الشمال يسمّم بنفاياته دول الجنوب.. من يحاسب مزدوجي المعايير؟

أفريقيا ودولٌ عربية تتحول إلى مقابر لسموم الشركات والمجمعات الصناعية الغربية، بحيث كشف تحقيقٌ استقصائي كيف تدمر "توتال" الفرنسية الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية.. فمن يحاسبها؟

  • تسهم الدول الصناعية الغربية الكبرى بأكبر نسب التلوث عالمياً، متسببةً في كوارث صحية وبيئية.
    تساهم الدول الصناعية الغربية الكبرى في أكبر نِسَب التلوث عالمياً، متسببةً بكوارث صحية وبيئية

يختبئ خلف الوجه النظيف لشركات النفط الغربية العملاقة، وجهٌ آخر لا يعرفه إلا ناسه. بحرٌ من النفايات في أكثر من بلدٍ أفريقي. فوفقاً للأمم المتّحدة، فإنّ 50% من نفايات العالم، والمقدّرة بـين 20 مليون طن و50 مليون طن سنوياً، تنتهي في البلدان الأفريقية.

تبدو دوافع هذه الأفعال واضحة، فالدول القادرة تسعى لدفن نفاياتها بعيداً عن أراضيها، لأنّ دفن طنٍّ واحدٍ بعيداً عن الشروط الصحية والسلامة، ومن دون إطلاع شعوب الدول المستهدَفة عليه، يكلّف نحو دولارين ونصف دولار. أمّا دفن الطنّ نفسه في إحدى الدول الأوروبية فيكلّف بين مئتين وخمسين دولاراً وألف دولار. 

واليوم، نقف أمام أعظم فضيحةٍ بيئية في تاريخ اليمن، بحيث تحدث تحقيق استقصائي فرنسي، أُجري في نيسان/أبريل الماضي، وجاء تحت عنوان "مياه توتال السوداء في اليمن"، عن تسبّب الشركة الفرنسية، "توتال"، بعمليّات تلوّث واسعة في محافظة "شبوة" والمناطق الأخرى اليمنية، التي تعمل فيها، كحضرموت ومأرب.

ووفق التحقيق، دمّرت فرنسا، بالتنافس مع الشركات الأميركية، الأراضي الزراعية، وقتلت الثروة الحيوانية، ونشرت الأمراض الخطرة وغير المعهودة في أوساط البشر، كما حوّلت حياة اليمنيين في مناطق وجودها إلى جحيم. ويكشف التقرير دفن ملايين الليترات من المياه السامّة وانسكاب النفط، الأمر الذي يسمّم، بصورة قاتلة، خزانات المياه الجوفية.

اقرأ أيضاً: كيف هندست الدول الاستعمارية طريق إفقار الشعوب؟

هي ظاهرةٌ خطِرةٌ وتتنامى، والمفارقة أنّ التزام اتّفاقية "بازِل"، التي تحظر منذ عام 1992 تصدير النفايات الخطرة من بلدان منظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى بلدان الجنوب، غير قائم، ولا سيّما أنّ بلداناً متعدةً، كالولايات المتّحدة، لم تُصادق أصلاً على هذه الاتّفاقية.

ازدواجية معايير الغرب لا تغادر أي وجود له

أوضح محلّل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، موسى عاصي، أنّ الدول الأوروبية تحديداً تتعاطى مع القارة الأفريقية وفق ثلاثية: نأخذ منكم ثرواتكم، ثمّ نرسل إليكم نفاياتنا، ونمنع على لاجئيكم الوصول الى بلداننا.

وأشار عاصي إلى أنّه لطالما كانت القارة الأفريقية جزءاً من الأراضي التي تستقبل النفايات الأوروبية، سواءٌ كانت نفايات إلكترونية أو نفايات بلاستيكية أو غير ذلك. لكن، خلال الأعوام الماضية، ارتفع منسوب تصدير هذه النفايات من الدول الغنية إلى أفريقيا.

ولفت عاصي إلى أنّ شركة "توتال" الفرنسية، لها تاريخ طويل كأسوأ شركة تعاملت مع اليمن، وذلك منذ بداية التعامل قبل نحو أربعين عاماً، مؤكداً أنّها سيطرت على حقول الغاز والنفط سيطرةً كاملة، بحيث لا يُسمَح لأي يمني بدخول هذه المقارّ وهذه الحقول.

وأكّد محلل الميادين أنّ الدول الغربية تعيش نوعاً من الانفصام في الموقف. فهي، من جهة، تبحث عن موارد نظيفة للطاقة، كما تقرّ عدداً من الاتّفاقيات للمحافظة على البيئة في الدول الأوروبية. وفي المقابل، نراها ترسل مئات الملايين من أطنان النفايات إلى القارة الأفريقية.

بدوره، قال محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية، منذر سليمان، إنّ "الدول الغربية، التي اعتمدت على الطاقة النووية، وجدت أنّ عملية دفن النفايات النووية يمكن أن تؤثّر داخلياً، وحدث عدد من ردات الفعل في الداخل الأميركي مثلاً، والداخل الأوروبي، الأمر الذي سهّل على هذه الدول محاولة تهريب هذه النفايات".

وأكّد سليمان أنّه، على صعيد إنتاج النفايات الإلكترونية تحديداً، فمن الواضح أنّ الدول الصناعية المتقدمة هي الأعلى إنتاجاً، وتأتي في رأس القائمة الولايات المتّحدة، الأمر الذي يعني أنه إذا كان هناك تقديرات بخمسين مليون طنّ على الأقل من النفايات يتم إنتاجها في العقد الماضي، فالآن وصلت إلى 75 أو 100 مليون طن، ويمكن أن تزيد.

ونقل محلل الميادين، عن تقديرات رسمية، أنّ 25 شركة نفطية في العالم تساهم، على الأقل، في نصف نتائج الاحتباس الحراري والتلوّث. وعليه، فإن هذه الشركات، التي بدأت منذ تكوين أهم الشركات النفطية العالمية، ساهمت في سرقة موارد الشعوب، عبر العقود الجائرة التي أبرمتها، بالإضافة إلى تدميرها البيئة والإنسان.  

من جهته، رأى محلل الميادين للشؤون الإقليمية والثقافية، سليم بوزيدي، أنّ الإحصاءات تفيد بأنّ غربي أفريقيا وحده، وصل إليه نحو 250 ألف طن من النفايات من أوروبا، بحسب تقارير صدرت في تشرين أول/أكتوبر 2022، مشيراً أنّ هذا رقم بسيط ويمثّل غيضاً من فيض.

وفسّر بوزيدي سبب كون أفريقيا هي محطة هذا الكم من النفايات الغربية. والسبب الظاهر أن المنطقة هي منطقة فوضى وترهّل سياسيين، وبالتالي، فإن التفاصيل الدقيقة وغير المكشوفة هي أكبر وأخطر من ذلك.

وأوضح محلل الميادين أنّه ما زالت أكثر من عشر دول أفريقية فقيرة ومعدَمة، وتحت سيطرة البنك المركزي الفرنسي وسطوته، لافتاً إلى أنّ هذا يعني أنّ الموضوع أبعد من النفايات، بل "هي عملية احتلال بصورة غير تقليدية"، وبالتالي، فالنفايات تصبح "تفصيلاً من تفاصيل هذه السيطرة".

وأضاف بوزيدي أنّه "ما لم تتحسّن الحياة، سياسياً وثقافياً، وتيار الخضر والوعي المجتمعي، فسيصبح الكلام الرسمي غير كافٍ، ولا يكفي أن نحتاج إلى الأحزاب والنخب في العالم العربي وفي دول الجنوب".

اقرأ أيضاً: الغرب يمارس نفاقه الأخلاقي.. لماذا يفرّغ دول الجنوب من كوادرها الطبية؟

اخترنا لك