الغرب يمارس نفاقه الأخلاقي.. لماذا يفرّغ دول الجنوب من كوادرها الطبية؟

تُقدم الدول الغربية الغنية أقسى النماذج الأخلاقية ازدواجية، فهي تُطالب دول الجنوب، وخاصة الدول الأفريقية، بتحقيق التنمية والتطوير وضمان الرعاية للمواطنين، وفي الوقت نفسه، تبذل كل جهود لحرمانها من ثرواتها البشرية.

  • الدول الغنية تفرغ عالم الجنوب من الكوادر الطبية.
    الدول الغنية تفرغ عالم الجنوب من الكوادر الطبية.

تسببت وجهة الأطبّاء والممرّضين، من الجنوب إلى الشمال وتحديداً إلى الدول الغنية، بعجز حاد في الكوادر الطبّية، يجري تعويضه من الدول الفقيرة بسحب الأطبّاء الأكفّاء، فيما تتعمّق الأزمة في الدول الفقيرة، ولا سيّما الأفريقية التي تعاني من هشاشة أنظمتها الصحّية.

تعاني خمسٌ وخمسون دولةً، من بينها سبعٌ وثلاثون في القارّة الأفريقية، من نقص حاد في الأطبّاء والعاملين في القطاع الصحّي، والسبب هجرة هؤلاء إلى دولٍ غنيّةٍ. وتمثّلت النتيجة بأنّ كثافة القوى العاملة الصحّية في الدول الخمس والخمسين انخفضت بنحوٍ خطر، مقارنةً مع متوسّط المستوى العالمي بتسعةٍ وأربعين طبيباً وممرّضاً لكلّ عشرة آلاف شخصٍ بحسب منظّمة الصحة العالمية. 

وتقوم دولٌ فقيرةٌ محاصرةٌ، ككوبا بمدّ يد العون إلى الدول النامية، ولا سيّما في أفريقيا، في مقابل إقبال الدول الغنيّة على إفراغ الدول الفقيرة من الأطبّاء والممرّضين.

وكانت منظّمة الصحة العالمية قد وضعت في عام 2011، مدوّنة سلوكٍ عالميّة طوعيّةً بشأن التوظيف الدولي للعاملين في القطاع الصحّي، تدعو إلى القيام بتحليل سوق العمل الصحّي، واعتماد تدابير لضمان الإمداد الكافي بالعاملين الصحّيين في بلدان المصدر.

لا قوانين دوليةً أو محلّيةً تمنع هجرة الأطبّاء من دولةٍ إلى دولة، لكنّ الأمر له أبعادٌ أخلاقيّةٌ تسقط عندما تبدأ الدول الغنيّة باستغلال الفقر، لإفراغ دولٍ تعاني أساساً وضعاً صحّياً هشّاً من أطبّائها.

الدول الغربية حولت الطبيب إلى سلعة تستهدفها

وأكّد موسى عاصي، محلّل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، أنّ الدول الغنية تقطف ثمار تعب الدول الفقيرة، ولا سيّما الأفريقية، وتأخذ أطباء هذه الدول للعمل، لديها مباشرةً من دون دفع  تكاليف تعليمهم، وإيصالهم إلى مرحلة العمل.

ولفت عاصي إلى أنّ منظّمة الصحّة العالمية وضعت عام 2010، مدوّنة سلوك لهجرة الأطبّاء، وهي طوعيّة وليست إلزامية، وهي تتحدّث عن مجموعة من البنود، أساسها أن تأخذ الدول في الاعتبار الوضع الصحي في دول المصدر، وألّا تُترَك هذه الدول من دون جهاز طبّي قادر على مواجهة الأزمات الصحّية في هذه الدول.

وأوضح محلل الميادين أنّ هذه المدوّنة لم يُعمَل بها، وباتت مسألة هجرة الأطبّاء بالنسبة إلى الدول الغنية هي مسألة سوق، يعني مَن يدفع أكثر يحصل على الأطبّاء بشكل واسع.

بدوره، أشار موسى سرور، مراسل الميادين من لندن، إلى أنّ القطاع الصحّي البريطاني المعروف باسم "NHS"، يعاني من أزمة نقص في الكادر الطبّي، وهو في حالةٍ مزرية جداً، وأنّ الصحف البريطانية وصفته بأنّه على حافّة الانهيار بسبب العديد من الأسباب، وربّما قد تكون جائحة كورونا قد كشفت هشاشة هذا النظام الصحّي. 

وأوضح سرور أنّه بسبب هذا الواقع المزري للقطاع الصحّي البريطاني، تقوم الحكومة البريطانية وتحديداً وزير الصحة، ستيف باركلي، بإصدار قوانين لتسهيل استقدام العاملين في القطاع الصحّي، ويوجد قانون يُعرَف بقانون "اللائحة الحمراء"، وهذا القانون يصنّف الدول التي لا يجوز استقدام العاملين أو الكادر الطبّي منها إلى المملكة المتّحدة.

وضرب سرور مثالاً بقيام حكومة المملكة المتّحدة، منذ عام 2021، بتعديل هذا القانون، وخفّضت عدد الدول من 152 دولة إلى 47 دولة، وبالتالي هذا يشي بأنّ الحكومة لم تكترث كثيراً لهذه الشروط التي وضعتها على نفسها، وقد أحدث ذلك العام الماضي ضجّة أخلاقيّة عندما استقدمت المملكة المتّحدة العاملين من النيبال إلى القطاع الصحّي في بريطانيا، رغم أنّ النيبال كانت تعاني من نقصٍ بسبب جائحة كورونا.

وتوقّع مراسل الميادين من لندن أنّ القطاع الصحّي البريطاني سيُعاني من مستقبل قاتم، بسبب هذه السياسات الحكومية.

كما قال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، أنّ نقص الكادر الطبي في الدول الغربية يعود إلى سببين، الأوّل هو انخفاض التعليم الطبّي الحكومي، والثاني هو أنّه في المستشفيات وفي الطبابة الحكومية العمومية، لا تستثمر الدولة منذ سنوات عديدة، منذ عقدين ونصف على الأقلّ، ممّا أدى إلى انهيار البنية التحتية. 

وذكر عز الدين أنّ 27% من أطباء الولايات المتحدة هم من الهجرة التي دعمت قطاع الصحة الأميركي وأوروبا، إذ أصبح الطبيب سلعة.

والموارد البشرية كالثروات في عالم الجنوب، هي سلعة تُباع وتُشرى بالنسبة إلى الغرب، لذلك تشتريها الدول القادرة على دفع ثمن هذه السلعة. 

وأشار محلل الميادين إلى أنّ نقابات الأطبّاء، خاصّةً في العالم العربي، في مصر أو في المغرب أو حتى في تونس، تُشير إلى مسألة هجرة كادرها الطبي، وهي تطالب من باب "رفع العتب" بوقفها، لكنّها لا تخوض معركة في هذا الاتّجاه.

يشار إلى أن تقريراً للقوى العاملة في بريطانيا، كشف عن ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا، بنسبة تزيد على 200%، منذ عام 2017 حتى عام 2021.

اقرأ أيضاً: كيف هندست الدول الاستعمارية طريق إفقار الشعوب؟

اخترنا لك