إيلون ماسك وصناعة رأي عام.. مواجهة المؤثرين للتأثير

إعلان الملياردير الأميركي عدم تقييد الحريات أثار مخاوف كبيرة، ولاسيما مع الصلاحيات الكبيرة التي بات يمتلكها عبر قدرته على التأثير في "تويتر"، وفق أجنداتٍ خاصّة وسرديات يسعى لترويجها.

  • تويتر
    منذ البداية، أعلن إيلون ماسك عدم وجود قيود على حرية التعبير

بعد أن أتمّ رجل الأعمال الأميركي، إيلون ماسك، صفقة استحواذه على منصة "تويتر"، أواخر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أعلن، في تغريدةٍ له، أنّ "العصفور تحرّر"، وذلك في إشارة إلى العصفور الأزرق، الذي يشكّل رمز "تويتر".

عبر هذا التصريح، حاول ماسك أن يؤكد أنّ "تويتر" ستكون منصة متحررة مفتوحة للجميع، انطلاقاً من أنّ "حرية التعبير هي الحجر الأساس لديمقراطية فاعلة"، وفق قوله.

منذ البداية، أعلن رجل الأعمال الأميركي عدم وجود قيود على حرية التعبير، وحاول التأكيد أنّ خطوة شراء "تويتر" هي من أجل المحافظة على الحريات، والتحسين من قوانينها التي لا تُرضي تطلعاته، لكن استحواذ أغنى رجلٍ في العالم على منصةٍ تُعَدّ من أهم شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها تأثيراً في الرأي العام، لم يكن أمراً عابراً، بل أثار قلقاً كبيراً بالنسبة إلى حكومات وجماعات حقوقية ومؤسسات إعلامية ودولية.

في ردٍّ على تغريدة ماسك، "العصفور تحرر"، قال مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، تييري بريتون، حينها، إنّ "في أوروبا، سيطير الطائر وفقاً لقواعدنا". واستخدم راجيف شاندراسيخار، وزير الدولة للإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في الهند، لهجةً مماثلة، عندما غرّد قائلاً إنّ "قواعد الوسطاء في بلاده وقوانينهم تظل كما هي بغضّ النظر عمن يملك المنصة".

ردود الفعل تُبرز المخاوف التي أثارها إعلان الملياردير الأميركي، ولاسيما مع الصلاحيات الكبيرة التي بات يمتلكها، عبر قدرته على التأثير في "تويتر"، وفق أجنداتٍ خاصّة وسرديات يسعى لترويجها. 

ماسك يتحكّم في مستخدمي "تويتر"

منذ استحواذه على "المنصة الزرقاء"، اتخذ ماسك قرارات كبيرة، وخصوصاً الإشراف على المحتوى المنشور في "تويتر" من جانب واحد تقريباً، إذ إنه اتخذ، في أكثر من مرة، قرارات صادمة بشأن ما يُسمح بنشره وتناقله في المنصة التي يمتلكها.

آخر هذه القرارات كان تعليق حسابات صحافيين أميركيين في الشبكة، قبل يومين، الأمر الذي تسبب بـ"عاصفة غضب" عالمية، وبات ماسك يواجه تهديدات من الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليه، بينما عدّت الأمم المتحدة قراره تعليق الحسابات "سابقةً خطيرة".

وقام ماسك بتعليق حسابات عدد من الصحافيين، الذين يغطّون شبكة التواصل الاجتماعي، وبينها حسابات أكثر من 6 صحافيين عملوا على تقارير تناولت الشركة ومالكها الجديد، في منافذ إعلامية بارزة، بينها "سي أن أن" و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، بينما كتب صحافيون آخرون تغريدات بشأن تعليق ماسك حساباً يرصد تلقائياً رحلاته على متن طائرته الخاصة.

وفي هذا الصدد، قالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، فيرا جوروفا، إنّ "الأنباء عن التعليق التعسفي لحسابات صحافيين في تويتر مقلقة"، مذكرةً بأنّ القانون المتعلق بالخدمات الرقمية، والذي يفترض أن يطبّق على مجموعات التكنولوجيا العملاقة، الصيف المقبل، "يفرض احترام حرية الإعلام والحقوق الأساسية". وأضافت أنه "يجب أن يدرك إيلون ماسك ذلك"، مشيرة إلى أنّ "هناك خطوطا حمراً وأنّ هناك عقوبات قريباً".

بدوره، قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، تيم ماكفي، إنّ حظر بعض المنصات في الإنترنت، كـ"تويتر"، لحسابات مستخدمين أو إيقافها، من دون إخطارهم بالأسباب أو إعطائهم حق التظلم، أمرٌ غير مقبول، مؤكداً أنّ ذلك سيصبح أمراً يستحق العقاب عندما تدخل اللائحة الأوروبية للخدمات الرقمية حيز التنفيذ مطلع العام المقبل.

أمّا مفوض السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، تيري بريتون، فحذّر ماسك من أن موقع "تويتر" يتعين عليه أن يمتثل لقواعد الاتحاد الأوروبي، أو يخاطر بتعرضه لغرامات، أو بوقف العمليات في الاتحاد الأوروبي.

لكنّ الاستياء الأوروبي لم يقتصر على ذلك، إذ علّقت وزارة الخارجية الألمانية على قرار ماسك، قائلةً إنّ "حرية الصحافة يجب ألّا يتم تشغيلها وتعليقها بحسب الأهواء". وأضافت أنه "لهذا السبب، لدينا مشكلة مع تويتر""، بينما أكد الوزير الفرنسي للتحول الرقمي، جان نويل بارو، أنه "صُدم بالطريقة التي يدفع بها إيلون ماسك تويتر إلى الهوة"، مشدداً على أنّ "حرية الصحافة هي أساس الديمقراطية، والمساس بأحد الأمرين يعني المساس بالآخر".

إمبراطورية إعلام جديدة

بعد موجة الغضب هذه، لم يطُل الأمر قبل أن يعلن ماسك أنه سيعيد تشغيل حسابات الصحافيين الأميركيين. وأتى ذلك بعد أن أطلق استطلاعاً في "تويتر" ليسأل عمّا إذا كان يجب عليه إعادة تشغيل الحسابات المعلّقة على الفور، أو خلال أسبوع. وأجاب نحو 59 % من 3.69 ملايين مستخدم للإنترنت، شاركوا في الاستطلاع، بأنه يجب إعادة تشغيلها على الفور.

وكما هي الحال مع إمبراطور الإعلام الأميركي روبرت مردوخ، أصبح ماسك يتحكم الآن في وسيلة مؤثرة للإنتاج الإعلامي. منصة "تويتر"، وإن كانت شبكة متباينة عن الصحف وشبكات التلفزيون، فإنها أغرَت الصحافيين بالترويج لنفسها على أنها "ساحة مدينة افتراضية". وعلى الرغم من كلام ماسك بأنّ "أسوأ من ينتقدونني ما زالوا موجودين في تويتر"، فإنه بات "يعرض عضلات" ملكيّته عبر وسائل تبدو تعسفية. ويبدو أنه يقضي على الحسابات التي تثير استياءه شخصياً.

لأكثر من عقدٍ من الزمان، احتلت "تويتر" دوراً فريداً في نظام تدفق الأخبار والمعلومات، بحيث يتوافد الصحافيون إليها لنشر تقاريرهم، وتطوير علاقاتهم بمصادر المعلومات، ومناقشة القضايا اليومية. لكن ما فعله رجل الأعمال الأميركي شكّل انتهاكاً خطيراً لحق الصحافيين في نقل الأخبار من دون خوفٍ من الانتقام، كما أطلق رسائل متضاربة بشأن ما هو مسموح به، وما هو غير مسموح به.

وهذا الأمر، إنّ دلّ على شيء، فهو يؤشر على أنّ ماسك قادر على تكميم أفواه مستخدمي "تويتر" بـ"كبسة زر" فقط، في حال غرّدوا على نحو لا يلائم أجنداته وأهواءه. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "الغارديان"، في تقرير، أنّ "أغنى رجال العالم، مثل ماسك، يستخدمون ثرواتهم الهائلة لبناء عالم لا تقيّده القوانين أو المساءلة". ولفت التقرير إلى أنّ "تبريرات رجال الأعمال، مثل ماسك، لدوافعهم باستخدام كلمة الحرية، هدفها في الواقع هو التحرر من المساءلة"، مؤكداً أنّ "هدف ماسك الحقيقي لا علاقة له بحرية الآخرين، بل هدفه هو حريته غير المقيّدة". 

اقرأ أيضاً: مخاوف من بيع "تويتر" لماسك: تهديد للصحافة

طموح سياسي؟

إلّا أنّ طموحات ماسك لا تقتصر على السيطرة على منصة إعلامية كـ"تويتر"، إذ يرى محللون أنّ رجل الأعمال الأميركي ربما يسعى، من خلال الاستحواذ على موقع "تويتر"، لترجمة طموحاته إلى أداء دور سياسي مؤثر، والذهاب بها بعيداً إلى حدّ التفكير في الوصول إلى البيت الأبيض رئيساً في المستقبل، ولاسيما أنّ "تويتر" هو من أبرز ميادين السباق نحو البيت الأبيض.

مع وجود ماسك فوق عرش "تويتر"، لا شكّ في أنّ المنصة دخلت في مرحلة جديدة، وخصوصاً بعد الإجراءات التعسفية التي اتخذها منذ لحظة وصوله إلى عتبة الشركة، وهو الأمر الذي يثير مخاوف لدى كثيرين. فلقد أعلن البيت الأبيض أنّ لدى الإدارة الأميركية خشية في هذا الإطار، وذلك بأنّ منصات التواصل الاجتماعي تملك تأثيراً كبيراً في الرأي العام، بغضّ النظر عمن يملكها، وهي تساهم حتى في تغيير اتجاهات الشارع الأميركي.

وعلى الرغم من أنّ "تويتر" يملك عدد مستخدمين أقل كثيراً من منصات أخرى، مثل "فيسبوك" أو "انستغرام"، فإنه كان، ولا يزال، أداة قوية لتشكيل الخطاب العام. هذه المنصة، بصفتها كياناً سياسياً، تتجاوز وزنها التجاري كثيراً،.لذا، أيّا مَن يكن يسيطر عليها، فإنه يمتلك سلطة سياسية حقيقية.

ولعلّ خطوات ماسك تُظهر جانباً من رغبة لديه في التأثير في صياغة القرار، ولاسيما أن قراراته تلقى ردود فعلٍ من منظمات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كما أنها تستفز الإعلام التقليدي الذي يعدّ نفسه مؤثراً في المشهد السياسي الدولي. بناءً عليه، فإن ماسك يرغب في فرض نفسه من خلال مميزات "تويتر" على أنه "بيدق في لعبة الشطرنج" التي تدور فيها معركة الرأي العام.

اقرأ أيضاً: "أكسيوس": كيف أصبح إيلون ماسك لاعباً جيوسياسياً قوياً؟

اخترنا لك