أوكرانيا تثقل كاهل مرشحي الرئاسة في فرنسا
طبيعة خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية تتغير بسبب الصراع في أوروبا الشرقية، والحرب في أوكرانيا الآن هي التي تتقدم في الحياة السياسية الفرنسية.
منذ ما يقرب من أسبوعين، تغيرت طبيعة خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية بسبب الصراع في أوروبا الشرقية لدرجة أن البعض يخشى، قبل 35 يوماً من الجولة الأولى، رؤية هذا الموعد الديمقراطي العظيم يصبح في المرتبة الثانية من الاهتمام، مع احتمال أن يتحول إلى مكافأة للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون المرشح والمفاوض العنيد وأيضاً القائد الحربي!
في حين أن الموجة الخامسة من وباء كورونا قد أثارت المخاوف ذات مرة من حملة رئاسية مقيدة بالقيود الصحية، فإن الحرب في أوكرانيا الآن هي التي تتقدم في الحياة السياسية الفرنسية.
أخبار أحداث أوكرانيا سيطرت على جميع الاهتمامات الأخرى، من المعرض الزراعي إلى آخر تقرير مثير للقلق من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لدرجة أن وجوه فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي أصبحت مألوفة لدى الفرنسيين أكثر من وجوه المرشحين الذين يتنافسون على انتخابات الرئاسة التي ستجرى الجولة الأولى منها في 10 نيسان/أبريل المقبل.
دُفع الصراع الرئاسي إلى الخلفية، مهما كان الاهتمام به من قبل حماسياً وساخناً. وبينما "لم يأتِ الأسوأ بعد" في هذه الأزمة، وفقاً لماكرون، فإن لا شيء يقول أنه يمكن للوضع الجيوسياسي أن يسمح للمناظرات الرئاسية بالبدء أمام الرأي العام مع اقتراب الموعد النهائي الحاسم.
إعادة تصميم الاجتماعات والجدالات حول بوتين
في غضون ذلك، خلال الأسبوعين الماضيين، تم تعديل جميع الحملات، أولاً في النموذج. هنا، اتفقت مارين لوبان وتلفزيون "فرانس 2" على تأجيل برنامج الرئاسة "إليزيه 2022"، المخصص لمرشح حزب التجمع الوطني والذي كان مقرراً في 24 شباط/فبراير، يوم بدء العملية الروسية، لمدة أسبوع واحد، وألغى مرشح البيئيين يانيك جادوت مشاركته في منتدى مقرراً في "كليرمون فيران" في اليوم التالي لاندلاع الحرب.
المهرجانات العامة تتغير بطبيعتها أيضاً. هذا ما قررته آن هيدالغو، بتحويل الاجتماع الكلاسيكي المخطط له في بوردو (جيروند) ، يوم السبت 26 شباط/فبراير، إلى حدث لدعم الشعب الأوكراني. لم يفعل جان لوك ميلينشون عكس ذلك في "لقاء السلام" الذي عقده في ليون يوم الأحد 6 آذار/مارس وكانت أوكرانيا وتداعياتها حاضرة لا بل مهيمنة على خطابه.
قبل شهر واحد من الجولة الأولى، يحاول الجميع التكيف مع الوضع الدولي الجديد بهدف واحد: العثور على النغمة الصحيحة حتى لا يظهرون بعيدين عن الأحداث الجارية، ولكن من دون ترك أيام الحملة الانتخابية الثمينة تفلت من أيديهم.
الأصوات أكثر جدية وكل كلمة يتم وزنها، كما لو أن الحرب في أوكرانيا قد ألقت الحجاب على الكثافة المعتادة للحملة الرئاسية. "يجب على الجميع رفع مستوى المعايير الأخلاقية فيما يتعلق بالانتخابات"، بحسب ما تؤكد الاشتراكية آن هيدالغو في حديث إذاعي.
بالرغم من هذا الإنصياع للحدث الأوكراني لم تختف الخلافات بين المرشحين. لقد انتقلوا ببساطة إلى الميدان الدولي، وسارعت المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو المنافسة لجان لوك ميلينشون، في مجلة ليكسبريس، إلى إتهام الأخير بأنه "أصبح حليفاً وداعماً لفلاديمير بوتين". معظم المرشحين لم يتوانو عن توجيه الإتهامات لميلونشوف بقربه ودفاعه عن بوتين، بينما اعتبر مقربون من زعيم "فرنسا غير الخاضعة" جميع هذه التصريحات تشهيرية.
في ساحة اليسار سلطت المسألة الأوكرانية الضوء على تصدعات واضحة في الشؤون الدبلوماسية. هذا هو الحال أيضاً على اليمين وفي أقصى اليمين: لمدة عشرة أيام، لم تتوقف المرشحة الجمهورية فاليري بيكريس عن مهاجمة مارين لوبان وإريك زمور بشأن صلاتهما بفلاديمير بوتين.
ما قبل الحرب على أوكرانيا ليس كما بعدها. خفتت أصوات معارضي ماكرون أقله على المنابر وفي العلن. الجمهوري لوران فوكيز الذي وصف ماكرون بالديكتاتور والملكي سارع إلى التنصل من تصريحه هذا نظراً لتداعياته على التضامن الفرنسي في وجه روسيا. لكن جميع معارضي إيمانويل ماكرون يخشون في أي حال أن تتحول موضوع الوحدة الوطنية إلى مكافأة لماكرون في ظل هذه الظروف.
فكرة زيادة الدعم، في أوقات الحرب أو الأزمات الكبرى، للسلطة القائمة، ليست جديدة. هذا المفهوم، الذي وضع نظريته في الولايات المتحدة من قبل عالم السياسة جون مولر في السبعينيات، يثير قلق كثير من المرشحين الآخرين، لكن مسؤولاً في فرنسا غير الخاضعة كأريك كوكريل يقول: "في البداية، أثناء الأزمة، يقوي الرئيس قليلاً.. طالما أن القرارات تبدو صحيحة. بعد ذلك، تتلاشى".
أسئلة مقلقة
هل مخاطر وتداعيات أزمة أوكرانيا ستدفع نسبة من الفرنسيين إلى الامتناع عن التصويت، وهو الخطر الأكبر على جميع المرشحين الآن؟ يقول الخبراء أن هناك تململاً وارتباكاً، لكنه يؤكد أنه "لم نشهد أبداً أن الفرنسيين يفقدون الاهتمام بالانتخابات الرئاسية، التي تظل حدثاً استثنائياً".
بغض النظر عما إذا كان هذا قد يبدو شكلاً من أشكال التعلق بالديمقراطية، فإن التحدي يكمن أيضاً في عدم ترك الحرب في أوكرانيا تملي وتيرة الحياة السياسية الفرنسية. يحذر إريك كوكريل: "سيكون من التناقض والخطير تعليق ديمقراطيتنا".
وعلى الرغم من الوضع غير المؤكد في أوكرانيا، فإن جميع الفرق المشاركة في السباق على قصر الإليزيه تستبعد، في الوقت الحالي، إمكانية تأجيل الاقتراع.