إعلام أميركي: لماذا يصعب على الاتحاد الأوروبي استيعاب أوكرانيا؟
وسائل إعلام أميركية تؤكّد أنّ انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي صعبٌ وشاقّ، لافتةً إلى أنّ محاولة استيعاب أوكرانيا في مؤسّسات الاتحاد ستؤدي إلى خلق صراعاتٍ كبيرة بين أعضائه، بشأن توزيع الميزانيات والدعم.
تحدثت وسائل إعلام أميركية عن الصعوبات التي تواجه آفاق انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكّدة أنّ كييف ستخوض مساراً من "المعاناة في هذا الطريق".
وقالت مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية إنّ الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً لاستيعاب أوكرانيا، موضحةً أنّه إذا كان الاعتقاد أنّ طريق كييف إلى حلف "الناتو" صعب، فإنّها "ستُعاني" من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً.
ولفتت المجلّة إلى أنّ خطاب أعضاء الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا يجعل عضويتها في الاتحاد تبدو كأنّها أمرٌ مضمون، مُذكّرةً بزيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، لبروكسل، في شباط/فبراير الماضي، حين سارع القادة الأوروبيون إلى التقاط صورةٍ تذكارية معه، وكيف أنّ رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، رحّب به قائلاً: "مرحباً بك في وطنك، ومرحباً بك في الاتحاد الأوروبي".
وأشارت المجلّة إلى أنّه عندما تتم مناقشة عضوية الاتحاد الأوروبي بالتفصيل مع أوكرانيا، ينصبُّ التركيز على ما يتعين عليها القيام به من أجل الانضمام. لذلك، يعمل الأوكرانيون على تنفيذ المهمّات المطلوبة منهم، والتي لفتت المجلّة إلى أنّه "يبدو أنّها مكتوبة في لائحةٍ طويلة للغاية، من أجل نيل العضوية في الاتحاد".
وأوضحت المجلّة أنّ مهمّات كثيرة يُنتظَر من الأوكرانيين أنّ ينجزوها كمطلب أوروبي، تبدأ بإصلاح القضاء، وتطوير قانونٍ جديد للإعلام، وقمع الفساد المستشري، وغيرها، بحيث ستحصل كييف على أول تقييمٍ مكتوب للتقدم المحرز من المفوضية الأوروبية، في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
ويعمل الأوكرانيون على الضغط من أجل الشروع في المفاوضات الرسمية، والتي قد تبدأ في اجتماع المجلس الأوروبي المقرّر عقده في كانون الأول/ديسمبر المقبل.
لكن، بينما تعمل أوكرانيا بوتيرةٍ سريعة من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنّ بروكسل والدول الأعضاء في الكتلة لا تفعل ما يكفي تقريباً لتكون مستعدةً لاستيعاب أوكرانيا. وبالتالي، فإنّ "الخطاب رفيع المستوى لقادة الاتحاد الأوروبي بشأن عضوية أوكرانيا لا يتطابق مع أفعالهم"، بحسب ما قالت "فورين بوليسي".
وسيتطلب استيعاب دولةٍ ذات مساحة كبيرة وعدد سكان كبير نسبياً، ومستوى دخل منخفض، وحاجة إلى تمويلٍ وإعادة إعمار، إصلاحاً كبيراً لمؤسسات الاتحاد الأوروبي وسياساته وعمليات ميزانيته. كما سيؤدي هذا الأمر، في أقلِّ تقدير، إلى نشوب صراعاتٍ شرسة بين الأعضاء الحاليين بشأن توزيع أموال الاتحاد الأوروبي.
لذلك، تقول المجلّة إنه إذا كان قادة الاتحاد الأوروبي جادين حقاً بشأن عضوية أوكرانيا، فـ"يجب أن تكون الجهود المبذولة لإصلاح الكتلة جاريةً بالفعل"، وإلّا فإنّ الحقيقة هي أنّ خطابهم لا يتعدى حدود الكلام.
تجدر الإشارة إلى أنّ جوهر النقاش في موضوع انضمام أوكرانيا يكمن في ميزانية الاتحاد الأوروبي نفسها، والتي تهيمن عليها مسألتان رئيستان، تمثلان ما يقرب من 65% من ميزانية الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل، وهما الإعانات الزراعية ومشاريع التنمية في المناطق الفقيرة.
وبالنسبةِ إلى هاتين المسألتين، فإنّ العضوية الأوكرانية المحتملة في الاتحاد مضطربة، فأوكرانيا هي واحدة من أفقر البلدان في أوروبا، بحيث يبلغ دخل الفرد بالكاد عُشر متوسط دخل الفرد في الاتحاد الأوروبي، وأقل من نصف دخل الفرد في أفقر عضوٍ في الاتحاد الأوروبي؛ بلغاريا.
كما تُعَدّ أوكرانيا أحد أكبر القطاعات الزراعية في القارة، وهو ما سيتطلب أن يكون مؤهلاً للحصول على إعانات الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى هياكل أساسية لبنى تحتية ضخمة وحاجة إلى إعادة الإعمار الضروري لكل القطاعات.
وإذا ظلّت ميزانية الاتحاد الأوروبي وعملية إعادة التوزيع من دون تغيير، فستمتصّ كييف فور دخولها الاتحاد، إن حدث، جزءاً كبيراً منها، بما في ذلك الأموال التي تذهب الآن إلى أعضاء الكتلة الأقل ثراءً في أوروبا الشرقية وأماكن أخرى في أوروبا.
وسوف تتحول مجموعة من البلدان التي تستفيد حالياً من أموال الاتحاد الأوروبي إلى "مساهمين فقط بين عشية وضحاها". وبدأت بالفعل محاولة منح أوكرانيا الوصول إلى الأسواق الزراعية الأوروبية، بحيث أضرّت السلع الأوكرانية "الأرخص سعراً" بالمزارعين في كلٍ من بولندا والمجر وسلوفاكيا المجاورة.
اقرأ أيضاً: "وعود متهورة".. انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي مستحيلٌ في عامين
"وول ستريت جورنال": انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد.. طريق وعرة
بدورها، تطرقت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى موضوع مطالب انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعد الانتكاسة التي واجهتها محاولتها من أجل الحصول على عضوية سريعة في حلف "الناتو"، الأسبوع الماضي، مؤكّدةً أنّ طريقها إلى العضوية "يبدو وعراً بالقدر نفسه"، على الرغم من تشجيع بروكسل.
وقالت الصحيفة إنّ "إضافة مثل هذا البلد الكبير إلى الكتلة سيكون أمراً صعباً على أوروبا، وليس فقط على كييف، فيما يتعلق بتلبيتها المطالب الأوروبية".
وتناولت الصحيفة وصف عدد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي وقادته احتمال انضمام أوكرانيا إلى الكتلة بأنّه "ضروري وحيوي لترسيخ كييف في المؤسسات الغربية، بغض النظر عن علاقتها المستقبلية بالناتو"، لكنّها أشارت إلى أنّه، مع ذلك، لا يزال الانضمام إلى الاتحاد بعيد المنال "في أحسن الأحوال".
وأوضحت الصحيفة أنّ أوكرانيا تدرك أنّه يجب عليها تنفيذ إصلاحاتٍ شاملة وصعبة سياسياً، وتأمين استقلالٍ للقضاء، والحد من الفساد الكبير، كي تنجح في نيل عضوية الاتحاد، بالإضافة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي نفسه لم يُناقش بعدُ مقدار التغيير الذي يجب عليه أن يُحدِثه إذا أراد ضمّ أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة تصريحات الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الأوروبية في بروكسل، فابيان زليج، الذي أوضح أنّ "هناك اعتقاداً عاماً، مفاده أنّ من الضرورة الجيوسياسية إدخال أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ هذا سيحدث، بحيث لا توجد خطة واقعية على الطاولة".
وسيحتاج الاتحاد أيضاً إلى إعادة التفكير في كيفية اتخاذ قرارات مشتركة بعد التوسيع، إنّ حدث، لتضيف الصحيفة أنّ ذلك "صعبٌ بالفعل مع 27 عضواً"، بحيث إنّ دخول أوكرانيا من شأنه أن يجبر الاتحاد على إعادة تعديلٍ ضخمة لأكبر مجالات الإنفاق.
ولفتت الصحيفة إلى نقطةٍ مهمة، وهي أنّ هناك سياسيين أوروبيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لديهم رؤيةٌ أكثر راديكالية لتوسيع الاتحاد الأوروبي، بحيث تتمتع الدول الأعضاء بمستويات متباينة من التكامل، ومجموعات متباينة من الحقوق والمسؤوليات داخل الكتلة، وهو المفهوم الذي يهدد بتعطيل السوق الموحدة للسلع والخدمات ورأس المال في التكتل.