود المصالح الشرعية لسوريا الشقيقة، هذه المسألة ليست فقط تطبيعاً من أجل التطبيع، بل هناك ظرف خاص يتلخص باحتلال تركي لشمال البلاد، ومن دون موافقة الحكومة الشرعية في دمشق، هذا العامل الذي يمنع التوصل إلى القرار بتطبيع العلاقات، حتى بدعم روسي.
وكان الرئيس الأسد قد تحدث بوضوح خلال قمة جدة عن وجوب انسحاب القوات التركية لبدء عملية التطبيع بين البلدين، وكما ذكرت سابقاً، لقد تم بحث هذا الأمر خلال زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى موسكو، ويعدّ هذا الموضوع مهماً لناحية إعادة الإعمار في سوريا لأنه من الممكن أن يفتح آفاقاً معينة لإقلاع القاعدة الإقليمية لدعم هذه العملية بمشاركة البلدان العربية.
الانتصار على الإرهاب في سوريا كان بسبب صمود الشعب
- قلتم في إحدى مقالاتكم: "بصفتها جهة خارجية رائدة في الصراع السوري، تمتلك روسيا الآن القدرة على المساهمة في تقريب تسوية سلمية في إدلب".. ما هو تصوركم لملامح هذه التسوية؟
نقطة "مستقبل إدلب" مهمة جداً، وبرأيي كخبير هذا الأمر يمكن أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من خريطة العمل لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود المراقبين الأتراك في إدلب حالياً ووجود القوات المعارضة الحليفة لتركيا، هناك موضوع أيضاً يتعلق بعدم تمديد قرار مجلس الأمن بإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر باب الهوى، لكن بالرغم من ذلك، صرحت الحكومة السورية عن استعدادها لمنح هذه الإمكانية بشروطها السيادية، وهذا عامل جديد ومهم جداً لايجاد الحلول لمشكلة إدلب التي تحتمل من وجهة نظري 3 سيناريوهات:
الأول، أن تبقى منطقة رمادية، وهذا أمر غير مقبول ليس لدمشق فحسب بل لأنقرة أيضاً، لأن إدلب سوف تبقى مصدراً لدخول الأسلحة والمسلحين والمجرمين للأراضي التركية وهذا يخلق مشكلات كثيرة.
أما السيناريو الثاني فهو انضمام إدلب إلى السيطرة التركية، وأظن أنه أمر ليس مقبولاً في تركيا التي سوف تتحمل نفقات كبيرة، لا يقدر اقتصادها المأزوم على حملها، إذ إن قيمة التضخم وصلت إلى رقم كبير 8.6% وأصبح الدولار يساوي أكثر من 26 ليرة تركية، ولهذا رأينا الجولة التي قام بها إردوغان في السعودية وقطر والإمارات للحصول على استثمارات.
السيناريو الثالث هو سيطرة الحكومة الشرعية السورية على إدلب مع أخذ مصالح القوى المحلية الموجودة هناك في الاعتبار.
بكل الأحوال، سوف تدعم روسيا كل الجهود لإيجاد الحلول لمشكلة إدلب خصوصاً المسائل الأمنية، نحن نشاهد كل فترة كيف تُطلَق القذائف من إدلب على المناطق المجاورة لها كاللاذقية والقرداحة والتي تخلف ضحايا وجرحى وأضراراً مختلفة.
- نشرتم كتاباً بعنوان"الاقتصاد عشية الصراع في سوريا، الدروس والآفاق".. ما الدروس الاقتصادية التي يجب أن تكون سوريا استخلصتها من الحرب؟!
الدرس الأول هو أن الانتصار على الإرهاب سببه الأول والرئيسي صمود الشعب السوري، يليه في المرتبة الثانية دعم الحلفاء روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، ثم إن دعم وتأييد الشعب للحكومة والرئيس حتى في أصعب الأوقات والتدخل والاحتلال الأجنبي وغيرها من العوامل السلبية، كان ضمانة الحفاظ على سيادة الدولة، مقارنة بالسلطات التي سقطت في بلدان أخرى في العالم العربي كمصر، لقد بقيت سوريا بلداً ذا سيادة رغم كل الصعوبات والتحديات وهذا أمر مدعاة للاحترام.
لقد علّم السوريون العالم أنه من المستحيل إسقاط السلطة الشرعية إذا كانت مدعومة شعبياً، وسيفهم الكثير من البلدان هذا، مع مرور الوقت كما فعلت البلدان التي كانت تسير عكس السياق مثل البلدان العربية، خصوصاً الخليجية.
- كيف تقيمون الوضع الاقتصادي في سوريا اليوم؟ هل هناك أفق لتعافٍ قريب؟
الوضع الاقتصادي اليوم صعب بسبب العقوبات والأضرار والخسائر الكبيرة، وحتى الأزمة في لبنان أثّرت بشكل كبير، لأن هناك معاملات مالية واقتصادية بين البلدين المجاورين، ولكن بالرغم من ذلك، أنا متفائل بعد رجوع الأسرة العربية إلى سوريا، ذلك مع الوقت سيفتح إمكانيات واسعة للدعم والتنسيق وإعادة الإعمار، وهذا مفتاح لإيجاد طرق لتسوية الأزمة سياسياً، وايجاد حلول للأزمة الإنسانية وتحسين حال معيشة الشعب وهو الأهم حالياً.
- يتناول الفصل الثالث من كتابكم محاولات حكومة دمشق خلق "اقتصاد حرب" كما سميتموه، وذلك لتجنب الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الكامل للدولة.. ما هي ملامح هذا الاقتصاد وهل ترون أنها نجحت في التجربة؟
سؤال صعب. أكيد هناك انهيار للوحدة الاقتصادية نتيجة الأزمة والاعتداءات الإرهابية والتدخل الأجنبي ووجود "داعش" وغيرها من العوامل.
لكن هذا الانهيار جزئي وليس كاملاً، فاليوم توجد عدة اقتصادات في سوريا، أولها الاقتصاد الوطني الذي تقوده الحكومة الشرعية، الاقتصاد الثاني هو الموجود في المناطق التي يسيطر عليها الكرد، ومن الضروري جداً إيجاد حل لهذه المشكلة، كخبير أريد أن أقول إنه من الممكن منح هذه المناطق لامركزية مع الحفاظ على سيادة سوريا بكاملها.
لن تصبح سوريا دولة فيدرالية، هذا خط أحمر لسلطاتها، ونحن نحترم ذلك، ولكن يجب إيجاد مفتاح لحل هذه المشكلة اقتصادياً، هناك أيضاً اقتصاد شمال سوريا الذي يسيطر عليه الأتراك، وإدلب الصغيرة، ومن الضرورري توحيد تلك الاقتصادات مع الاقتصاد الوطني الوحيد وروسيا سوف تدعم ذلك.
ما يقال عن تخفيض روسيا وجودها العسكري في سوريا غير صحيح
- تشيرون أيضاً إلى "آفاق الاستقرار بعد الحرب وبناء سوريا جديدة" ما هو تصوركم لهذه المرحلة، وما التحديات التي يمكن أن تواجهها سوريا؟ وهل هناك حظوظ للمضي في الاتفاق على مسار لخروج سوريا من الأزمة ما دامت الحرب مشتعلة في أوكرانيا؟
يقول الرئيس الأسد دائماً إن الهدف الأساسي ليس إعادة الإعمار فقط وإنما التنمية المستدامة، هذا يتفق مع نظرية "بناء سوريا الحديثة" قبل الأزمة، من الضروري إحياء تلك النظرية للتقدم إلى الأمام وهذا مهم جداً شعبياً وحكومياً وأنا على ثقة أن حلفاء سوريا سوف يبذلون كل جهودهم في الدعم.
دخول سوريا إلى هذه المرحلة الجديدة، يحتاج إلى ظروف وشروط عديدة، تتمثل بتشكيل القاعدة الإقليمية الدولية لدعم هذه العملية التي تحتاج إلى مشاركة الدول العربية وإيران وتركيا، وكذلك الحلفاء خارج الإقليم مثل الصين والهند والبرازيل، كما يجب إلغاء عقوبات جامعة الدول العربية المفعلة منذ عام 2011، وهذا يحتاج إلى موقف عربي ثابت أمام العقوبات والضغوطات الأميركية، وهناك شرط أساسي يتمثل بإنهاء الاحتلالين التركي والأميركي وإعادة توحيد الاقتصادات في سوريا وبدء حوار وطني شامل في البلاد.
أما بالنسبة إلى الشق الآخر من السؤال، فبالتأكيد يوجد صلة بين الأزمتين، مثلاً على صعيد الأمن الغذائي، هناك صعوبات حالياً في نقل القمح والاحتياجات السورية عبر البحر الأسود إضافة إلى موقف النظام الأوكراني وتدخل القوى الأجنبية خاصة الغربية بشكل سلبي.
يهمني في الختام أن أؤكد أن كل ما يثار عن تخفيض روسيا لقواتها العاملة في سوريا هو غير صحيح ومنفي بشكل مطلق، روسيا باقية في سوريا لدعمها من جميع النواحي ولتوفير الظروف المؤاتية لعملية إعادة الإعمار.