الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة.. ما الذي يسعف الشوق؟

تكثر الحكايات والقصص عن تضحيات الطّواقم الطّبيّة في ظلّ انتشار وباء كورونا، لكن بمناسبة عيد الأم، سنروي بعضاً من تضحيات المّمرّضات الأمّهات.

  • الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة...بين الأمومة وتلبية نداء الواجب
    الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة...بين الأمومة وتلبية نداء الواجب

لم يكن التّمريض يوماً وظيفة سهلة، كونها تُعنى بالحفاظ على الأرواح وإنقاذها في الدرجة الأولى. ومنذ عام وإلى اليوم، مع ظهور فيروس كورونا، ازدادت هذه الوظيفة صعوبة ومسؤولية، فالممرضون والممرضات منذ البداية، وحين لم يكن هناك ما يكفي من المعلومات العلمية الدّقيقة عن كيفية التّعامل مع الجائحة، كانوا في الصّفوف الأمامية لمواجهتها، ووضعوا أرواحهم على المحكّ للحفاظ على مجتمعات بأكملها. 

تكثر الحكايات والقصص عن تضحيات الطّواقم الطبيّة في ظلّ انتشار وباء كورونا، لكن بمناسبة عيد الأم، سنروي بعضاً من تضحيات الممرّضات الأمّهات، وكيف كان باستطاعتهنّ التّوفيق بين دور الأمومة وواجبهنّ التّمريضي في محاربة هذا الفيروس المستجدّ.

بتول غندورة، الممرضة اللّبنانيّة في قسم كورونا في مستشفى السّان جورج ببيروت، تتحدث للميادين نت قائلة إنّه "من أصعب اللحظات الّتي مرّت معي كأمّ لولدين، وكممرضة أقوم بواجبي في المستشفى، هي عندما أصبت بفيروس كورونا ودخلت المستشفى على إثر إصابتي، حينها شعرت بالخوف على ولديّ، وبالخوف من أن لا أحضنهما مرّة أخرى". 

  • الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة...بين الأمومة وتلبية نداء الواجب
    الممرضة بتول غندورة: الشّعور الأكثر إيلاماً كان حين عرفت أنّني نقلت عدوى كورونا لولدي 

وتتابع غندورة "لكنّ الشّعور الأكثر إيلاماً كان حين عرفت وأنا في المستشفى أنّني نقلتُ العدوى لولدي علي ذي الخمس سنوات، والّذي بعد إصابته بشهر بالفيروس، بدأت تظهر عليه عوارض مضاعفات كورونا، وهي تحصل بشكل قليل عند الأطفال، ففقد القدرة على النّطق، كما فقد القدرة على المشي، مما أثّر على توازنه وعلى قلبه أيضاً". 

وتضيف "دخلت معه المستشفى لسبعة عشر يوماً على التّوالي، وكنت جنبه طوال الوقت، ولا يمكنني وصف مشاعر الحزن والقلق والخوف عليه حينها، خصوصاً وأنّني كنت السّبب في نقل العدوى له. لكن الحمدلله وبعد معاناة طويلة، استطاع علي أن ينتصر على الفيروس، وصار يتكلم ويمشي من جديد، مع العلم أنّه سيبقى يتابع علاجاً لمدة سنة بسبب الالتهابات والتوسّع الذي حصل في شرايين قلبه". 

تختم غندورة حكايتها متمنية من الممرضات الأمهات أن ينتبهن على أنفسهن، وأن يبقين صامدات بوجه الفيروس من أجل عائلاتهن ومجتمعهنّ كذلك. 

أمّا القصّة الثانية فهي عن ندى سيف الدّين، الممرضة التّي تقوم بمتابعة علاج الأشخاص المصابين بفيروس كورونا في بيوتهم، إضافة إلى أنّها ممرضة في قسم الأطفال في مستشفى السان تيريز اللبناني، ففي حديث لها مع الميادين نت، تقول سيف الدّين، إنّها "كأمّ تقوم بدور الأم والأب لولدها الوحيد وكممرضة في آن معاً، واجهت صعوبات كثيرة، لأنّني شعرت أنّه لا يمكنني أن أقوم بواجباتي كافّة كأمّ مع ابني، فمنذ بدء الجائحة، وأنا لا أستطيع أن أحضنه وأحنّ عليه، وأن أتابعه في مختلف الأوقات كما تمليه علي غريزة الأمومة، الأمر الذي أشتاق إليه بشدّة". 

  • الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة...بين الأمومة وتلبية نداء الواجب
    الممرّضة ندى سيف الدّين: أقول لابني أن يبقى قوياً وصبوراً

وتتابع سيف الدّين "الظروف الّتي نعيشها صعبة جداً، أنا أصبت بفيروس كورونا، كما فقدت والدي أيضاً بسبب الفيروس ومنذ أربعة أشهر لم أرَ أمّي. نحن وكل الطاقم الطبي نقوم بتقديم التّضحيات من أجل الحفاظ على أرواح الآخرين تلبية لواجبنا الإنساني، لذلك أتمنّى من النّاس أن يحرصوا أكثر على أنفسهم من أجلنا ومن أجلهم". 

وتوجّهت لابنها برسالة  قائلة له "أتمنّى أن ينتهي الوباء بأقرب وقت، لكي أعود وأحضنك من جديد، ولكي أكون جنبك في كل وقت تحتاج فيه إليّ، أنت فقط كن صبوراً وقوياً". 

أما جنان جبلاوي، المسؤولة عن قسم كورونا في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، والأم لثلاثة صبية، فتروي  للميادين نت أنّه "كنا الأوائل في مستشفى الحريري منذ بدء الجائحة  في مواجهة كورونا، وشكّل لنا الأمر صدمة خصوصاً أنّه لم تكن الدراسات العلمية واضحة في البداية، لذلك كنت أعيش منعزلة عن عائلتي لأيام ونحن في منزل واحد". 

وتكمل جبلاوي قائلة إنّه "في وقت تغير فيه نمط العيش، وأولادي أصبحوا يبقون دائماً في المنزل ويتابعون دروسهم أونلاين، كنت أنا بعيدة عنهم. وعلى الرّغم من تفهّم أولادي لطبيعة عملي وخوفي عليهم إلا أنهم مثل كل الأولاد، يحتاجون لحناني ووجودي قربهم في هكذا أوقات". 

  • الأمّهات الممرّضات في ظل الجائحة...بين الأمومة وتلبية نداء الواجب
    الممرضة جنان جبلاوي: من واجبي كممرضة وكأم أن أساعد المرضى وأن أقف إلى جانبهم

وتتابع جبلاوي أنّه "أحياناً كثيرة كنت أسأل نفسي هل يستحق الأمر أن أكمل عملي وأعرض نفسي وأولادي للخطر، لأعود وأفكّر أنّ حالتي مثل الكثير من الأمهات اللواتي يمكن أن يتعرّض أولادهن للخطر، ومن واجبي كممرضة وكأم خبرت شعور الأمومة أن أساعد المرضى وأن أقف إلى جانبهم". 

تطول القصص وتكثر عن تضحيات الطواقم الطبية الذين هم في الصّفوف الأولى لمواجهة كورونا، فكيف وأنّ الكثير من عناصر هذه الطّواقم هنّ أمّهات، فالنّساء يمثّلن 70% من القوى الصحيّة والاجتماعيّة على الصّعيد العالمي بحسب بيانات منظّمة الصّحة العالميّة، وهنّ يبتعدن عن أولادهنّ وعن عوائلهنّ تلبية لواجبهنّ الإنساني، ويضحين بحياتهن وبسلامة أطفالهن الجسدية والنّفسية من أجل إنقاذ المجتمع. 

هؤلاء الأمّهات الممرضات اللّواتي يكافحن في المستشفى لساعات طويلة، لينزعن عنهنّ ثوب التّمريض نهاية الدّوام، ويلبسن ثوب الأمومة في المنزل، اللواتي يتشاركن مشاعر الشّوق نفسها لممارسة أمومتهّن من دون خوف أو قلق على أولادهنّ. هؤلاء الأمّهات الممرضات اللّواتي منذ سنة وإلى الآن يعشن أصعب الظّروف إلا أنّهنّ رغم ذلك لا يستسلمن عن أداء واجبهنّ في كافّة الميادين. 

لربّما كلمات الشّكر والتّحايا والتّقدير لا تكفي حجم تعبهنّ داخل المستشفى وضمن العائلة، ولربّما هنّ وكل الطواقم الطبيّة بحاجة لمزيد من الوعي عند النّاس، الوعي الذي يحثّهم على اتّباع الإرشادات الوقائيّة والحفاظ على سلامتهم، لكي نخفف عن كاهل هؤلاء الممرضين والممرضات ولو قليلاً هذا التّعب وهذه التّضحيات المتواصلة منذ سنة ومن دون أدنى راحة.