"أوروبا تخلفت عن الركب" في عدة مجالات لمصلحة واشنطن.. ما علاقة أوكرانيا؟
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تنشر أرقاماً مروّعة توضح كيف تراجعت أوروبا وراء الولايات المتحدة خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أنّ الفجوة آخذة في الاتساع.
-
الاتحاد الأوروبي لا يستطيع منافسة الولايات المتحدة
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريراً تحدّثت فيه عن تراجع نمو الاقتصاد الأوروبي في عدة مجالات لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في الأعوام الأخيرة، والحرب في أوكرانيا.
وأكدت الصحيفة البريطانية، أنّ الاتحاد الأوروبي لم يعد باستطاعته منافسة الولايات المتحدة في التكنولوجيا والطاقة وصولاً إلى أسواق رأس المال والجامعات.
وتشير الصحيفة إلى أنّ حرب أوكرانيا أحيت التحالف عبر الأطلسي. لكن العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين غير متوازنة بشكلٍ متزايد. فالاقتصاد الأميركي أصبح الآن أكثر ثراءً وديناميكية من الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا - والفجوة آخذة في الاتساع. وأنّه سيكون لذلك تأثير يتجاوز مستويات المعيشة النسبية.
وأكّدت الصحيفة أنّ اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في التكنولوجيا والطاقة ورأس المال والحماية العسكرية يقوّض بشكلٍ مطرد أيّ تطلعات قد تكون لدى الاتحاد الأوروبي بشأن "الحكم الذاتي الاستراتيجي".
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي: سياسات واشنطن الاقتصادية تضرّ أوروبا وتفكّك سوقها
ففي عام 2008، كانت اقتصادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالحجم نفسه تقريباً. ولكن منذ الأزمة المالية العالمية، تباينت حظوظهما الاقتصادية بشكلٍ كبير.
ويشير جيريمي شابيرو وجانا بوجليرين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أنّه "في عام 2008 كان اقتصاد الاتحاد الأوروبي أكبر إلى حدٍ ما من اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية: 16.2 تريليون دولار مقابل 14.7 تريليون دولار".
وبحلول عام 2022، نما الاقتصاد الأميركي إلى 25 تريليون دولار، بينما وصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معاً إلى 19.8 تريليون دولار فقط. فالاقتصاد الأميركي الآن أكبر بمقدار الثلث تقريباً. إنه أكبر بأكثر من 50% من الاتحاد الأوروبي من دون المملكة المتحدة.
وبيّنت الصحيفة أنّ الأرقام الإجمالية مروّعة، وما يدعمها هو صورة أوروبا التي تخلّفت عن الركب - قطاعاً بعد قطاع.
المشهد التكنولوجي
تهيمن الشركات الأميركية مثل أمازون ومايكروسوفت وآبل على المشهد التكنولوجي الأوروبي. أكبر 7 شركات تقنية في العالم، من حيث القيمة السوقية، كلها أميركية.
وهناك شركتان أوروبيتان فقط في قائمة أفضل 20 شركة.. في حين أنّ الصين طوّرت عمالقة تكنولوجيا محليين خاصةً بها... ومن المرجح أيضاً أن تهيمن الشركات الأميركية والصينية على تطوير الذكاء الاصطناعي.
الجامعات الرائدة التي تغذي خط أنابيب الشركات التكنولوجية الناشئة في الولايات المتحدة تفتقر إلى الاتحاد الأوروبي. يوجد في كل من تصنيفات شنغهاي وأفضل جامعات العالم مؤسسة واحدة فقط من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في المراكز الثلاثين الأولى.
أشباه الموصلات
في عام 1990، صنعت أوروبا 44% من أشباه الموصلات في العالم. هذا الرقم هو الآن 9%، مقابل 12% لأميركا. يسارع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى بناء قدراتهما.
ولكن بينما من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة بدء تشغيل 14 مصنعاً جديداً لأشباه الموصلات بحلول عام 2025، فإنّ أوروبا والشرق الأوسط سيضيفان 10 فقط - مقارنةً بـ 43 منشأة جديدة في الصين وتايوان.
اقرأ أيضاً: قانون التضخم الأميركي.. لماذا تنظر إليه أوروبا بعدائية؟
رأس المال الخاص
يتوفر رأس المال الخاص أيضاً بسهولة أكبر في الولايات المتحدة. يقول بول أخلايتنر، رئيس المجلس الاستشاري العالمي في دويتشه بنك، إن أوروبا أصبحت الآن "تعتمد بالكامل تقريباً على أسواق رأس المال الأميركية"، مضيفاً: "إذا كنت ترغب في إنجاز أي شيء كبير - سواء كان ذلك استحواذاً أو اكتتاباً أولياً - فستعود دائماً إلى المستثمرين الأميركيين".
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي: سياسات واشنطن الاقتصادية تضرّ أوروبا وتفكّك سوقها
الطاقة
على عكس أوروبا، تمتلك الولايات المتحدة أيضاً إمدادات محلية وفيرة ورخيصة من الطاقة. ثورة النفط الصخري تعني أنّ أميركا الآن هي أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. في غضون ذلك، ارتفعت أسعار الطاقة في أوروبا.
وتعني حرب أوكرانيا وفقدان الغاز الروسي الرخيص أنّ الصناعة الأوروبية تدفع عادةً ثلاثة أو أربعة أضعاف ما يدفعه منافسوها الأميركيون مقابل الطاقة. يقول الرؤساء الأوروبيون المتشائمون إن هذا يؤدي بالفعل إلى إغلاق المصانع في أوروبا.
أوروبا تتفوق في صناعات "نمط الحياة"
وتطرّقت الصحيفة للمجالات التي تحتل فيها أوروبا مكانة رائدة على مستوى العالم، مبينةً أنّ البعض يشير بفخر إلى حقيقة أن حجم السوق الموحّدة للاتحاد الأوروبي يعني أنه يتعيّن على الشركات في جميع أنحاء العالم اعتماد اللوائح الأوروبية - ما يسمى بـ " تأثير بروكسل". لكن من الواضح أنّه سيكون من الأفضل قيادة العالم في تكوين الثروة بدلاً من تنظيمها.
ويتفوّق أداء أوروبا في صناعات "نمط الحياة". ما يقرب من ثلثي السياح الوافدين في العالم يتجهون إلى أوروبا. تهيمن الشركات الأوروبية على سوق السلع الفاخرة. كما تهيمن الفرق الأوروبية على كرة القدم، على الرغم من أنّ العديد من أكبر الأندية مملوكة الآن من قبل مستثمرين من الشرق الأوسط أو أميركا أو آسيا.
تؤكد هيمنة أوروبا على صناعات "نمط الحياة" على أنّ الحياة في القارة القديمة لا تزال جذابة للكثيرين. لكن ربما هذا جزء من المشكلة. من دون شعور أكبر بالتهديد، قد لا تستجمع أوروبا أبداً الإرادة لعكس اتجاه تراجعها الذي لا يرحم في القوة والنفوذ والثروة.
اقرأ أيضاً: لماذا فشلت أوروبا في بناء استراتيجيتها الأمنية بعيداً عن واشنطن؟
لمحة عن كيف أنعشت الحرب في أوكرانيا صناعة الأسلحة الأميركية؟
العام الماضي، كشفت صحيفة "بوليتيكو" أنّ القطاع الصناعي العسكري الأوروبي غير مجهّز لمجاراة التحديّات الحالية، بحيث يعاني القطاع العسكري الأوروبي عدمَ وجود ما يكفي من الرصاص والأسلحة وأنظمة التكنولوجيا الفائقة في أوروبا من أجل تلبية مطالب الاتحاد الأوروبي.
مشكلة الصناعة الدفاعية في أوروبا تأتي في الوقت الذي تستغل واشنطن الحرب الأوكرانية في زيادة إيراداتها من صناعاتها العسكرية، حيث أبلغت كبرى شركات الدفاع الأميركية عن قفزات قياسية، مع استمرار الحرب في أوكرانيا في تأجيج زيادة هائلة في الطلب على الأسلحة.
وسبق أن هاجم مسؤولون في الاتحاد الأوروبي الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب ارتفاع أسعار الغاز ومبيعات الأسلحة والتجارة، مشيرين إلى أنّ الحرب الأوكرانية تُهدد بتدمير الوحدة الغربية.
وأوضحت "بوليتيكو" أنّ كبار المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالغضب من إدارة بايدن، ويتهمون الأميركيين الآن بجني ثروة من الحرب، فيما دول الاتحاد الأوروبي ما زالت تُعاني".
وحينها قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي للصحيفة إنّ "الدولة الأكثر ربحاً من هذه الحرب هي الولايات المتحدة؛ لأنّها تبيع المزيد من الغاز وبأسعارٍ أعلى، وكذلك تبيع المزيد من الأسلحة".
وسبق أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً عن ازدياد الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما في مجال الدفاع والحرب، في مقابل مخططات أوروبية سابقة لبناء قوة دفاعية خاصة بها.
وبيّنت الصحيفة حينها أنّه على الرغم من توقعات سابقة، مفادها بأنّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ستُجبر أوروبا على تعزيز قوتها العسكرية، فإنّ ما حدث فعلاً كان معاكساً، إذ تعزّز اعتمادها على القيادة والاستخبارات والقوة الأميركية.