أكاديميون غربيون: آلة الحرب الغربية والإعلام يعملان معاً
يتفق العديد من الأكاديميين الغربيين على كون الخطاب الإعلامي الغربي في تغطية النزاع القائم في أوكرانيا يحمل سمات المقاربة "العنصرية" وينطلق من عقلية"استشراقية" تعود إلى قرون خلت، ويؤكدون على ضرورة الملاحقة القانونية للصحافيين العنصريين.
-
أكاديميون غربيون: آلة الحرب الغربية والإعلام يعملان معاً
يُعيد النزاع القائم في أوكرانيا، بين روسيا والقوى الغربية، مواضيع وقضايا متعدّدة إلى الواجهة، منها ما يرتبط بأمن القارة الأوروبية والمفاهيم الجديدة للحروب الحديثة، ومنها ما يتعلّق بالسياسات الخارجية للقوى الكبرى، بعد انفجار الوضع من جديد بين قطبي الحرب الباردة، ومنها ما يندرج في إطار دراسة المتغيرات في الديمغرافيا والجغرافيا السياسيتين والأوضاع الاجتماعية للدول الأوروبية على وقع تبعات الحرب الدائرة في شرقي القارة الباردة، ومنها ما يدخل ضمن مجالات متعدّدة أخرى.
وفي إطار متابعة موضوع التغطية الإعلامية للنزاع الجاري، والمنحازة سياسياً وعرقياً، والتي وصفتها عدة تقارير إعلامية وحقوقية، على مستوى العالم، باللغة "العنصرية"، ونالت حظاً وافراً من التعليق والنقد، أجرى الميادين نت مقابلتين مع الأستاذة الجامعية د. غريتشن كينغ، الباحثة والمتخصصة بدراسات الإعلام والتواصل، والكاتب والأستاذ الجامعي، د. دانيال ياغيتش، الباحث في مجال الإعلام والاستشراق ومرحلة ما بعد الاستعمار.
"هذه ليست عودة إلى الخطاب العنصري، بل هي استكمال لسياسات إعلامية عنصرية تنتهجها المؤسسات الإمبريالية الإعلامية منذ أكثر من مئة عام: حيثما تذهب آلة الحرب (الغربية) تذهب معها المؤسسات الإعلامية التابعة لها، من أجل مساعدتها على تحقيق أهدافها التوسعية"، تؤكد كينغ جواباً عن سؤال عن سبب عودة هذا الخطاب إلى الظهور مجدَّداً في الإعلام الغربي، مشيرةً إلى أنّ ردّ الفعل الصحيح هو ليس الصدمة، ولا التفاجُؤ بهذا الخطاب العنصري، بل يجب على الجمهور "الشعور بالاشمئزاز من هذه اللغة والمطالبة بالتغيير نحو الأفضل، كما أنّ عليه أن يعرف حدود الحريات الإعلامية في الغرب".
وتعليقاً على بيانات إدانة متعدّدة، صدرت ووصفت اللغة التي استُخدمت بالعنصرية والمحدودة بعقلية استشراقية أوروبية، أكّدت كينغ "أهمية الإدانة والرفض، لكنّ ما ينقص هذه البيانات هو تجاهلها مساراً عمره أكثر من مئة عام، من دعم وسائل الإعلام الغربية ومساندتها لآلة الحرب الإمبريالية، ووضع اللغة المستخدَمة الآن في إطار غير طبيعي بالنسبة إلى الآلة الإعلامية الغربية، بينما هي تعبير طبيعي عن دور الإعلام الغربي التاريخي في أي حربٍ تخدم مصالح الغرب الإمبريالي".
-
كينغ: فهم الخلفية الاقتصادية-السياسية للإعلام الغربي يكشف بوضوح للجمهور دوره الأساسي في الحروب
ولفتت كينغ إلى أهمية مراجعة التغطية الإعلامية لحرب غزة الأخيرة، وملاحظة أنّ الإعلام الغربي لم يهتمّ بها إلى حين بدأت الصواريخ تنطلق من غزة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقالت: "ماذا كان ينقص المشهد؟ السياق التاريخي لعقود من الاحتلال الإسرائيلي. لا شكّ في أنّ الإعلام الغربي سينقل وجهة نظر كيان الاحتلال، حليف الحكومات الغربية، وهو ما يحدث دائماً".
وتعليقاً على حجم الحظر والملاحقة للمحتوى الإعلامي المناصر لروسيا في وسائل التواصل الاجتماعي، أكّدت كينغ "أنّنا اليوم نشهد أمراً جديداً نسبياً، فما كان يحدث، بصورة خاصة، عبر كتم أصوات الفلسطينيين في جميع المنصات الافتراضية لمصلحة صوت الاحتلال الإسرائيلي، يتكرّر اليوم على نحو فاضح مع صوت المناصرين للموقف الروسي، ومع شبكة روسيا اليوم وغيرها، ونرى تظهيراً للموقف الأوكراني بشأن النزاع، وهو ما سيستمرّ بصورة قاطعة لأنّه ببساطة لا وجود لإعلام غربي حرّ ما دامت المؤسسات الإعلامية خاضعة لتوجيه الحكومات الاوروبية والأميركية"، داعيةً الصحافيين والإعلاميين والمتابعين إلى دراسة تأثير السياسة والاقتصاد في الإعلام ورسالته وسياساته، فالإعلام "يبغي الربح المادّي أوّلاً، سواء على المستوى السياسي أو المستوى الاقتصادي". كما دعت إلى دراسة الارتباط بين الإعلام الغربي والحروب التي خاضها الغرب ضدّ الشعوب الأخرى.
بدوره، قال دانيال ياغيتش، ردّاً على سؤال بشأن سردية مفادها أنّ هذه هي الحرب الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة، وأنّ العملية العسكرية الروسية أنهت ما يسمى فترةَ السلام الأوروبي، إنّ "مجرّد الالتفات إلى أنّ الحرب في أوروبا لم تتوقف منذ الحرب العالمية الثانية، وإنّ النزاعات الدموية بقيت مستمرة في معظم أنحاء أوروبا، بصورة متقطّعة ومتفاوتة، حتى اللحظة التي بدأت فيها الحرب في أوكرانيا، تؤكّد أنّ الصدمة التي يُظهرها الإعلام الغربي اليوم بشأن الأزمة في أوكرانيا، لأنها على أعتاب أوروبا وليست في آسيا أو أفريقيا، هي تضليل إعلامي، وأنّها ناتجة من عقلية استشراقية وفوقية تعتبر أنّ الحرب والأزمات يجب أن تحدث خارج أوروبا، وليس داخلها".
وأكّد أنّ النظرة الأوروبية المركزية إلى العالم هي التي تؤدي إلى مقاربة الأحداث بصورة تنزع الصفة الإنسانية عن الشعوب الأخرى، التي لا تعيش في أوروبا، ولا ترتبط بالأوروبيين، لافتاً إلى ضرورة المقارنة بين التغطية الإعلامية الغربية للحدث الفلسطيني – في حال وجودها – وكيف تمّ تصنيف كل ما يرتبط بالمقاومة الفلسطينية كـ"إرهاب"، بالتغطية التي تنالها "المقاومة الأوكرانية" اليوم، إذ يُنظر إلى الأخيرة على أنها فعل تقدّمي يحمل قيم بطولة ونضال ضدّ "الاحتلال"، بينما تُقرَن الأولى بصفات "الإرهاب والتخلّف والرجعية"، وتنال عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي إدانات دولية.
-
ياغيتش: الصدمة التي يعيشها الغرب من الحرب "فبركة إعلامية" فتاريخ أوروبا مليء بقرون من الحروب
وذكّر ياغيتش بالتغطية الإعلامية التي تنالها العمليات العسكرية الغربية في دول الشرق والجنوب، وكيف أنّ "عمليات الاحتلال والاستهداف والقتل والخطف والاعتقال، والتي تنفّذها بصورة متكررة قوات عسكرية غربية، كما في العراق أو سوريا أو مالي، تحت حجج مرتبطة بأمن الولايات المتحدة وأوروبا، وبمواجهة ما يسمّيه الغرب الإرهاب، من دون أن يحدد قواعد واضحة لمن تنطبق عليه صفة الإرهاب، تستخدم دائماً لغة تبريرية للأفعال الغربية، بينما لا يتمّ استخدام المنطق نفسه عند التعامل مع العمليات العسكرية الروسية، أو مع المقاومات المسلحة ضدّ حلفاء أميركا في المنطقة، وأُولاها حركات المقاومة ضد "إسرائيل".
دعوة إلى التحرّك: المطلوب ملاحقة شبكات الإعلام والمراسلين "العنصريين"
ردّاً على سؤال بشأن أفضل ما يمكن القيام به لمواجهة العنصرية في الخطاب الإعلامي، اعتبرت كينغ أنّه "يجب على الإعلاميين والحقوقيين والقانونيين، الذين يعدّون أنفسهم متضرّرين من هذا الخطاب العنصري المنحاز، ومن هذه السرديات الضارة، والذين يعلمون تماماً بأنّ مؤسسات الإعلام وشبكات الأخبار الغربية لن تقوم بمحاسبة أي مراسل أو صحافي أو مسؤول مرتبط بهذا الأداء الإعلامي، من تلقاء نفسها، أن يعملوا على ملاحقة هذه الشبكات ومراسليها قانونياً، من خلال قوانين دولية ومحلية تمنع استخدام أي إشارات مرتبطة بتمييز عنصري في الخطاب الإعلامي، فضلاً عن فضح الانحياز الإعلامي إلى الجانبين الأوروبي والأميركي، وكشفه للرأي العام، من أجل إدراك مدى تورّط آلة الدعاية الغربية في تضليل الشعوب، وليس فقط شعوب العالم، بل أيضاً شعوبها هي، بصورة أساسية، من خلال قوانين حظر المحتوى الإعلامي المغاير، والتي تفرضها على نحو تعسّفي في بلادها، فلا أحد يمكن أن يقبل حرمانه من حقّه في الوصول إلى المعلومات".