اسكتلندا والاستقلال عن "التاج البريطاني".. لماذا الآن؟
تسعى حكومة اسكتلندا لإجراء استفتاءٍ جديد بشأن الاستقلال عن "التاج البريطاني" وبناء "اسكتلندا الجديدة" تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، وبعيداً من الارتباط ببريطانيا، مجيّرةً عدّة عوامل محيطة لتحقيق ذلك.
"هل يجب أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة"؟ هو سؤالٌ تسعى حكومة إندبره لطرحه في استفتاءٍ جديد بشأن الاستقلال عن "التاج البريطاني" العام المقبل، بعد أكثر من 300 عام من الوحدة، لكنّ أعلى محكمةٍ في بريطانيا قضت، قبل يومين، بعدم أحقيّة اسكتلندا في تنظيم استفتاءٍ من دون موافقة البرلمان البريطاني.
الرفض البريطاني للطلب الاسكتلندي، دفع رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستيرغون، إلى التعهّد بتحويل الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة إلى تصويت بحكم الأمر الواقع على الاستقلال، معتبرةً أنّ القرار البريطاني "يكشف حقيقة الرأي القائل إنّ اسكتلندا يمكنها الخروج من المملكة المتحدة طوعاً".
تبرّر بريطانيا رفضها إجراء اسكتلندا استفتاء بشأن الاستقلال عنها، بأنّ إندبره أجرت استفتاءً عام 2014، رفض خلاله 55% من الاسكتلنديين الاستقلال، معتبرةً أنّه "حسم السؤال لجيل كامل".
لكنّ الحزب الوطني الاسكتلندي الداعم للاستقلال عن بريطانيا، والذي أصبح قوة سياسية رئيسية عندما فاز بأغلبية في البرلمان في انتخابات 2021، يُجادل بأنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2020 الذي عارضته غالبية الاسكتلنديين، قد غيّر المعطيات الحالية.
توجّه اسكتلندي نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
"الخيار الذي تواجهه اسكتلندا هو أن تكون خارج المملكة المتحدة، ولكن داخل الاتحاد الأوروبي". هذا ما قالته الوزيرة الأولى في اسكتلندا، نيكولا ستيرغون، في موقف واضح يعبّر عن رؤيتها للازدهار بعيداً من الارتباط بالنموذج الاقتصادي البريطاني "السيئ" وفق ستيرغون، التي تعدّ العودة إلى الاتحاد الأوروبي الطريق المناسب لذلك.
منذ مطلع التسعينيات، كانت رؤية الحزب الوطني الاسكتلندي للاستقلال هي رؤية اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي. وبرزت طموحات اسكتلندا في هذا الشأن بعد البريكست.
وضمن هذه الرؤية، قدّمت ستيرغون، ورقة جديدة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هي الثالثة في سلسلة أوراق "بناء اسكتلندا الجديدة"، ذكرت خلالها تفاصيل أكثر عن التحرك نحو "اقتصاد أكثر عدالة وصداقة للبيئة، ويحقق للشعب حياة سعيدة وصحية ".
وتستعرض الورقة موضوعات مثل السياسة المالية والعملة في الدولة المستقلة المنتظرة وترتيبات الحدود، والتي تستهدف جذب استثمارات بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات العشر المقبلة.
خطوات ستيرغون هذه نحو الاستقلال، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تحظى بدعمٍ شعبي، إذ يريد أكثر من ثلثي الاسكتلنديين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفقاً لاستطلاعات أجرتها "نيويورك تايمز"، ورجّح 47% من الاسكتلنديين أنّ "اسكتلندا ستغادر المملكة المتحدة في غضون السنوات العشر المقبلة".
دعم الشعب الاسكتلندي للاستقلال والعودة إلى الاتحاد الأوروبي ليس بالأمر الجديد، فقد عارضت أغلبية ساحقة من الاسكتلنديين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باعتبار أنّ ذلك سيكون كارثة.
وتحدث الناطق باسم حزب الخضر الاسكتلندي للشؤون الخارجية، روس جرير، عن هذا الأمر، قائلاً إنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي "أضرّ بالتجارة ورفع أسعار المنتجات خلال أزمة غلاء المعيشة".
وأضاف جرير أنّه "في الحقيقة، فإنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن ينجح أبداً، لا سيما في ظل تسلّم حزب المحافظين حكومة متهورة وغير كفوءة، والتي كانت سعيدة بتأجيج نيران التحيز وكراهية الأجانب للتستر على إخفاقاتها وأوجه قصورها العديدة".
اسكتلندا تُجيّر أزمات بريطانيا لمصلحتها
الموقف الاسكتلندي الحازم هذا بشأن الاستقلال عن "التاج البريطاني"، والسعي نحو تحقيق ذلك، عاد مؤخراً ليطفو على السطح بزخمٍ قويّ، وذلك وسط انقسامٍ سياسي داخلي يعيشه حزب المحافظين البريطاني، وفي ظلّ أزمات اقتصادية خانقة تواجه المملكة المتحدة، ومع تراجع نفوذ وحضور لندن على المستوى الدولي، وذلك في محاولةٍ من اسكتلندا لتجيير هذه الأزمات لمصلحة تحقيق مطلبها بالاستقلال.
ويذكر في هذا السياق، أنّ بريطانيا، شهدت استقالة 3 رؤساء وزارة منذ أن صوّتت المملكة المتحدة على قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في العام 2016 "البريكست".
وهي تشهد حالياً تدهوراً في اقتصادها، الذي يتجه نحو الركود، في وقتٍ يحذر البنك الدولي من أنّ المملكة المتحدة تستعد لأبطأ نمو، لأغنى اقتصادات مجموعة السبع، في عام 2023.
يأتي ذلك في وقتٍ تتراجع شعبية حزب المحافظين كذلك، إذ أظهر استطلاع للرأي في بريطانيا أن الحزب لن يخسر الانتخابات المقبلة فحسب، بل لن يحصل حتى على أصواتٍ كافيةٍ ليشكّل المعارضة الرسمية، وسيحلّ محلّه الحزب الوطني الاسكتلندي.
كيف سيؤثّر استقلال اسكتلندا في بريطانيا؟
تاريخياً، توحدت اسكتلندا وإنكلترا سياسياً عام 1707، ومنذ عام 1999 بات لاسكتلندا برلمانها وحكومتها الخاصة، وتضع الحكومة هناك سياساتها الخاصة في مجالات الصحة العامة والتعليم ومسائل أخرى، فيما تسيطر الحكومة في لندن على قضايا من بينها السياسة الدفاعية والمالية.
وتتكون المملكة المتحدة كدولة اتحادية من أربعة أقاليم هي: إنكلترا وأيرلندا الشمالية واسكتلندا وويلز.
استقلال اسكتلندا يعني فقدان المملكة المتحدة ضلعاً من أضلاع توازنها التاريخي الأربعة، وقد يكون هذا مشجعاً لمناطق أخرى في الكومنولث، التي تنضوي تحت "التاج البريطاني" للاستقلال.
وفي هذا الخصوص، أشار المعهد السياسي "Chatham House" البريطاني، إلى أنّ هناك مخاوف من تكرار سيناريو مغادرة اسكتلندا للمملكة المتحدة، لافتاً إلى أنّ "أفضل سابقة للدول التي تنفصل عن الكيانات الأكبر وتعيد تأسيس نفسها هي التجربة الأيرلندية، قبل قرن من الزمان".
وأوضح المعهد أنّه في أيرلندا "تسمع مناقشات بشأن الهوية والحوكمة متعددة المستويات، و تُسمع أيضاً إلى حد ما في اسكتلندا"، خصوصاً مع تصدّر حزب "الشين فين" المؤيد لتوحيد الجزيرة الأيرلندية في الانتخابات، معتبراً أنّ ذلك "يمكن أن يؤثّر في إنكلترا وويلز كثيراً نحو الاستقلال، وسيشجع أيضاً حركة الاستقلال الاسكتلندية".
اقرأ أيضاً: لندن تدعو إلى الاتحاد بعد فوز "شين فين" في انتخابات أيرلندا الشمالية
من جهةٍ أخرى، يُشير المعهد السياسي "Chatham House" البريطاني، إلى أنّه إذا حقّقت اسكتلندا استقلالها، فإنّ ذلك "قد يجعل المملكة المتحدة تفقد 8% من سكانها ونحو ثلث أراضيها، و سيكون لذلك تأثير هائل في دور المملكة المتحدة في العالم".
كذلك سيؤثّر استقلال اسكتلندا في المملكة المتحدة، إذ يمثّل اقتصاد اسكتلندا 8% من اقتصاد المملكة المتحدة. كما ستخسر مورداً أساسياً للموارد الطبيعية، إذ إنّ اسكتلندا تحتوي على نسبة كبيرة من تلك الموارد، بما في ذلك الطاقة المتجددة"، بحسب "Chatham House".