عصيدة "الزقوقو" التونسية.. ظهرت بسبب المجاعة فأخذت طابعاً احتفالياً
تعتبر أكلة عصيدة "الزقوقو" من أهم الأكلات الفاخرة في تونس، يتم طهيها بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، هي أكلة طعمها حلو، تُزين بما لذ وطاب من أنواع الفواكه الجافة، ورغم القيمة الغذائية التي تحظى بها ونكهة مذاقها، فإن لظهورها طرافة وتاريخاً ارتبط بفترة مجاعة عاشها الشعب التونسي.
عصيدة "الزقزقو" مأخوذة من ثمرة "الزقوقو"، وهي ثمرة الصنوبر الحلبي التي تكون في شكل مخاريط حاملة للحبوب يتم تجميعها واستخراج ثمارها باستعمال الأفران التقليدية.
وتمتد غابة الصنوبر الحلبي على مساحة تقدر بـ 300 ألف هكتار في ولايات الكاف وسليانة والقصرين (شمال غرب تونس).
ويتكبد منتجوها مشقة كبرى في تسلق الأشجار والتعرض إلى المخاطر في قص المخاريط الحاملة للحبوب وتجميعها واستخراج ثمارها.
وتعتبر ولاية سليانة أهم مركز إنتاج وتخزين لـ "الزقوقو" إذ يبلغ إنتاجها حوالي 60 طناً سنوياً من حبوب "الزقوقو" التي يتم جمعها في هذه الولاية من غابات تمتد على مساحة 60 ألف هكتار تنتشر أساساً في مناطق (برقو وكسرى ومكثر وسليانة الجنوبية وبوعرادة وقعفور).
ويضطلع إنتاج مادة "الزقوقو" أو ثمار الصنوبر الحلبي بدور اقتصادي واجتماعي كبير، إذ يمثل مورد رزق لآلاف العائلات بشكل مباشر وغير مباشر.
ويمكن جني 3 كيلوغرامات من حبات الزقزقو من 100 كيلوغرام من مخاريط الصنوبر الحلبي.
"المجاعة أٌم الاختراع"
بحسب المؤرخ التونسي عبد الستار عمامو في حديثه مع "الميادين نت" فإن استعمال “الزقوقو”، قد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
يقول عمامو إن اللجوء إلى استعمال هذه الثمرة تم خلال سنوات الجفاف التي تلت ثورة علي بن غداهم سنة 1864، وانتشرت خلالها المجاعة بسبب تراجع محاصيل الحبوب (القمح والشعير و"الدرع").
وقد اضطرت العديد من العائلات التونسية إلى اعتماد تلك المادة لتعويض النقص الحاد في الحبوب، ونظراً لنكهتها الطيبة فقد أصبحت أكلة يتفنن التونسيون في إعدادها بإضافة الفواكه الجافة.
ويشير عبد الستار عمامو إلى أنه بعد خروج البلاد من فترة الجفاف ظل استعمال الزقوقو يعيد إلى الأذهان المجاعة والفقر، وحتى عندما بدأ استعماله يتسرب شيئاً فشيئاً إلى العائلات التونسية، ظلت العائلات الكبرى خاصة في العاصمة (ممن يُسمّون بالبلدية) ترى في استعماله عيباً.
عرفت عصيدة الزقوقو تطورات كبيرة من ناحية طرق إعدادها، حيث أصبحت تضاف إلى عجينة الزقوقو فواكه جافة كاللوز والبندق والفستق، بدأت هذه الأكلة تأخذ صدى كبيراً إلى أن انخرطت العائلات الثرية وأصبحت تتفنن في إعداد العصيدة التي كانت ترى في أمر استهلاكها عيباً.
تونس البلد الوحيد الذي يستهلك "الزقوقو"
أكد المؤرخ عبد الستار عمامو أن تونس هي البلد الوحيد الذي يستعمل الزقوقو، ويصنع منها "العصيدة"، وتحدث في هذا الإطار عن طرفة حدثت، حين تراجع إنتاج الزقوقو في تونس ومع اقتراب المولد النبوي الشريف والإقبال الكثيف على هذه المادة اضطرت الحكومة التونسية إلى استيراد كمية هامة منها من لبنان، ما جعل الحكومة اللبنانية تستفسر عن السبب وأبدت استغرابها الشديد عندما علمت أن هذه المادة هي أكلة مفضلة لدى التونسيين.
اليوم تتصدر عصيدة الزقوقو لائحة الأكلات المحيلة في الاحتفالات الدينية، علماً أن استهلاكها متفاوت بين جهات البلاد التونسية، حيث أصبحت مادة أساسية في أغلب الجهات الشمالية للبلاد، لكن استعمالها في الجنوب التونسي والوسط (القيروان) مازال محدوداً، حيث تستعمل العصيدة البيضاء في المولد النبوي الشريف وهي عصيدة مكونة من القمح وتزين بالعسل والسمن.
أكلة الفقير أصبحت مكلفة جداً
الأكلة التي لطالما ارتبطت في ذاكرة التونسيين بالمجاعة، أصبحت اليوم مكلفة جداً، فقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد 35 ديناراً (13 دولار أميركي)، ما اضطر وزارة التجارة إلى تحديد سعر "الزقوقو" بـ24 ديناراً للكيلوغرام الواحد كسعر أقصى (9$)، كما ارتفعت أسعار الفواكه الجافة التي توضع للتزيين.