أميركا تحيي ذكرى 11 أيلول/سبتمبر على وقع الانسحاب من أفغانستان
في الذكرى العشرين لأحداث هجمات 11 أيلول/سبتمبر، تقف "طالبان" أمام منعطف طرق بعد سيطرتها على البلاد، من أجل إثبات حسن نواياها وتغيّر سياساتها السابقة والمعهودة، فإلى أين سوف تسوق طالبان أفغانستان في الأياّم المقبلة؟
يأتي وقع ذكرى أحداث 11 أيلول/سبتمبر لهذه السّنة مغايراً عن السنوات السابقة، إذ إنّه يتزامن مع خروج الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان بعد 20 عاماً من احتلالها.
الرّئيس الأميركي جو بايدن، دعا أمس الجمعة، إلى الوحدة الوطنية مع استعداد الولايات المتحدة لإحياء الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، واصفاً "الوحدة بأنّها أعظم قوة أبدتها أميركا في وجه المِحَن".
وأوضح بايدن إنّه "بالنسبة لي الدرس الرئيسي من هجمات 11 أيلول/سبتمبر هو أننا وفي أشد المواقف، وسط الشد والجذب، والمعركة من أجل روح أميركا، فإنّ الوحدة هي أعظم قوة لدينا".
أحداث هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 والمتمثلة بتعرّض 4 طائرات تابعة لـ"أميركان إيرلاينز" للاختطاف، واصطدام اثنتان منها ببرجي التجارة العالمي والثالثة بمبنى البنتاغون، وتحطّم الرابعة قبل وصولها إلى هدفها، أدّت إلى سقوط ضحايا قُدر عددهم بنحو 2977 شخصاً، بما فيهم ركاب الطائرات المستخدمة في الهجمات، والذين كانوا في برجي مركز التجارة العالمي وقت ضربهما.
غير أنّها أيضاً، أدّت إلى اتّخاذ الولايات المتحدة على لسان رئيسها آنذاك، جوروج دبليو بوش، قراراً بغزو أفغانستان، بذريعة القضاء على الإرهاب، وخصوصاً تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، وإحلال السلام في البلاد.
ذكرى 11 أيلول/سبتمبر تتزامن مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان
لكن بعد 20 عاماً، اتّخذ الرئيس الأميركي جو بايدن قراراً بالخروج من أفغانستان، وإرجاع البلاد للشعب الأفغاني، برئاسة الرئيس السابق أشرف غني، وبوجود جيش مدرّب من قبل الجيش الأميركي، ومزوّد بأسلحة متطورة، والّذي يقدّر أنّ عدد جنوده، مع الشرطة، يبلغ نحو 300 ألف فرد، وذلك على أساس أنّ أفغانستان "أصبحت مستعدة لأن تصبح مستقلة عن الولايات المتحدة، وأنّها أصبحت آمنة".
اعتقد بايدن ذلك، خصوصاً وأنّ "طالبان"، كانت قد وقّعت مع الولايات المتحدة في شباط/فبراير 2020 اتفاق "السلام في أفغانستان" في العاصمة القطرية الدوحة.
إلاّ أنّ الأمر كان مغايراً ومفاجئاً للولايات المتحدة الأميركية وحلف "الناتو"، والعالم على حدّ سواء، وذلك بعد أن سيطرت "طالبان" في غضون عشرة أيّام فقط، على أغلب ولايات أفغانستان، ووصلت إلى العاصمة كابول، لتسيطر بعد ذلك على أفغانستان بالكامل، من دون أن يحاربها الجيش الأفغاني حتى، والذي يملك عديداً أكبر بكثير من حركة "طالبان"، التي يقدّر أنّها تملك 70 ألف جندي. في حين أنّ رئيس البلاد أشرف غني تخلّى عن رئاسة البلاد، وهرب إلى الإمارات، تاركاً الشعب الأفغاني لمصير مجهول.
إذاً، انقلب السحر على الساحر، وتبيّن أنّ أميركا و"الناتو"، كانتا على مدى 20 عاماً في أفغانستان لأهداف غير معلنة، ومغايرة تماماً عمّا زعمتا تحقيقه في البلاد. الأمر الّذي أكّده جو بايدن بعد أن قال عقب خروج أميركا من البلاد إنّ "مُهمتنا في أفغانستان لم تكن أبداً بناء الدولة، وإنما أن نركّز على مكافحة الإرهاب، ومنع الاعتداءات على الأراضي الأميركية".
لم تتحقق أيّ من أهداف الولايات المتحدة المزعومة، والّتي صرفت من أجل تحقيقها أكثر من تريليون دولار، وهذا ما ظهر للعالم أجمع. أميركا، تركت أفغانستان في وضع أمني واقتصادي سيئين، بعد إخلاء رعاياها، وحتّى كلابها، ولم تلتفت أبداً لمصير الشعب الأفغاني. ولتزيد الطين بلة، فإنّها تقف الآن عائقاً أمام وصول المساعدات إلى أفغانستان.
إلى ذلك، شهد قرار الرئيس الأميركي حول الانسحاب من أفغانستان ردود فعل عنيفة في الداخل الأميركي، وخصوصاً من قبل الجمهوريين الذين واصلوا هجومهم على قرار الانسحاب بوصفهم إياه بـ"الكارثة"، وبـ"الخطأ الذي سيخيم على أميركا لعقود". حتّى أنّهم شككوا بأن يكون بايدن "قادراً على إنجاز مهامه"، وطالبوه بالاستقالة.
العالم في ترقّب لما ستؤول إليه الأمور في أفغانستان
وفيما أعلنت "طالبان"، الثلاثاء الماضي، عن تشكيل حكومة جديدة، برئاسة الملا محمد حسن، يبقى العالم في ترقّب لما ستؤول إليه الأمور في أفغانستان، بعدما أظهر مسؤولو "طالبان" سياسات ووعود مغايرة عن السابق في كثير من الأمور، وخصوصاً بشأن علاقاتها مع دول الجوار مثل الصين وإيران، الأمر الّذي يستفزّ الولايات المتحدة بطبيعة الحال، كونها تخسر شيئاً فشيئاً، من نفوذها وهيمنتها في المنطقة.
هذا وسبق أن قال مسؤول بحركة "طالبان" إنّ الحركة ستكون مسؤولة عن أفعالها، وستُحقّق في تقارير عن قيام أعضاء بالحركة بارتكاب أعمال انتقامية وفظائع.
وأضاف المسؤول، أنّ الحركة تخطط لإعداد نموذج جديد لحكم أفغانستان خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لافتاً إلى أنّ "الإطار الجديد لحكم البلاد لن يكون ديمقراطياً بالتعريف الغربي، لكنه سيحمي حقوق الجميع"، ومؤكّداً أنّ "خبراء قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية في طالبان يهدفون إلى طرح إطار حكم جديد في الأسابيع القليلة المقبلة".
"طالبان" أمام تحدّيات حادّة
وتعقيباً على مجريات الأحداث المتسارعة في أفغانستان، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إنّه "بعد يوم من تسمية حركة "طالبان" لمجلس وزراء بالوكالة لقيادة الدولة التي أمضوا عقدين من الزمان في محاولة غزوها، بدأت التحديات المذهلة التي رافقت النصر تتضح بشكل حاد.
فالأزمة الإنسانية تزداد سوءاً، حيث أدى نقص الغذاء والنقل إلى إعاقة قدرة الناس على الحصول على الإمدادات الأساسية. ومن المرجح أن تكون معظم المساعدات الدولية مرتبطة بما إذا كان بإمكان "طالبان" الوفاء بوعودها بعدم توفير ملاذ آمن للإرهابيين.
يأتي ذلك في وقت أظهرت الدول آراءاً متباينة بشأن حكومة "طالبان" وإمكانية الوفاء بوعودها، فواشنطن أبدت قلقها إزاء الحكومة، ليعلن بعد ذلك البيت الأبيض أنّه لا يعتزم الاعتراف بها. فيما أكدت موسكو أنّها ستدرس "احتمال الاعتراف بسلطة حركة "طالبان" في أفغانستان بعد تشكيل حكومة تشمل جميع الأطراف في البلاد".
أمّا الحكومة الفرنسية، فأعربت عن أسفها إزاء الحكومة الأفغانية المؤقتة، معتبرةً أنّ "الأفعال غير متطابقة مع الأقوال"، للحكومة التي "تضم حرس طالبان القديم، وتغيب عنها النساء خلافاً لتعهد النظام بالانفتاح".
كما أعلن"الاتحاد الأوروبي" أنّه "سيحتاج إلى التعامل مع حركة طالبان، لكنه لن يتسرّع في الاعتراف رسمياً بالحركة باعتبارها الحاكم الجديد لأفغانستان."
تقف "طالبان" الآن أمام منعطف طرق بعد سيطرتها على البلاد وخروج الولايات المتحدة الأميركية من أراضيها، فأمامها تحديات صعبة من أجل إثبات حسن نواياها وتغيّر سياساتها السابقة والمعهودة، فإلى أين سوف تسوق طالبان "أفغانستان في الأياّم المقبلة؟ وأيّ وجهٍ جديد سوف تصنعه لها؟