الكمأة في شرق سوريا.. موسم للتجارة والموت والبحث عن الأرزاق
موسم الكمأة في سوريا الذي كان يعد مصدر خير لعوائل عديدة وخصوصاً الفقيرة منها نظراً لارتفاع أسعاره صار موسماً لحصاد الأرواح في عدد من المحافظات السورية بسبب الألغام أو هجمات "داعش" على المدنيين الذين يعملون بجمع الكمأة.
تحوّل موسم جمع الكمأة في سوريا، إلى موسم لحصاد الأرواح في عدد من المحافظات السورية، بعد تسجيل سقوط عدد غير قليل من القتلى للعام السادس على التوالي، نتيجة انفجار ألغام أو هجمات من خلايا تنظيم "داعش" على تجمعات المدنيين الذين يعلمون بجمع الكمأة بحثاً عن قوتهم اليومي.
وقُتِلَ العشرات من المدنيين وأصيب آخرون، في عدة انفجارات للألغام وهجمات لخلايا تنظيم "داعش" في كل من محافظات دير الزور والرقة وحمص وحماة، منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن، وهو ما جعل من موسم الكمأة موسماً مغمّساً بالدم.
وتعدّ مادة الكمأة من أكثر المواد التي تباع بأسعارٍ مرتفعة قياساً بالواقع الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، إذ يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد بين 100 إلى 300 ألف ليرة سورية، بحسب نوع الكمأة وجودتها، ويتجاوز الـ500 ألف ليرة سورية في بداية موسمه، وهو ما يجعل من الكثير من العوائل السورية تخاطر بحياتها، بحثاً للحصول على بضع كيلو غرامات من المادة، لبيعها والاستفادة من سعرها، لتأمين احتياجاتهم اليومية.
وكانت عملية جمع الكمأة، في مرحلة ما قبل العام 2011، أشبه بالنزهة أو رحلة الصيد التي يقوم فيها العديد من الأشخاص بالتوجّه، للمناطق الصحراوية، للبحث عن فطر الكمأة واستخراجها، لاقتنائها في المنزل، أو بغرض بيعها، والاستفادة من ثمنها لتحقيق أرباح مالية، إلّا أنّ هذا الحال تغير مع انطلاق الحرب على سوريا وظهور التنظيمات الإرهابية.
ويطلق العديد من سكان المناطق الريفية القريبة من البادية، على الأرض التي تنتج الكمأة، مصطلح " أرض الخير"، لكونها تعطيهم موسماً، دون الحاجة لامتلاك أرض أو زراعة بذار وسقايتها، إنما الاكتفاء بالرعد والبرق في شهري تشرين الأول/ أكتوبر والثاني/ نوفمبر، لضمان موسم وافر من الكمأة، لذلك سميت الكمأة باسم " بنت الرعد".
أخطر المهن
ويقول أبو محمد، أحد جامعي الكمأة في دير الزور، لـ"الميادين نت"، أنه " يعمل بجمع الكمأة منذ أكثر من 35 عاماً، مع الشعور بلذّة خاصة خلال عمليات البحث واستخراج هذا الفطر"، مستدركاً بأنّ "هذا الحال تغيير في السنوات الأخيرة، وجعل من الموسم رحلة محفوفة بالمخاطر".
ويضيف أنّ " الدخول إلى ما كانت تسمى سابقاً أرض الخير، لم يعد مضمون الخروج حياً، في ظل مخاطر الهجمات والألغام، ولتصبح هذه الأرض أرضاً للموت والدم، والمهنة من أخطر المهن"، مبيّناً أنّ "الوضع الاقتصادي المتردي، والحاجة لاقتناء المال، في ظل مصاعب الحياة، دفعه مع الكثير من رفاقه إلى المغامرة بشكل شبه يومي للحصول على ما تيسر من رزقٍ، وبيعه، وشراء حاجاتهم من السوق".
فيما لا تكترث أم إبراهيم، لكل هذه المخاطر، مؤكّدةً أنه "لا يموت أحد إلا في ساعته وأجله، فمن لم يمت في جمع الكمأة مات بغيرها"، وتشير إلى أنها " تنتظر مع بناتها سنوياً هذا الموسم، لتجميع ما أمكن من المال، لسداد الديون، أو الاحتفاظ بمبلغ يعينهم على بقية أشهر السنة".
ولفتت إلى أنّ "الكثير من العوائل يعيشون على المواسم الزراعية كالكمأة والكمون والقمح والشعير، أو زراعة وقطاف القطن، وأنّ أفضل المواسم اقتصادياً هو موسم الكمأة".
موسم تجاري
وعادةً ما تؤسس أسواق وبازارات لبيع الكمأة في العديد من المحافظات، في أشهر شباط/فبراير وآذار/مارس ونيسان/أبريل، كما هو الحال في محافظة الحسكة، التي يتجمع فيه العديد من التجار من عدة محافظات، لشراء كميات بالأطنان، لتجهيزها وشحنها إلى محافظات الداخل السوري، أو إلى تركيا والعراق، عبر معبر سيمالكا الحدودي غير الشرعي بين مناطق سيطرة "قسد" وإقليم كردستان العراق.
أحد التجار القدامى في هذا السوق، أبو بشار، يقول: "يتقاطر العديد من سكان القرى والأرياف في محافظة الحسكة إلى هذا السوق، لبيع ما جنوه من المادة، لنقوم بتجميعه في نهاية اليوم، وبيعه بمزاد للتجار"، مشيراً إلى أنّ " بيع الكمأة هو موسم تجاري مهم للكثير من العوائل للحصول على مبالغ تساعدهم على مصاعب الحياة".
ويؤكّد أنّ "الكمأة تنشّط الحركة التجارية في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، من خلال تصديرها من الحسكة إلى المحافظات الداخلية والساحل، أو باتجاه تركيا والعراق"، كشافاً أنّ "سبب الإقبال على الكمأة هو مذاقها اللذيذ، ولكونها تعد من المواد التي تعدّ شفاءً للمرضى، وتحمل بروتينات صحية بعيداً عن اللحوم".
فيما يؤكد أبو عبدو - تاجر من بلدة السفيرة بريف حلب، أنه "يحضر بشكل سنوي إلى محافظة الحسكة، للحصول على مادة الكمأة وشحنها باتجاه محافظة حلب والمحافظات الأخرى"، مشيراً إلى أنّ "هذه التجارة تحقّق أرباحاً سنوية جيدة للعمال والتجار، ما جعل منها موسماً تجارياً سنوياً مهماً للجميع".
وقال إنّ "الموسم الفائت هو الموسم الأفضل منذ سنوات طويلة، وذلك بعد استخراج أطنان من المادة وبيعها في الأسواق الداخلية والخارجية"، موضحاً أنّ "الموسم الحالي أيضاً جيد، ويعوّل عليه بالحصول على أرباح جيدة، وهذا من حظ الفقير بالدرجة الأولى، لكون غالبية من يستخرجها من الفقراء أو معدمي الحال".