التونسيون يواجهون "كورونا": سخرية سوداء أشبه بالبكاء!
ما إن أعلن وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي، عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا لدى شخص أربعيني عائد من إيطاليا، حتى أغرق التونسيون مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" بتدوينات ساخرة، ونكتٍ مضحكةٍ وكأنها ردة فعل عكسية لما يجب أن يكون.
"اضحك كلما استطعت، فهذا دواء رخيص".. ربما بهذه الوصفة أراد التونسيون معالجة حالة الذعر والخوف التي انتابتهم بمجرد الإعلان عن اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس "كورونا" في تونس، ووضع العشرات في الحجر الصحي.
فما إن أعلن وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي، الإثنين الماضي، في مؤتمرٍ صحفي، عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا لدى شخص أربعيني عائد من إيطاليا، حتى أغرق التونسيون مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "الفايسبوك" بتدوينات ساخرة، ونكتٍ مضحكةٍ وكأنها ردة فعل عكسية لما يجب أن يكون.
تعليقات ساخرة
وبقدر ما أثار الخبر الذعر في صفوف التونسيين الذين تهافت عددٌ منهم على "السوبر ماركت" لشراء المؤنة ومواد التنظيف، وما قابلها من ارتفاع في أسعار الكمامات ومواد التعقيم حد اختفائها من الصيدليات، بقدر ما طغت على مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات الساخرة، وانتشرت الفيديوهات المضحكة.
"لقد أتت"، بهذه العبارة استهل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس تعليقاتهم على تسجيل أول حالة إصابة بـ"كورونا" في البلاد، وهو تعبير كانوا أطلقوه سابقاً عند تسلم رئيس الجمهورية قيس سعيد، مهامه في قصر قرطاج، وكذلك الشأن عندما منح البرلمان الثقة لحكومة الفخفاخ، بعد مخاض عسير.
ولأنّ رواد التواصل الاجتماعي أطلقوا عبارة "لقد أتت" عند تولي قيس سعيد رئاسة الجمهورية، ثم بعد ذلك عند تنصيب حكومة جديدة، فقد فهمت العبارة آنذاك على أنها ردة فعل طبيعية لمدى صبرهم أمام طول المسار الانتخابي، وطول مسار تشكيل الحكومة وما طغى على هذين المسارين من مصاعب وخلافات ومشاكل أرقتهم، وكأنهم من ورائها أرادوا أن يقولوا "وأخيراً تنفسنا الصعداء".
أمّا أن يتم اعتماد نفس العبارة عند سماع خبر غير سار وهو دخول فيروس كورونا إلى تونس، فقد طرح ذلك تساؤلاً كبيراً حتى على صفحات التواصل الاجتماعي: ألهذه الدرجة كان التونسيون ينتظرون على أحر من الجمر "مصيبة" تضاف إلى "المصائب" الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية التي يتخبطون فيها؟
علماً أن عبارة "لقد أتت" جاءت للسخرية من استعمال رئيس الجمهورية قيس سعيد،" المفرط للعربية الفصحى.
رواد التواصل الاجتماعي سخروا أيضاً من "الرقم الأخضر" الذي وضعته وزارة الصحة للإبلاغ عن حالات الاشتباه في الإصابة بـ "كورونا" وهو 80101919، واعتبروا أنه رقم طويل لن تكمل كتابته حتى تأتيك المنية، وهكذا كان تعليقهم: "الرقم الأخضر متاع وزارة الصحة المخصص للكورونا 80101919 ما كتبت انت النومرو الا ربي هز أمانتو".
ومن النُكت التي تعترضك عند تصفحك للفايسبوك: "إيطاليا أمامنا والجزائر وراءنا فأين المفر وعلى دلعونا على دلعونا رتحنا من داعش جاتنا الكورونا" وأيضاً "عطست قدام الوالد على الصباح...قالي عطسة أخرى نكلملك الحاكم" وكذلك "كورونا جات لتونس طاح قدرهاـ، في إشارة إلى تعرض سيارة إسعاف كانت تقل تحاليل لمشتبهين فيهم بفيروس "كورونا" لحادث سير.
ولم تخل التعليقات من السخرية أيضاً على المسؤولين وكيف كان تعاملهم مع الفيروس، فقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمعتمد محافظة قفصة الجنوبية، الذي وضع في الحجر الصحي الذاتي بعد قيامه بزيارة لمواطن مصاب بـ "كورونا" والقيام بتقبيله والجلوس معه، واصفين تصرفاته بـ "الشعبوية"، وتعالت سخرياتهم أكثر عند اتخاذه قرار تطهير المقهى بعد فترة من زيارة المصاب له حتى لا تنتشر العدوى بين أصدقائه.
رواد التواصل الاجتماعي تناقلوا أيضاً صوراً للفريق الطبي الذي توجه لعائلة المصاب بقصد القيام بالتحاليل اللازمة وكيف تم استقبالهم من طرف العائلة وقيامها بواجب الضيافة عبر طهي الشاي وتقديمه لهم: "الفريق الطبي مشى يعمل في تحاليل على الكورونا فرحو بيهم طيبولهم التاي."
سخرية سوداء
وتحدث في هذا السياق المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه، في تصريح لـ"الميادين نت"، عن ظاهرة لجوء الأشخاص إلى السخرية في مثل هذه المواقف كانتشار فيروس كورونا، معتبراً أنها "سخرية سوداء أشبه بالبكاء وليست لغاية الضحك في حد ذاته".
وأضاف الفقيه أن "هناك ذكاء اجتماعي، يغلب الخطاب الساخر على الخطاب العقلاني لتجاوز الواقع ولتجنب الاكتئاب لأنه لن يحل المشكل".
وأشار إلى أنه انطلاقاً من معرفته بالخطاب المواجه للأزمات فإن "هناك مناطق في تونس اشتهرت بتعاملها الساخر مع كل الوضعيات على غرار الجنوب الغربي للبلاد التونسية" التي وصفها بـ"المبدعة في تغيير الأزمات إلى هزل وسخرية".
ووفق الفقيه، فإنه بقدر ما تقل الإمكانيات المادية والرفاهة الاجتماعية، بقدر ما يزداد الجانب الساخر، باعتبار أنه "لا مخرج لهم من هذه الأزمات سوى السخرية والتقليل من شأن الأزمة".