التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

تظهر "خطة الإنعاش" الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي حجم الأزمة التي تشهدها هذه الدول. ويبدو أن التعافي الاقتصادي يحتاج إلى سنوات، وهو محفوف بمخاطر عديدة، ولا سيما أنه يستنزف الاحتياطات النقدية في بروكسل وواشنطن.

  • التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
    الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي تفتح احتمالات واسعة على مستقبلٍ متوتر

يعيش العالم منذ أكثر من عام تبعات كورونا في مجالات متعددة، وأبرزها المجال الاقتصادي، نتيجة الإغلاق وتوقف بعض قطاعات الإنتاج عن العمل. ظهر ذلك بشكل ملموس في الأزمة الاقتصادية التي شهدتها دول العالم، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لكونهما الأكثر تضرراً من الجائحة، ولتموضعهما المهم في الاقتصاد العالمي.

كان وقع الجائحة على اقتصادهما مدمراً في مجالات عديدة. وقد ترك بصماته في عدة قطاعات أثرت في النمو الاقتصادي بشكلٍ عام، وأعاقت أي تقدم أو خطط موضوعة للمرحلة المقبلة، فإلى أي حد كانت الأزمة الحالية مختلفة عن سابقاتها؟ وما هي آثارها؟ وكيف تحركت هذه الدول للخروج منها؟ 

التداعيات الاقتصادية لكورونا على الاتحاد الأوروبي

"تعتبر الصدمات التي خلفتها أزمتا 2008 و2009 الاقتصاديتان صغيرة مقارنة بما نشهده اليوم. لم نر شيئاً مشابهاً لما يحدث إلا في أوقات الحروب". هذا ما قاله شاهين فالي من كلية لندن للاقتصاد، خلال حديثه عن التأثيرات الاقتصادية لجائحة كورونا في دول الاتحاد الأوروبي.

كلام فالي عبر عن واقعٍ مضطرب يعيشه الاتحاد الأوروبي، وهو ما عززته تحذيرات المفوضية الأوروبية من أن "الآثار الاقتصادية لوباء كورونا ستكون مدمرة بالنسبة إلى منطقة اليورو".

وفي إحدى آخر دراساته، أكد الاتحاد الأوروبي أن أوروبا ما تزال في قبضة جائحة كورونا، إذ أدى ظهور طفرات جديدة أكثر عدوى إلى إجبار العديد من الدول الأعضاء على إعادة تطبيق تدابير الاحتواء أو تشديدها، مع الإبقاء على نوع من "التفاؤل الحذر" مع بدء برامج التلقيح، في حين أظهرت دراسة لمجموعة "أليانز للتأمين وأويلر هيرميس" أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي معرض لضربة محتملة في العام 2021، تكلفه 90 مليار يورو (108.19 مليار دولار) ما لم يجارِ وتيرة التطعيمات الواقية من كوفيد-19 في مناطق أخرى، قائلةً إن "اليورو الواحد الذي يُنفق على تسريع التطعيمات قد يجنب (الاتحاد) أربعة أمثاله من الخسائر".

وكان الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي سجل أسوأ انخفاض على الإطلاق في الربع الثاني من العام 2020، بعدما ضربت الجائحة معدلات النمو، إذ انكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.9%، وفقاً لتقدير أولي نشره مكتب إحصائيات الاتحاد الأوروبي "يوروستات" حينها، وهو أسوأ انكماش منذ أن بدأت السجلات في العام 1995، وذلك بعد تأسيس الاتحاد الأوروبي في العام 1993، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 4.3٪ خلال فترة الركود الكبير، وتحديداً بين العامين 2008 و2009.

أمام هذا الواقع، تظهر "خطة الإنعاش" الأوروبية لاقتصادات دول الاتحاد حجم الأزمة الاقتصادية، إذ وافق أعضاء البرلمان الأوروبي في شباط/فبراير 2021 على ما سمي بـ"خطة المرونة والتعافي" للتكتل، ما يمهد الطريق للدول الأعضاء للوصول إلى حوالى 750 مليار يورو (حوالى 850 مليار دولار) في صورة قروض ومنح، للتغلب على الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا. وسيتم توزيع المنح التي تبلغ قيمتها حوالى 300 مليار يورو للإنفاق على الاستثمارات والإصلاحات الخاصة بتحفيز اقتصاد الدول.

تأثيرات كورونا في الاقتصاد الأميركي

في أول تصريحاته بعد دخوله البيت الأبيض، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن ما تمر به بلاده بـ"أسوأ أزمة اقتصادية معاصرة بسبب وباء كورونا". سبق ذلك بأشهر تصريحات لمكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي، أكد فيها أن "تداعيات تفشي الوباء على الاقتصاد الأميركي قد تستمر لنحو 10 سنوات". 

وكان الاقتصاد الأميركي دخل رسمياً مرحلة الركود في تموز/يوليو 2020، مع تسجيل انكماش بنسبة 32.9% على أساس سنوي في الربع الثاني لذلك العام، وهو ثاني انكماش فصلي على التوالي. وذهب بعض الخبراء إلى وصف الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد بأنها "الانهيار الاقتصادي الأكبر" في تاريخها.

التأثير الأكبر لجائحة كورونا على الولايات المتحدة ظهر في نسبة البطالة التي ارتفعت بشكلٍ كبير. ومقارنة مع أزمة العام 2008، يظهر مسح لوكالة "الأناضول"، استناداً إلى بيانات وزارة العمل الأميركية، أن أعلى معدل لطلبات إعانة البطالة الجديدة في السوق الأميركية خلال الأزمة المالية العالمية سجل في 19 شباط/فبراير 2009، بـ667 ألف طلب جديد، إلا أن هذا الرقم يعتبر أقل بـ10 مرات من أعلى رقم سجلته السوق الأميركية لمعدل طلبات الإعانة في نهاية آذار/مارس الماضي، والبالغ 6.86 ملايين طلب إعانة جديد، وهو الأكبر في تاريخ البلاد.

وبلغ معدل البطالة ذروته بنسبة 14.7% في نيسان/أبريل، مع وصول عدد العاطلين من العمل 23.1 مليون شخص، وهو أعلى زيادة في تاريخ تسجيل البيانات (منذ العام 1948)، في ظل قيود شلت أكبر اقتصاد في العالم إبان الموجة الأولى من تفشي الفيروس، بعد أن انتهى العام 2019 بتسجيل الولايات المتحدة إحدى أقل نسب البطالة منذ عقود بـ3.5%.

ونتيجة لتوزيع حزم من مدفوعات الإعانة المباشرة على الأفراد جرّاء تضررهم بفعل الفيروس، ومن ضمنها إعانات البطالة، قالت وزارة الخزانة الأميركية مطلع شهر شباط/فبراير إن الحكومة الأميركية سجلت عجزاً في الميزانية بلغ 163 مليار دولار في كانون الثاني/يناير الماضي، وهو مستوى مرتفع وغير مسبوق على أساس شهري، وبقفزة 130 مليار دولار مقارنة بالعجز المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي (كان 33 مليار دولار). أما الدين العام، فقد سجل في كانون الثاني/يناير 2021 حوالى 27.78 تريليون دولار، بزيادة 4.56 تريليون عن العام السابق، عندما كان حوالى 23.2 تريليون دولار.

كما أن خطة "الإنعاش الاقتصادي" التي أعلن عنها بايدن تظهر في جوانبها حجم الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الأميركي، ولا سيما أن المبلغ الذي ينتظر تصويت الكونغرس عليه، والخاص بالخطة، يبلغ 1900 مليار دولار.

التحدي الاقتصادي الأكبر

أعطى إنتاج اللقاحات وبدء توزيعها بعض الآمال في التعافي الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وقد ظهر ذلك في التحسن البسيط الذي طرأ على اقتصادهما، إلا أن تبعات جائحة كورونا ما تزال في مراحلها الأولى، فالتعافي الاقتصادي الكامل يحتاج إلى سنوات، وهو محفوف بمخاطر عديدة، ولا سيما أنه يستنزف الاحتياطات النقدية في بروكسل وواشنطن.

كما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يخرجا بشكل كامل من تبعات الأزمة الاقتصادية بين العامين 2008 و2009، وبالتالي، ستكون نتائج جائحة كورونا أشد تأثيراً، وستحتاج مدة معالجتها إلى فترة أطول. وأمام التحديات الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا، على الدول مراجعة خططها الاقتصادية والنهج الاقتصادي الذي سارت عليها سابقاً وأوصلها إلى ما يشبه الكارثة، بسبب عدم قدرتها على مواجهة تأثيرات الجائحة أو التخفيف من وطأتها. 

كما أن تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج ليس مستبعداً، وهذا ما يثبته التاريخ. على سبيل المثال، إن أحد أسباب الحرب العالمية الثانية يعود إلى الكساد الذي ضرب العالم أواخر عشرينيات القرن الماضي، والضرر الذي لحق باقتصاد معظم الدول التي سعت إلى البحث عن موارد خارج حدودها. وهنا، نتحدث عن أكبر اقتصادات العالم، أي دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالتالي، يبقى هذا الأمر غير مستبعد في السنوات المقبلة، بما أن الأزمات السياسية الدولية والحروب لا يمكن فصلها عن البعد الاقتصادي في الحالة الطبيعية، فكيف مع جائحة تسبب بأزمة كبيرة جداً، وفي ظل نظام دولي غير واضح المعالم ومتخبط؟

بناءً عليه، إن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تفتح احتمالات واسعة على مستقبلٍ متوتر على الصعيد الاقتصادي العالمي. ومع حاجة واشنطن وبروكسل إلى النهوض من جديد، تبقى الصعوبات ماثلة في الطريقة والقدرة على ذلك، فهل ستخرج دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من الأزمة بطريقة سلسة وطبيعية؟ وإلى أي مدى سيكون النهوض الاقتصادي من جديد في بروكسل وواشنطن مستنداً إلى خططٍ اقتصادية قادرة على تجاوز إحدى أكبر الأزمات العالمية؟

المراجع:

- المفوضية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي (European commission).

- مكتب الولايات المتحدة للعمل والإحصاء (u.s bureau of labor and statistics).

- وكالة "رويترز".

- وكالة "الأناضول".

- موقع "يورو نيوز" التابع للاتحاد الأوروبي.

- موقع صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

اخترنا لك