"نزع الدولرة" عن الاقتصاد العالمي.. كيف ستستجيب الولايات المتحدة؟

قراءة متفحصة للتاريخ، تفيد بأنّه من النادر للغاية أن يتمّ انتقال القوة الاقتصادية العالمية من دون حربٍ كبرى، فكيف ستستجيب الولايات المتحدة للمحاولات المتسارعة لنزع هيمنة عملتها عالمياً؟

  • عملية نزع الدولرة عن الاقتصاد العالمي تسارعت بعد انضمام عدة دول إلى مسارات التبادل التجاري بالعمليات المحلية.
    عملية نزع الدولرة عن الاقتصاد العالمي تسارعت بعد انضمام عدة دول إلى مسارات التبادل التجاري بالعمليات المحلية.

ذكر موقع "Responsible Statecraft"، التابع لمعهد "كوينسي للدراسات" الأميركي، الأربعاء، في مقالٍ نشره تحت عنوان "نزع الدولرة: لا يتعلّق الأمر بما إذا، ولكن متى؟"، أنّ استجابة الولايات المتحدة لمحاولات الدول تقويض هيمنتها الاقتصادية، ربما قد تكون منطلقةً من اعتبارها تهديداً لأمنها القومي.

وكتب المقال فرانك جيسترا، رجل الأعمال الكندي، وصاحب أعمال خيرية عالمي، والرئيس التنفيذي لمجموعة شركات "Fiore"، والرئيس المشارك لمجموعة الأزمات الدولية.

وأشار الموقع إلى فقدان الهيمنة الأميركية قبضتها، حيث يبحث أصدقاء وأعداء واشنطن عن بدائل للدولار الأميركي، وسط العقوبات العالمية، وتحالفات الجنوب العالمي الجديدة.

وتكمن قوة الولايات المتحدة الحقيقية، وفق الموقع، في قيمة ومكانة عملتها، إضافةً إلى امتلاكها "جيشاً قوياً". ومع اعتبار الدولار الأميركي وقبوله كعملةٍ احتياطية عالمية، تتمتع الولايات المتحدة بامتياز التحكّم في النظام المالي العالمي، وفي إدارة العجز الفيدرالي من دون الحاجة إلى القلق بشأن العواقب، وفي طباعة تريليونات الدولارات من فراغ.

اقرأ أيضاً: عملات جديدة وتجارة متحررة من الدولار.. هل اقتربت هيمنة الدولار من نهايتها؟

الآثار على الداخل الأميركي.. والسخط من واشنطن يتحوّل إلى فرصة

تُبنى الأنظمة المالية على الثقة، وإذا تمّ تسليحها، في إشارة إلى استخدام الولايات المتحدة سلاح العقوبات ضمن تثبيت الهيمنة، فإنّها تفقد الثقة اللازمة للاحتفاظ بهيمنتها، وفق الموقع، الذي طرح سؤالاً حاسماً لم تتم الإجابة عليه، وهو "كيف ستستجيب الولايات المتحدة لتحركات نزع الدولار"؟

قد تكون لأي انخفاضٍ مفاجئ في الطلب على الدولار الأميركي عواقب وخيمة على الأميركيين، وقد يؤدي ذلك إلى تضخمٍ مرتفع للغاية وأكبر من قدرة الاقتصاد الأميركي على التحمل، وبدء دورة طباعة الأموال، لتغطية الديون، بما يمكن أن يمزّق النسيج الاجتماعي للمجتمع الأميركي.

وذكر الموقع، أنه عندما بدأت الحرب في أوكرانيا، تغيّر كل شيء، إذ لم تفرض الولايات المتحدة ودول حلف "الناتو" عقوبات على روسيا فحسب، بل جمّدت أيضاً احتياطياتها من الدولار الأميركي، ومنعتها من نظام تحويل الدولار "SWIFT".

وقد لاحظت الصين ذلك، وشجّعت معها الكثير من دول العالم على الحذو حذوها، ليبدأ السباق في إيجاد بدائل. وبينما كان الغرب منهمكاً في مواجهة روسيا في أوكرانيا، استهانت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بالرد العالمي على سلاسل العقوبات التي أقرتها، يضيف الموقع.

اقرأ أيضاً: التخلص من الدولرة بات حقيقة.. كيف وصلت السوق العالمية إلى ذلك؟

ويلفت إلى أن دول "البريكس"، وكثير من دول الجنوب، كانت مترددة في قطع العلاقات مع روسيا لعدة أسباب، أبرزها الحاجة إلى النفط والغذاء والأسمدة والمعدات العسكرية الروسية، وحتى حاجة كثير من الدول لحضور روسي وتوازنات تحقّقها موسكو وحدها.

وإضافة إلى ذلك، فإن الكثير  من دول الجنوب، ينتابهم "استياءٌ طويل الأمد" تجاه "النظام العالمي القائم على القواعد الغربية"، والذي يعتبرونه "منافقاً ومزدوج المعايير". كما أن تجميد احتياطيات الدولار الروسي واستبعادها من نظام "SWIFT"، وضع البلدان أمام فرضية أنّها قد تكون التالية.

"نزع الدولرة" تهديد لأمن الولايات المتحدة القومي

إنّ أي إدارة أميركية، يورد الموقع، ستعتبر أنّ التحركات لنزع الدولرة، "هي مسائل تتعلق بالأمن القومي"، وقد أثبت التاريخ أنّه من النادر للغاية، أن يتم انتقال القوة الاقتصادية العالمية من جهة إلى أخرى، "من دون حربٍ كبرى".

ويعقّب الموقع: "برغم المعارضة المحتملة لواشنطن، ستستمر عملية نزع الدولرة، لأنّ معظم الدول غير الغربية تريد نظاماً تجارياً لا يعرّضها لسلاح الدولار أو الهيمنة".

وأوضح الموقع، أنّ النظام النقدي متعدد الأقطاب، قد يوفّر "ساحة لعب أكثر إنصافاً للدول الفقيرة"، وربما يمنح الولايات المتحدة والعالم "استقراراً اقتصادياً وسياسياً على المدى الطويل"، لكنّه أشار إلى أنّ النتيجة المحتملة لهذا الأمر ستظلّ "فوضويةً تماماً وتنطوي على انخفاضٍ في مستوى معيشة الأميركيين".

يبدو هذا المسار حتمياً، وفق "Responsible Statecraft"، الذي ختم بالقول: "يُعتبر مثل هذا الخيار أفضل من الاضطراب الحتمي للسيناريوهات الأكثر تطرّفاً التي شهدناها عبر التاريخ".

اقرأ أيضاً: "غلوبال تايمز": "نزع سلاح الدولار" أكثر إلحاحاً من "نزع الدولرة"

اخترنا لك