"إسرائيل" وهجوم السايبر ضد إيران: رسائل ردعية .. وتحريضية
بعد هجوم السايبر، الذي تعرَّضت له محطات الوقود في إيران هذا الأسبوع، معلّقون إسرائيليون يعتبرون أنّ هذا الهجوم "يتلاءم مع التصوُّر المحدّث للمؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين".
حظي هجوم السايبر، الذي تعرَّضت له محطات الوقود في أنحاء إيران، يوم الثلاثاء الماضي، باهتمام إعلامي واسع. وعلى الرَّغم من الصمت الرسمي التامّ بشأن مسؤولية "إسرائيل" عن الهجوم، فإن معلّقين تولّوا إرسال كل الإشارات الممكنة إلى التلميح - إلى حدّ التصريح - إلى مسؤولية "إسرائيل" عنه، أو في الحد الأدنى، الاستفادة منه، بدءاً بالحديث عن قرار إسرائيلي بشأن تبنّي مفهوم تأليب الشعب الإيراني على النظام خدمة لأهداف إسرائيلية، واستخدام الأساليب الممكنة لذلك، مروراً بالحديث عن توقيت الهجوم وسياقه في إطار المواجهة الدائرة بين "إسرائيل" وإيران، وعدم استبعاد أن يكون هجوم السايبر رداً إسرائيلياً على هجمات إيرانية سابقة، وانتهاءً بالإشارة إلى أنّ هجوم السايبر الأخير على قَدْر من الإتقان والشمولية، بحيث لا يمكن أن تقوم به إلاّ دول، وأنّ قصة الاتفاق النووي تقف في صميم هذا الهجوم.
قرار إسرائيلي من أجل تحريض الشعب الإيراني
وفي وقت لم يصدر أي موقف علني عن المسؤولين، في المستويين السياسي والعسكري، بشأن هجوم السايبر الذي تعرَّضت له إيران، أكَّد مصدر سياسي إسرائيلي لصحيفة "هآرتس" "أن إسرائيل قرَّرت استغلال مجموعات مهمة في الجمهور الإيراني، في إطار المحاولات الرامية إلى استنزاف النظام في إيران، وثنيه عن جهوده في إنتاج سلاح نووي".
وأضاف المصدر أنّ "إسرائيل" لاحظت أنّ "الجمهور الإيراني لا يخشى التعبير عن موقفه، بل حتى يقوم بالاحتجاج عبر وسائل متعددة، ويعبّر عن تحفُّظاته بالأفعال في المناسبات التي يشعر فيها بتهديد لنمط حياته. نعم، استنتجت إسرائيل أنه سيكون في الإمكان استغلال تصرف كهذا أيضاً، للتأثير في النظام في طهران في الموضوع الإيراني".
وفي السياق ذاته، أشارت "هآرتس" إلى أن "المؤسستين الأمنية والعسكرية بلورتا في الآونة الأخيرة مفهوماً، مفاده أنً ضغطاً من جانب الجمهور في إيران - الذي لا يميل إلى تفهُّم المسّ بنمط حياته - يمكن أن يؤثّر في النظام الإيراني في الموضوع النووي".
ولفتت الصحيفة إلى أن "إسرائيل" شخّصت أخيراً الجمهور في إيران، أو "على الأقل الجمهور المتمدن والمثقف، كـخاصرة رخوة على نحوٍ خاص. والهدف هو أنّ هذا الجمهور، الذي يجد صعوبة في مواجهة المس بنوعية حياته، سيمارس ضغطاً مهماً على السلطة في وضع كهذا".
وأضافت أنّ هجوم السايبر الذي مَس عشرات آلاف السائقين الإيرانيين العاديين، يتلاءم مع التصور المحدّث للمؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين، في الصراع ضد النووي الايراني.
سلاح جديد .. رسائل قديمة
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) سابقاً، اللواء احتياط عاموس يادلين، وصف الهجوم، في مقابلة تلفزيونية، بأنه "عملية إلكترونية واسعة النطاق ومثيرة للإعجاب". وأشار يدلين إلى أنّ هذا الهجوم يهدف إلى بعث رسالة إلى الإيرانيين، مفادها "أنتم تعتقدون أنكم تستطيعون الوصول إلى حدودنا، فلديكم حزب الله عند الحدود اللبنانية، والجهاد الإسلامي وحماس في غزة، وتحاولون التمركز في الجولان. أنتم تعتقدون أنكم بعيدون. فهذا السلاح الذي يسمى السايبر، خلافاً لمكوّنات القوة التقليدية، مثل الجو والبحر والبر، يستطيع أن يقطع مسافات بعيدة بسرعة. وفي هذا الأمر رسالة إلى الإيرانيين مفادها أنكم عرضة للاستهداف".
ولفت يدلين إلى أنه، "على غرار الحملات العسكرية الحركية (النارية)، فإنّ التأثير الاستراتيجي للعملية الإلكترونية سيصبح أكثر وضوحاً في المستقبل"، متسائلاً إن "كانت العملية ستؤدي إلى كبح جماح أنشطة إيران السلبية في الشرق الأوسط، أم أنها ستتسبب بتصعيد؟". ورأى يدلين أنّ "السايبر هو سلاح جديد غير معروف على نحو كافٍ"، لافتاً إلى أنّ من نفّذ الهجوم "لا يعرف دائماً مدى تأثيره بالدقة".
من جهته، رأى الخبير في مجال السايبر، غاي مزراحي، أنّ "السؤال المثير للاهتمام جداً في هذه القضية، هو: لماذا يسارع طرف إلى تنفيذ هجوم كهذا، في حين أنّه لن يسفر فعلياً عن أضرار حقيقية تطال اقتصاد الدولة، بل عن تذمّر المواطنين من المؤسسات؟ عندما تقوم هيئة استخبارية بالهجوم، يكون هناك توازن بين ما يمكن إنجازه وخسارته، نتيجة كشف قدرتها. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا ستقرّر الهيئة المهاجِمة إحراقَ قدرتها من أجل تحقيق ربح في نطاق الحرب النفسية؟" وتساءل مزراحي أيضاً إن "كان الأمر يتعلق بوضع الحرب بالنسبة إلى الرأي العام في إيران كأولوية".
أمّا المدير العام لشركة "Clearsky"، التي تُعنى بالاستخبارات السايبرية في "إسرائيل"، بوعاز دولب، فقدّر أنّ الهجوم السايبري في إيران هدفه "الردع، والتلميح إلى الإيرانيين إلى أنهم تجاوزوا الحدود".
حرب على الوعي
وأشار معلقون في "إسرائيل" إلى أنّ الهجوم قد يكون رداً إسرائيلياً على هجمات سايبر إيرانية، أو قد يكون رداً على الخطوات الأخيرة التي تقوم بها إيران في المنطقة.
وأضاف معلقون أنّ "المسؤولين عن هجوم السايبر لا ينوون الاكتفاء بالغارات الجوية في سوريا، وفي أماكن أُخرى ضد أهدافٍ إيرانية، وفي الأساس عدم الانتظار حتى يتوصّل الأميركيون إلى اتفاقاتٍ في موضوع النووي، في حين أن إيران تحاول، في الوقت نفسه، تعميقَ سيطرتها على العراق واليمن".
وبشأن هدف الهجوم، حدَّد معلقون أهدافاً متعدّدة للهجوم السايبري ضد إيران، "منها السعي لإيجاد إحباط وتململ وسط الجمهور الإيراني، والضغط على النظام للعودة إلى طاولة المفاوضات".
ورأى معلّقون أنّ "الضغط يهدف إلى حد تقويض استقرار النظام الإيراني، وممارسة ضغطٍ داخلي عليه". وبحسب معلِّقين، فإنّ "الهجوم هو عملية مستمرة على الوعي من خلال الرسائل التي تمرَّر إلى الجمهور".