بين روسيا وإيران.. "الرقيب النووي" الأممي تحكمه السياسة
اختبار الموضوعية والصدقية يبدو كما لو أنه يلاحق الوكالة الأممية من ملف إلى آخر، من إيران وصولاً إلى آخر المستجدات بشأن محطة زاباروجيا النووية في أوكرانيا.
اتهماتٌ متواصلة تطال الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب تسييس تقييماتها وابتعادها عن الحقيقة والحياد، واختيارها أن تكون ذراعاً للولايات المتحدة الأميركية كما حال جميع فروع الأمم المتحدة، وذلك يظهر جلياً في المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي اليوم، التي يقف في طريقها ادعاءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تشترط طهران إقفال هذا الملف الخاضع للتسييس، فيما تصر واشنطن على فصل مسار المفاوضات عن علاقة إيران بالهيئة الأممية.
اختبار الموضوعية والصدقية يبدو كما لو أنه يلاحق الوكالة الأممية من ملف إلى آخر، من إيران وصولاً إلى آخر المستجدات بشأن محطة زاباروجيا النووية في أوكرانيا، ومطالبة موسكو الوكالة بأن يتسم تقريرها بشأن المحطة بالـ "موضوعية".
روسيا تطالب "الطاقة الذرية" بالـموضوعية
تتبادل روسيا وأوكرانيا اتهمات بقصف المنطقة المحيطة لمحطة زاباروجيا، لكن أمس الجمعة، اعترفت أوكرانيا، بقصف قاعدة روسيّة في بلدة إنيرغودار في المكان الذي تقع فيه محطة زاباروجيا للطاقة النووية، حيث يتفقّد مفتّشو الأمم المتحدة منشأة روسيّة وسط مخاوف تتعلق بالسّلامة. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الخميس الماضي، إحباط عملية إنزال لقوات تكتيكية أوكرانية قرب محطة زاباروجيا النووية.
في الأثناء، حطّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في محطة زاباروجيا، وأبقت خبراء لها في المحطة، وأعلن مديرها العام رافائيل غروسي أن "المحطة وسلامتها انتهكتا مرات عديدة".
إذ أكد غروسي أنّ بعض خبراء البعثة سيبقون في المحطة حتى استقرار الأوضاع، وسط تحذيرات من وقوع "كارثة نووية" في إثر تعرض منطقة محطة زاباروجيا النووية للقصف مرات عدة، موضحاً أن "سلامتها انتُهكت مرات عدّة وأن زيارته هي تقييم أوّلي للوضع في المنشأة".
موسكو بدورها، استبقت زيارة وفد الوكالة لزاباروجيا بالتحذير من "عدم الموضوعية" ليبدو تصريحها تشكيكاً في تقييم مرتقب للوكالة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت سابق، إن "بلاده تتوقع تقييماً موضوعياً من بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الوضع في المحطة، مشيراً إلى أن "هناك من يريد إفشال مهمة البعثة".
وسيطرت القوات الروسية على المحطة منذ أشهر، لكن طاقمها الأوكراني يواصل تشغيل المحطة النووية الأكبر في أوكرانيا وأوروبا أيضاً، وتضم 6 مفاعلات، في حين أن محطة تشيرنوبل، التي شهدت كارثة في 1986، كانت تضم 4 مفاعلات فقط.
سليمان للميادين: يجب على الوكالة ألا تكون شرطي الغرب
وبشأن التشكيك في عمل البعثة الأممية، قال الإعلامي والخبير في الشؤون الأوروبية، أكثم سليمان، للميادين، إن "لغة المدير العام للوكالة الدولية في زاباروجيا لغة دبلوماسية خشية من التسييس الذي يلاحق الوكالة عبر التاريخ".
وأضاف سليمان أنه "يجب على الوكالة ألا تكون شرطي الغرب، بل يجب أن يكون أداؤها فنياً بحتاً".
ولفت إلى أن "خشية موسكو مرتبطة ليس فقط بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بل بكل مؤسسات الأمم المتحدة التي يتم تسييسها"، مشيراً إلى أن "التسييس لم يكن يوماً بعيداً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما في ذلك في الملف النووي".
وأوضح سليمان أن "تجارب التاريخ من العراق إلى سوريا تجعل الشكوك في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة انتشار الأسلحة الكيميائية مشروعة، والموضوع بالنسبة لإيران واضح بأن التوقيع على اتفاق من دون إقفال ملف الوكالة يجعل الاتفاق بلا معنى".
الإعلامي والخبير في لاشؤون الأوروبية أكثم سليمان لـ #الميادين: لغة المدير العام للوكالة الدولية في #زاباروجيا لغة دبلوماسية خشية من التسييس الذي يلاحق الوكالة عبر التاريخ.
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) September 3, 2022
الحلقة كاملة👇https://t.co/te9Ju7X1Ep@mashhadiya pic.twitter.com/jyJuoR9uS0
الرقابة النووية لا تشمل "إسرائيل"
الجدير ذكره أنّ الوكالة يشار إليها باسم "الرقيب النووي"، لكن رقابتها تقف عند حدود الأعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي تبقى "إسرائيل" خارج دائرة رقابة الوكالة، فهي تصر على سياسة التعتيم النووي في ظل تغاضي المجتمع الدولي والدعم الأميركي.
إضافة إلى التغاضي عن الترسانة النووية الإسرائيلية، علامات استفهام أخرى رافقت أداء الوكالة الدولية في السنوات الماضية، ولا سيما في إطار العلاقة المضطربة مع إيران وبرنامجها النووي، برنامج تؤكد طهران أغراضه السلمية، داعيةً الوكالة إلى تجنب التسييس.
وتأسست الوكالة انطلاقاً من خطاب للرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953 تحت عنوان "تسخير الذرة من أجل السلام"، لكن الولادة الرسمية كانت بعد ثلاث سنوات بإجماع 81 بلداً.
وبوصفها جزءاً من منظمات الأمم المتحدة، مُنحت الوكالة الولاية لتعمل مع دولها الأعضاء ومع شركاء متعددين في كل أرجاء العالم، في إطار مهمة مزدوجة متمثلة في ترويج الذرة في المجالات العلمية السلمية، والرقابة لضمان عدم استخدامها في أغراض عسكرية.
ويقع مقر الوكالة الرئيسي في فيينا، ولها مكاتب ميدانيةٌ واتصال في تورونتو وطوكيو ونيويورك وجنيف. المدير العام الحالي للوكالة هو رافييل غروسي، أما المدير العام الأول لها فهو الأميركي ستيرلنغ كول، وما بينهما شخصياتٌ أخرى مثل سيغفارد إكلوند، ويوكيا امانو، وهانز بليكس ومحمد البرادعي، وفي التاريخ ارتبط الاسمان الأخيران بتقرير أسلحة الدمار الشامل في العراق.