حي الشيخ جراح: لماذا يُربك الاحتلال الإسرائيلي؟
تتخوّف مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي، العسكرية والسياسية، من الانجرار إلى مواجهة في حيّ الشيخ جرّاح. إذ يرصد الإعلام الإسرائيلي القلق في الداخل المحتل من معركة جديدة ممتدة من "سيف القدس".
ماذا يحدث في حيّ الشيخ جرّاح؟ الحيّ الذي يقع في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، ويشغل الاحتلال الإسرائيلي في التعليق والتحليل والتأويل وقراءة ما يجري، بقلق وريبة.
منذ أيام، تتحدث مصادر أمنية إسرائيلية عن خشية من التصعيد مجدَّداً على خلفية أحداث حيّ الشيخ جرّاح، التي ترى في مجرياتها "محرِّكاً يحظى بتغطية إعلامية فلسطينية". يرى الاحتلال الإسرائيلي أن حي الشيخ جرّاح يمثّل "حدثاً مُفجراً"، وهذا ما نقله إعلامه، يوم أمس الأربعاء، عن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، الذي قال إنه "يعمل على وقف التدهور في حيّ الشيخ جراح، حتى لا تتدهور الأوضاع إلى معركة".
الإعلام الإسرائيلي يرصد القلق في الداخل المحتل من معركة جديدة ممتدة من "سيف القدس"؛ المعركة التي لا يزال الاحتلال يرمّم آثارها، على الصعيدين العسكري والسياسي، وحتى أمام الرأي العام لديه، والتي انطلقت أساساً دفاعاً عن المسجد الأقصى، بعد انتهاكات نفّذها جنود ومستوطنون في باحاته، وأيضاً بسبب التهديدات الإسرائيلية بتهجير أهالي حيّ الشيخ جراح من منازلهم.
منذ أيام، تحوّل حيّ الشيخ جراح إلى ساحة معركة بين المستوطنين والفلسطينيين. اليوم الخميس أيضاً، عزّز الاحتلال وجوده في محيط الحي، ونصبت سلطات الاحتلال كاميرات مراقبة، وقمعت عشرات الفلسطينيين من أهالي الحي، وأغلقت الحيّ بسواتر حديدية. كذلك، قام الاحتلال بتفريق المعتصمين بالقوة، واعتدى عليهم بالضرب. ويأتي ذلك بعد أن حاول أهالي الحي عزل منزل عائلة سالم المهدَّد بالإخلاء، قبل أيام، الأمر الذي جعل قوات الاحتلال "مسعورة" من الحي وقاطنيه. في المقابل، قال أهالي الحيّ كلمتهم "سنسكن الخيم إذا هجّرونا".
حيّ الشيخ جرّاح "خط أحمر"
في مقابل التهويل الإسرائيلي والمقاومة الشعبية التي يواجهها، أكّدت حركة "حماس" أن "استمرار حكومة الاحتلال في استفزازاتها هو لعب بالنار من جديد". وأجرت الحركة مباحثات مع المصريين بشأن اعتداءات "إسرائيل" على حيّ الشيخ جراح، مؤكدة أن ما يجري هو "تصعيد خطير لا يمكن السكوت عنه"، الأمر الذي دفع مصر إلى إدانة محاولات تهجير السكان من منازلهم في حيّ الشيخ جرّاح.
وفي السياق ذاته، أكّدت الفصائل الفلسطينية أنها "لن تترك حيّ الشيخ جراح وحيداً"، قائلة إنّ "التصعيد بالتصعيد"، محذرة الاحتلال من "اللعب بصواعق التفجير". وأكد القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، خضر حبيب، أنّ "ما يحدث في الشيخ جرّاح جريمة مكتملة الأركان"، بينما أوضح عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، محمد اللحام، أنّ حيّ الشيخ جرّاح "أصبح محط اهتمام إنساني عالمي"، داعياً إلى "استثمار ما يجري في الشيخ جرّاح من أجل خلق حالة من توحيد الأدوات الكفاحية في وجه الاحتلال".
في خضم كل ما يحدث، أكّدت عائلة سالم، المهدَّدة بإخلاء منزلها في حيّ الشيخ جرّاح، قبل أيام، أنّ "الاحتلال يدّعي أنّ دارنا هي للمستوطنين، وهددونا بقرار صادر عن المحكمة بطردنا"، مؤكّدة أنّها تعرضت للاعتداء من جانب الاحتلال الإسرائيلي، الذي يريد طردها من منزلها الذي تسكنه منذ 74 عاماً.
ما هي قصة حي الشيخ جراح؟
يسود التوتر حيَّ الشيخ جراح، على مدى سنوات، بفعل محاولات "إسرائيل" إجلاء العائلات الفلسطينية عن منازلها بدعوى أنّها تعود إلى ملكية الاحتلال. ويقطن الشيخ جرّاح أكثر من 3 آلاف فلسطيني في مساحة أراضٍ تُقَدَّر بنحو ألف دونم، وهي آخر ما تبقّى لهم من أراضٍ بعد مصادرة آلاف الدونمات من أراضي السكان التي أُقيمت فوقها 3 مستوطنات تُعرَف بمستوطنات "التلة الفرنسية".
وبعد 3 سنوات من احتلال القدس، صادق كنيست الاحتلال الإسرائيلي، عام 1970، على قانون يزعم وجود أراضٍ وعقارات لليهود في الشيخ جرّاح، وادّعى أنهم تملّكوا هذه الأراضي والعقارات قبل قيام ما يسمى "إسرائيل".
وترتكز قرارات الإخلاء الإسرائيلية على عدة أسباب. فمثلاً، يدّعي إسرائيليون أن الأرض أُخذت منهم بصورة غير قانونية خلال حرب عام 1948، التي تزامنت مع قيام الاحتلال. وبالتالي، فإنهم يقدّمون اعتراضات قانونية ويطالبون باستردادها. ويرفض الفلسطينيون هذه الادعاءات، ويقولون إنهم يملكون أوراقاً قانونية تُثْبت أحقيتهم في الملكية. في مقايل الرواية الإسرائيلية، يقول أهالي الحي إن الاحتلال "يسرق أملاك أهلهم، ويقوم بتزوير الأوراق من أجل سرقة الأراضي".
ينشط المحامي الفلسطيني، حسني أبو حسين (70 عاماً)، منذ ربع قرن، في الدفاع عن حقوق أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة. ويتولى اليوم، إلى جانب المحامي سامي أرشيد، وكالة الدفاع عنهم في مواجهة المستوطنيين الذين يحاولون احتلال منازلهم، ومن ورائهم محاكم الاحتلال الإسرائيلي.
روى أبو حسين، في وقت سابق للميادين نت، أنه زار تركيا عدة مرات منذ عام 2003، وأن الأتراك سمحوا له بصورة استثنائية بدخول الأرشيف العثماني للاطّلاع على الوثائق التي تخص ملكية حي الشيخ جراح، ويؤكّد أنه اطلّع على وثائق تعود إلى أكثر من 400 عام في الأرشيف العثماني المحفوظ، تثبت ملكية منازل الحي لسكانه الحاليين.
ويؤكد محامي أهالي حي الشيخ جراح أن أرض الحي تعود ملكيتها إلى عائلة فلسطينية عربية مسلمة، كانت تسكن حي حارة السعدية في البلدة القديمة في القدس المحتلة، وهي عائلة حجاز السعدي. وورثة هذه العائلة موجودون في القدس الشرقية المحتلة، في حي شعفاط.
ويكشف أن هذه المعلومات موثَّقة في حجج شرعية صدرت عن المحكمة الشرعية في القدس المحتلة، تعود إلى العامين الهجريَّين 1149 و1313، بما في ذلك سند عثماني، يُثْبت أن الأملاك هي للفسطينيين. وأكّد أن كل هذه الوثائق تشير إلى أن أرض الحي هي مُلك مواطن فلسطيني، وهذه الوثائق معتمدة أمام المحاكم الإسرائيلية.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية أعلنت، في بيان لها العام الماضي، أن ترحيل أهالي حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة عن بيوتهم جريمة يجب أن يتحرك المجتمع الدولي، فوراً وبفعالية، من أجل منعها. وأضافت أن "الفلسطينيين المهدَّدين بالرحيل هم المالكون الشرعيون لبيوتهم، كما تُثبت وثائق رسمية سلَّمها الأردن إلى الأشقاء في دولة فلسطين".