كوبا: 58 عاماً من إنقاذ الأرواح حول العالم... القصة بدأت من الجزائر
على الرغم من أن تضامن الجزيرة يعود إلى عام 1960، عندما توجه لواء طبي كوبي إلى تشيلي لمساعدة ضحايا الزلزال ضرب مدينة فالديفيا الجنوبية، بيد أن المرة الأولى التي أرسلت فيها هافانا مهنيين صحيين دائمين الى أراضي خارج حدودها كان إلى الجزائر عام 1963.
تحتفل كوبا اليوم بمرور 58 عاماً على بدء تعاونها الطبي الدولي مع الدول الأخرى، ففي 23 أيار/ مايو 1963، تم إرسال اللواء الطبي الكوبي الأول إلى الجزائر، المكون من 54 عاملاً من النظام الصحي الوطني في البلاد.
في هذا اليوم توجهت الى العاصمة الجزائرية طائرة كوبية قديمة من شركة "كوبانا دي أفياسيون" وعلى متنها 29 طبيباً عاماً و4 أطباء أسنان و14 ممرضاً و7 تقنيين صحيين، وهكذا بدأت أول مهمة طبية كوبية أممية في تاريخ الثورة.
كيف بدأت القصة؟
عندما نالت الجزائر استقلالها عن فرنسا في 3 حزيران/ يونيو 1962، وصل أحمد بن بلة، بعد أيام قليلة من انتخابه رئيسا للوزراء، إلى نيويورك (15 تشرين الأول/ أكتوبر) للمشاركة في حفل انضمام الجزائر إلى الأمم المتحدة.
و في اليوم التالي استقل طائرة كوبانا دي أفياسيون متوجهاً إلى الجزيرة الكاريبية، وكان في استقباله في مطار خوسيه مارتي الدولي في هافانا، القائد العام للثورة الكوبية، فيدل كاسترو.
الصدى الكبير لكلمات كاسترو...
بعد ساعات قليلة من زيارة بن بلة، ألقى فيدل خطاباً في افتتاح مدرسة بلايا خيرون للطب في هافانا، حيث طرح فكرة إرسال لواء طبي لمساعدة الجزائر، التي عانت بعد الاستقلال من رحيل جماعي لـ الأطباء الفرنسيون، والذي أدى إلى نقص كبير في الكوادر الصحية في الجزائر.
خلال خطابه قال كاسترو "كان معظم الأطباء في الجزائر فرنسيين وقد غادر الكثير منهم البلاد، هناك الملايين من الجزائريين وقد تركهم الاستعمار مع الكثير من الأمراض، وأن عدد سكان الجزائر يزيد عن عدد سكان كوبا بـ 4 ملايين لكن لديهم فقط ثلث الأطباء لدينا - بل أقل.... لهذا السبب أخبرت الطلاب أننا بحاجة إلى 50 طبيبًا كمتطوعين للذهاب إلى الجزائر.
وأضاف" أنا متأكد من أنه لن يكون هناك نقص في المتطوعين، اليوم يمكننا إرسال 50 متطوعًا فقط، لكن في غضون 8 أو 10 سنوات، من يعرف كم سيصل عدد المتطوعين، وسنساعد إخواننا، لأن للثورة الحق في جني الثمار التي زرعها... ".
كان لكلمات كاسترو صدى كبير وتلقت استجابة فورية من العديد من الأطباء الذين أبدوا استعدادهم للذهاب ومساعدة الجزائريين الشجعان الذين دحروا بالدم والنار النظام الاستعماري الفرنسي، وهكذا بدأت أول رحلة تضامنية طبية كوبا لتقديم خدماتها خارج حدود الجزيرة.
بالنسبة لكوبا فإن التضامن يولد من المواطنين أنفسهم ويتم تعزيزه من التآزر بين مبادئ السياسة الخارجية والتعاون الدولي ونظام الصحة الوطني، فالشعب الكوبي في طبيعته هو شعب محب وروح التضامن تسري في عروقه وهي مبادئ أساسية تأصلت و تكرست بشكلٍ كبير فيه منذ انتصار الثورة الكوبية عام 1959.
وبحسب معطيات وزارة الصحة العامة في كوبا لهذا العام، فقد أجرى 420 ألف مهني كوبي يعملون في مجال الصحة، متواجدين في 150 دولة حول العالم، أكثر من 14 مليوناً و500 ألف عملية جراحية خلال 6 عقود تقريبًا، وأربعة ملايين و470 ألف عملية ولادة و أنقذوا حياة ثمانية ملايين و700 ألف حياة.
وبينما تقوم دول أخرى في إرسال الجنود وإشعال حروب حول العالم تعمل كوبا على إرسال أطباء للحفاظ على حياة الناس فمنذ بداية جائحة كورونا وحتى الآن، أرسلت الدولة الكاريبية حوالي 57 فرقة طبية من ألوية هنري ريف للمساهمة في مكافحة انتشار هذا الوباء في 40 ولاية وإقليم حول العالم. وهذا ما عبّر عنه الرئيس الكوبي اليوم بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين لبدء التعاون الطبي الكوبي الدولي، يقول كانيل : "حيث يرسل آخرون الجنود ، والقنابل ، والدمار والموت ، فإن كتائبنا الطبية تجلب الرعاية ، والعناية، والأدوية ، والصحة".