شركات النفط الأميركي.. ديون فخفضُ إنتاجٍ ثم إفلاس!
قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية يتعرّض لضربة قوية، لكن الأزمة التي يمر بها لا تتعلق بكورونا فقط بل هي نتيجة تراكمات السنوات الماضية وفق ما تشير إليه تقارير ودراسات عديدة، فأي مصير ينتظر معظم الشركات العاملة في هذا القطاع؟
تذكر إدارة "معلومات الطاقة الأميركية" في دراسة منشورة عام 2013، أن حجم احتياطات النفط الصخري الأميركي القابلة للاستخراج في البلاد، تقدر بحوالى 58 مليار برميل، وهو ما يضع الولايات المتحدة في المركز الثاني بعد روسيا التي تقدّر احتياطاتها من النفط الصخري بحوالى 75 مليار برميل، والصين في المركز الثالث بحوالى 32 مليار برميل.
ووفق متوسط إنتاج يومي يتراوح بين 6 و7 مليون برميل يومياً فإنه من المتوقع أن تستنفذ الولايات المتحدة نفطها الصخري في غضون 23 إلى 25 عاماً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في تشرين الثاني/نوفمبر وصل الإنتاج اليومي إلى حوالي 13 مليون برميل يومياً، ما يعني أن الإنتاج ممكن أن يستنفذ النفط الأميركي في سنواتٍ أقل أيضاً، لا سيما وأن الولايات المتحدة حافظت بين عامي 2018 و2019 على تصدرها للدول المنتجة للنفط عالمياً.
أميركا تدخل سوق الإنتاج
بين عامي 2011 و2014 ونتيجة للتطورات التي طالت منطقة الشرق الأوسط، وأدت إلى تضرر إنتاج النفط في العديد من الدول (اليمن، ليبيا، سوريا) أو إلى فرض عقوبات على دول أخرى (إيران) وأيضاً إلى تأثير الاضطرابات الأمنية والعسكرية على الإمدادات النفطية، جميعها عوامل أدت إلى ارتفاع أسعار النفط وصولاً إلى 115 دولار للبرميل منتصف عام 2014، وهو ما مكّن بعض الدول ذات الكلفة العالية في الإنتاج من دخول الأسواق العالمية مثل الولايات المتحدة الأميركية، وظهر ذلك بوضوح بين عامي 2011 و2014 حيث زادت الولايات المتحدة إنتاجها النفطي من 10 ملايين إلى 14 مليون برميل يومياً، متخطية بذلك كلاً من روسيا والسعودية على رأس قائمة الدول الأكثر إنتاجاً.
ورغم أن الولايات المتحدة اعتمدت في تلك الفترة، على تقنيات مكلفة للاستخراج، من بينها طريقة الحفر بـ"التكسير الهيدروليكي"، والتي تعتمد على ضخ الماء ومحاليل كيميائية في طبقات الصخور بهدف توسيع الشقوق في تلك الطبقة، والوصول إلى ما يسمى بـ"النفط والغاز الصخريين"، إلا أن الأسعار العالية لبرميل النفط عالمياً في تلك الفترة، جعلت من الاستثمار في هذا القطاع أمراً مقبولاً ومجدياً في آن.
وفيما تقدّر كلفة إنتاج برميل النفط الصخري الأميركي بين 45 و70 دولاراً موزعة بين مختلف الآبار والشركات العاملة في البلاد، فإن سعر البرميل ما دون ذلك يرتّب خسائر جسيمة على القطاع النفطي الأميركي.
هذه المشكلة بدأت تظهر بوادرها في عام 2015، أي لحظة بداية انهيار أسعار النفط. ففي نهاية ذلك العام سجلت أسعار النفط حوالى 27 دولاراً للبرميل، وذلك بسبب تخمة المعروض وتباطؤ نمو الطلب على الخام عالمياً.
في الفترة ذاتها أي الربع الأخير من العام 2015 أعلنت عشرات شركات النفط الأميركية من بينها شركات كبرى إفلاسها لعدم قدرتها على تحمّل ديونها بالدرجة الأولى، بعد أن أصبحت تلك الديون تعادل أضعاف القيمة السوقية للشركات، ما أدى بطبيعة الحال إلى خسارة عشرات الآلاف من الأميركيين وظائفهم أيضاً.
وبينما كان النفط الصخري الأميركي في مرحلةٍ معينة أحد الأسباب الرئيسية في انهيار الأسعار، بسبب ضخامة الإنتاج، فإن اتفاق "أوبك+" الشهير أواخر العام 2016 القاضي بتخفيض الإنتاج، والذي لم تنضم إليه الولايات المتحدة، أدى إلى انتعاش أسعار النفط المتهاوية، وهو ما أنقذ قطاع النفط الصخري الأميركي في تلك المرحلة، فبعد الاتفاق صعدت أسعار النفط إلى حوالي 55 دولاراً بداية العام 2017 ليصل إلى حوالى 85 دولاراً في الأشهر الأخيرة من العام 2018، في حين حافظت على سعرها فوق 60 دولاراً معظم فترات العام 2019.
والجدير ذكره أن الفترة التي تلت اتفاق "أوبك+" كانت الولايات المتحدة تتصدر الإنتاج العالمي متقدمة على السعودية وروسيا الشريكتان في الاتفاق.
قبل "كورونا"!
تشير التقارير المتداولة إلى أن الأزمة التي يعاني منها قطاع النفط الصخري الأميركي، والتي تهدد بإفلاس مئات الشركات، سببها تبعات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي التي تسببت بركودٍ اقتصادي وفائض كبير في العرض أمام الطلب، لكن هناك تقارير أخرى تثبت أنّ أزمة الشركات الأميركية المنتجة للنفط الصخري ليست بجديدة ولا تتعلق فقط بأزمة كورونا وإن كانت الأخيرة قد عمقتها.
في أيار/مايو العام 2019، نشرت "رايستد إنرجي" وهي شركة أبحاث واستشارات نرويجية، دراسة ذكرت فيها أنه فقط 10% من الشركات المنتجة للنفط الصخري الأميركي لديها تدفقات نقدية إيجابية، في حين أن 90% من تلك الشركات تتكبد خسائر من عمليات الإنتاج النفطي مع تراجعٍ حاد في تدفقاتها النقدية أوجد فجوة بين الإيرادات وحجم الدين.
جاء ذلك، بعد أشهر من دخول شركات جديدة إلى سوق إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إثر ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولارٍ للبرميل.
شركات النفط الصخري في شمال القارة الأميركية ولا سيما في الولايات المتحدة، عانت كثيراً حتى قبل الانخفاض في أسعار النفط إثر فيروس كورونا وحرب الأسعار. ففي عام 2019 أفلست 42 شركة من تلك الشركات، وفقاً للدراسة الصادرة عن مكتب المحاماة "هاينس آند بون" مرتفعةً عن 28 شركة في العام 2018، في حين أنها كانت 24 في عام 2017 وأكثر من 100 شركة بين عامي 2015 و2016.
ويضيف التقرير أنه مع انقضاء 5 سنوات حتى تاريخ 1 نيسان/أبريل الجاري تقدّم 215 شركة نفط صخري بطلب الإفلاس، ضمن ديون إجمالية تفوق الـ129 مليار دولارٍ أميركي، في حين أن عدد الشركات النفطية الأميركية المتوقع إفلاسها خلال العام الجاري يقدر بحوالي 393 شركة نفطية، بينما ستتجه الشركات الباقية التي لن تعلن فإنها بالتأكيد ستتجه نحو تسريح عدد من موظفيها بالإضافة إلى تقليص عمليات الحفر.
أزمة الديون
المعضلة الرئيسية التي تعاني منها شركات النفط الأميركية في ظلّ انهيار الأسعار هي الديون. وكالة "رويترز" نقلت عن مصادر في 10 نيسان/أبريل الجاري تأكيدهم أن المصارف الأميركية التي أقرضت شركات النفط مثل JP MORGAN"، "WELLS FARGO"، "CITIGROUP" و"BANK OF AMERICA" تتجه إلى "الحجز على أصول شركات إنتاج النفط الصخري بعد عجز تلك الشركات عن تسديد الديون المستحقّة". المصارف اتخذت هذا القرار حسب المصادر، لكي تتجنّب الخسائر من قروض شركات الطاقة، التي تتخطّى 200 مليار دولار، حيث ستقوم بإنشاء شركات مستقلّة لامتلاك أصول شركات النفط والغاز مع تعيين مدراء تنفيذيين لإدارتها لمدة عام على أن تقوم ببيعها لاحقاً عوضاً عن بيعها الآن بأقل من قيمتها بسبب الأوضاع الراهنة.
واستناداً إلى مسحٍ أجراه "البنك الاحتياطي الفدرالي" في مدينة كانساس، منذ أسابيع فإن 40% من شركات النفط والغاز الأميركية ستتعرض للإفلاس في حال بقيت أسعار خام غرب تكساس الوسيط في القرب من 30 دولاراً للبرميل، بينما قدرت شركة "ستاندرد تشارترد" أن إنتاج النفط الأميركي سيسجّل انخفاضاً يصل إلى 4 ملايين برميل في اليوم بحلول نهاية عام 2021 متراجعاً حوالي 10 ملايين برميل عن الأرقام التي سجلها نهاية العام 2019، وذلك إذا ظل متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط عند 30 دولاراً، في الوقت الذي يسجل فيه النفط الأميركي حالياً أسعاراً أقل من 25 دولاراً للعقود الآجلة.
والجدير ذكره أن الولايات المتحدة الأميركية، تستهلك يومياً وبالمسار الطبيعي حوالي 20 مليون برميل نفط، ما يعني أنها ستحتاج لتغطية حوالي 15 مليون برميلٍ من السوق الخارجية، أو الاحتياطات، في حال بقاء السعر ضمن 30 دولار للبرميل.
الانهيار الذي طال أسعار العقود الآجلة للنفط الأميركي، يطرح تساؤلاتٍ عديدة حول قدرة هذا القطاع على مواجهة التحديات، لا سيما وأنه "قطاع حر" غير مقيّد بمؤسسات رسمية كما هو حال القطاعات المماثلة في دول عديدة. ووفق أعداد الشركات التي تسجل إفلاسها سنوياً بغض النظر عن كورونا، إلى أي حدّ يحتاج هذا القطاع لتلك الكمية من الشركات التي باتت معظمها تسقط تباعاً أمام أي منعطفٍ سياسي كان أو اقتصادي؟ وهل فعلاً ترتبط تلك الشركات بقطاع النفط بشكلٍ مباشر؟ أم أنها مجرد واجهة لاستثمارات غير قانونية داخلياً وخارجياً تخرج من الواجهة حال تعرّضها لأي خضّة؟