فيروس كورونا يتفشى في أفريقيا أبطأ من المتوقع.. لماذا؟

خبراء منظمة الصحة العالمية قلقون ويحذّرون من التداعيات المدمّرة التي قد تنجم عن انتشار فيروس كورونا في قارة أفريقيا، وخبراء صحة يعتبرون أن القارة الأفريقية تبدو حتى الآن غير مهيأة لإدارة أزمة صحية كبرى مثل كورونا.

  • فيروس كورونا يتفشى في أفريقيا أبطأ من المتوقع.. لماذا؟
    علامات استفهام كبيرة في ما يتعلق بالتقديرات بشأن أعداد المصابين بفيروس كورونا في أفريقيا

كشفت مصر عن أول إصابة بفيروس كورونا المستجدّ في أفريقيا في شباط/ فبراير الماضي، وبعدها استعدت بقية القارة لتحمل عبء انتشار الوباء الذي اجتاح أوروبا والولايات المتحدة، والدول العربية، موقعاً أكثر من 1,6 مليون إصابة في أنحاء العالم.

وحذّر خبراء الصحة في العالم من التداعيات المدمّرة التي قد تنجم عن انتشار الفيروس الفتاك في أفريقيا، حيث تفتقر معظم المستشفيات بشدة في القارة إلى المعدات والفرق الطبية المدربة.

كورونا انتشر في 52 دولة أفريقية. ولكن على الرغم من الارتفاع المضطرد في عدد الحالات المؤكدة، لا تزال القارة بعيدة عن المنحنى العالمي بعدد الإصابات والوفيات. إلا أنّ منظمة الصحة العالمية حذّرت الشهر الماضي أفريقيا من مواجهة تطور مثير للوباء حتى مع فرض الحكومات قيوداً لكبح انتشاره.

القارة الأفريقية تبدو حتى الآن غير مهيأة لإدارة أزمة صحية كبرى مثل كورونا، بينما تحاول جاهدة إجراء فحوص كافية لمراقبة حالات الإصابة الفيروس.

وحتى الآن، أصاب المرض أكثر من 12800 شخص في القارة الأفريقية فقط، وقتل حوالى 692 شخصاً على الأقل، بحسب حصيلة وكالة "فرانس برس". ولم يصل فيروس كورونا حتى الآن إلى أرخبيل جزر القمر، ومملكة ليسوتو الصغيرة في أقصى جنوب القارة.

وتعد جنوب أفريقيا الدولة الأكثر تضرراً إذ سجلت حتى الآن أكثر من ألفي إصابة مؤكدة و24 وفاة مسجلة، وهي أرقام بعيدة تماماً عن أكثر من 871 ألف إصابة و71 ألف وفاة في أوروبا. إلا أنه مع ذلك يحذر الخبراء من أن الوباء يتفشى في هذه القارة.

هل تقديرات أرقام انتشار الفيروس في أفريقيا حقيقية؟

مدير برنامج الاستجابة للطوارئ في أفريقيا بمنظمة الصحة العالمية ميشيل ياو، قال إنه "خلال الأيام الأربعة الماضية بوسعنا أن نرى أن الأعداد تضاعفت بالفعل"، مضيفاً أنه "إذا استمر هذا الاتجاه فقد تواجه بعض الدول ذروة مهولة قريباً".

قلق ياو يشاركه فيه مدير منظمة الصحة العالمية في أفريقيا ماتشيديسو مويتي، حيث يعتبر أن انتشار وباء "كوفيد-19" خارج المدن الكبرى "فتح جبهة جديدة في مكافحتنا لهذا الفيروس".

هذا، وتبرز علامة الاستفهام الأكبر في ما يتعلق بالتقديرات بشأن أعداد المصابين بفيروس كورونا في أفريقيا، هل مرتبطة بنقص القدرة على الاختبار على النطاق العالمي؟

وعلى الرغم من تبرع الملياردير الصيني جاك ما بأكثر من مليون جهاز اختبار لفيروس كورونا، إلا أن معظم الدول الأفريقية تفتقر إلى المعدات اللازمة للكشف عن المرض.   

ونجحت جنوب أفريقيا، التي تمتلك نظام الرعاية الصحية الأكثر تطوراً في أفريقيا جنوب الصحراء، حتى الآن في إجراء اختبارات لحوالي 73000 من سكانها البالغ عددهم 57 مليون نسمة.   

وقال وزير الصحة في جنوب أفريقيا زويلي مخيز، الذي يهدف إلى توسيع نطاق الاختبار للوصول إلى نحو 30 ألف اختبار يومياً "هذا منخفض للغاية بالنسبة لنوع التحديات التي تواجهها جنوب أفريقيا".

ماذا عن نيجيريا؟

أما نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا، فلم تجرِ حتى الآن سوى 5000 اختبار لفيروس كورونا لبلد يبلغ عدد سكانه 190 مليون نسمة.

واعترف طبيب يعمل في عيادة خاصة في لاغوس، طلب عدم ذكر اسمه، بأن "نظام الاختبار تحت ضغط كبير والنتائج تستغرق وقتاً"، مضيفاً: "أنا لا أعرف صراحة".

وأجبر عدم القدرة على اختبار الفيروس العديد من البلدان على التعاطي مع تقديرات غامضة ومضللة في بعض الأحيان، فتوقعت كينيا، على سبيل المثال، أن يصل عدد حالات الإصابة بالفيروس إلى 10 آلاف بحلول نهاية نيسان/ أبريل. لكن بعد مرور عشرة أيام من الشهر، ظل عدد الإصابات المكتشفة أقل من 200.

وأوضح المدير العام لوزارة الصحة الكينية باتريك أموث "السبب هو أننا لم نجرِ اختبارات مجتمعية"، مضيفاً "لذا لا نزال نقف عند توقعاتنا السابقة. لا نعرف ماذا سيحدث".

أما رئيس المراكز الأفريقية لـ"السيطرة على الأمراض والوقاية منها" جون نكينغاسونغ، أوضح أنّ إحصائيات فيروس كورونا في إفريقيا بعيدة عن "الكمال، مؤكداً أنه "نفتقر إلى الوسائل".

هل نفع الإغلاق وحظر التجول؟

لقد أعطى الانتشار المتأخر لفيروس كورونا المستجدّ الدول الأفريقية بعض الوقت لتطبيق نفس الإجراءات المطبقة في أوروبا للقضاء على الوباء.

واستجابت الحكومات في أرجاء القارة في وقت مبكر، وأغلقت الحدود وفرضت عمليات الإغلاق وحظر التجول عندما تم الكشف عن عدد قليل من الحالات.

وكانت هذه الإجراءات صعبة التطبيق في الأحياء الفقيرة والمكتظة بالسكان، حيث تزدحم المنازل ويمتهن معظم سكانها وظائف غير رسمية، ما يجعل خيار البقاء في المنزل مستحيلاً.

وحذّر مويتي من منظمة الصحة العالمية من أنه "من السابق لأوانه تحديد" ما إذا كانت إجراءات مكافحة فيروس كورونا تبطئ الوباء في أفريقيا.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، إن هناك "أدلة كافية" تظهر أن الإغلاق على مستوى البلاد "كان ناجحاً".

وأوضح رامافوسا الخميس الماضي مع إعلانه تمديد الإغلاق البالغ 21 يوماً أنه "قبل أسبوعين من الإغلاق كان متوسط الزيادة اليومية في الحالات الجديدة حوالي 42 بالمئة، ومنذ بدء الإغلاق بلغ متوسط الزيادة اليومية حوالي 4 بالمئة".

لكن الوقت الذي كسبته الحكومات الإفريقية يمكن أن يذهبه نقص الوسائل أدراج الرياح، حيث قالت منظمة الصحة العالمية في بيان إنّ "هناك نقص حاد في مرافق العلاج لحالات كوفيد-19 الحرجة".

وبحسب المنظمة يوجد بالكاد خمسة أسرّة للعناية المركزة لكل مليون شخص في أفريقيا، مقارنة بـ4 آلاف سرير في أوروبا، ولا يوجد في المستشفيات العامة سوى ألفي جهاز تنفس طبي لخدمة القارة بأكملها، وليس بمقدور أحد التنبؤ بشأن نسب الإصابات التي يمكن أن يصل إليها الفيروس في أفريقيا.

أكّدت منظمة الصحة العالمية أن 31 دولة في القارة لديها أقل من 100 حالة مؤكدة، مشيرة إلى أن "الاحتواء ممكن"، لكنّ التهديد لا يزال قائماً، في حين قال مويتي من المنظمة إنّ وباء "كوفيد 19 لديه القدرة على التسبب في آلاف الوفيات.. وإحداث دمار اقتصادي واجتماعي".

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.