لماذا تجاوز اقتصاد الهند بريطانيا وكيف أصبح الخامس في العالم؟
صندوق النقد الدولي يكشف تجاوز اقتصاد الهند اقتصاد المملكة المتحدة من حيث الحجم، ما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم.
نجحت الهند هذا العام باستغلال الأحداث المحيطة بها والابتعاد قدر المستطاع عن الحرب في أوكرانيا والعقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية على روسيا، ليتجاوز اقتصادها المملكة المتحدة ويجعلها خامس أكبر اقتصاد، علماً أن هذا التجاوز ليس المرة الأولى، إذ سبق وبرزت الهند، المستعمرة البريطانية السابقة، كخامس أقوى اقتصاد في العالم، متجاوزةً بريطانيا وفرنسا في عام 2019، وذلك بحسب تقرير لمركز World Population Review البحثي، الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مركزاً له.
ومنذ أسابيع، كشف صندوق النقد الدولي في آخر أرقام صادرة عنه أنّه قبل عقد واحد فقط من الزمن، كان الناتج المحلي الإجمالي الهندي هو الحادي عشر في العالم، لكن مع توقّع نمو بنسبة 7% لعام 2022، تجاوز اقتصاد الهند اقتصاد المملكة المتحدة من جهة الحجم.
وفق بيان صندوق النقد الدولي، صاحب نمو الاقتصاد الهندي فترة من التضخم السريع في المملكة المتحدة، ما أدى إلى أزمة تكلفة المعيشة وخطر حدوث ركود بناءً على ما توقعه بنك إنكلترا.
كذلك، أوضح صندوق النقد أنّ هذا الوضع إلى جانب فترة سياسية مضطربة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أدى إلى تجاوز الإنتاج الهندي للمملكة المتحدة في الربع الأخير من عام 2021، مع عدم تقديم الأول من عام 2022 أي تغيير في الترتيب.
وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتخطى الهند المملكة المتحدة أكثر حتى عام 2027، ما يجعل الهند رابع أكبر اقتصاد بحلول ذلك الوقت أيضاً، وترك المملكة المتحدة في المركز السادس.
وعلى أساس معدل، وباستخدام سعر صرف الدولار في اليوم الأخير من الربع الأول، بلغ حجم الاقتصاد الهندي من حيث القيمة النقدية "الاسمية" في الربع المنتهي في آذار/مارس 854.7 مليار دولار. على نفس الأساس، كان اقتصاد المملكة المتحدة عند 816 مليار دولار.
أسباب نمو الاقتصاد الهندي
وكشفت صحيفة "الغارديان" أنّ من الأسباب الرئيسية في نهوض اقتصاد الهند هو قدرتها على تنمية قطاع التصنيع لديها.
واعتبرت الصحيفة أنّ الهند استفادت بالفعل من الطبقة المتوسطة الكبيرة المتعلمة، ما ساهم في تطوير قطاعات تكنولوجيا المعلومات والأدوية على مستوى عالمي.
كما أن لديها طلباً قوياً من المستهلكين، والذي يمثل نحو 55% من الاقتصاد، مقارنةً بأقل من 40% في الصين، وفق الصحيفة.
كذلك، ساهمت إصلاحات الرئيس الهندي مودي للسوق، والتي تضمنت خفض ضريبة الشركات من 35% إلى 25%، وفتح الهند لمزيد من الاستثمار الأجنبي، إلى تحرير رواد الأعمال.
السياق نفسه تحدثت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، التي أوعزت هذا النمو إلى مجموعة من السياسات الحكومية، بما في ذلك زيادة الاستثمار العام، والإعفاء للمدينين، وضمانات الائتمان التي ساعدت على إبقاء التضخم تحت السيطرة نسبياً، ووقت الجمهور من الصدمات الاقتصادية.
علاقات طيبة مع موسكو وبروكسل في خدمة الاقتصاد
في المقال نفسه، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنّ شراء الهند للنفط بسعر مخفض من روسيا، على عكس رغبات الحلفاء الغربيين، قد ساعد في منع ارتفاع أسعار الطاقة في البلاد.
الموقف الهندي المحايد من الحرب في أوكرانيا سمح أيضاً بارتفاع حجم التجارة بين الهند وروسيا بنسبة 120% تقريباً خلال هذا العام، وذلك وفقاً لما كشفه مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف.
وأشار السفير الهندي في موسكو بافان كابور أيضاً إلى أن حجم التجارة بين روسيا والهند كان ينمو من حيث الحجم والنطاق في الأشهر الأخيرة. وأضاف أن الشركات في كلا البلدين تعمل على التغلب على العقبات التي تحول دون توثيق التعاون الذي تشكله الجزاءات.
وتوجهت الهند نحو تعزيز التبادل مع الدول الشريكة باستخدام العملات المحلية، الأمر الذي يعزز عملتها، وتعمل حالياً مع موسكو على اتخاذ تدابير ثنائية لتوسيع استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة.
كذلك، عززت الهند مشترياتها من الخام الروسي على مدى الأشهر الستة الماضية، في حين حثَّت الولايات المتحدة نيودلهي غير مرة على دعم وضع سقف سعري للنفط الروسي، الأمر الذي لم توافق عليه الأخيرة.
وأظهرت بيانات، في شهر تموز/يوليو، أنّ واردات الهند من النفط الخام من روسيا قفزت إلى مستوى قياسي عند نحو 950 ألف برميل يومياً، في شهر حزيران/يونيو، وهو ما يشكل نحو 20% من مجمل مستوردات ثالث أكبر مستهلك للخام في العالم.
في المقلب الاخر، قررت الهند، في حزيران/يونيو، استئناف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بعد توقف دام 9 سنوات بهدف إبرام اتفاق تجارة حرة في نهاية العام 2023.
علماً أنّ الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر شريك تجاري للهند، وبلغت قيمة المبادلات بينهما نحو 120 مليار يورو عام 2021.
تراجع بريطانيا
تراجع ترتيب بريطانيا العالمي وفق موقع "بلومبيرغ" يعد تطوراً غير مريح بالنسبة إلى رئيسة الوزراء ليز تراس، التي تواجه بلادها أعلى معدل تضخم منذ أربعة عقود، مع ارتفاع مخاطر الركود الاقتصادي.
وأظهرت آخر بيانات رسمية أنّ الاقتصاد البريطاني نما أقل من المتوقع، في تموز/يوليو، ما زاد من خطر أن تكون البلاد قد دخلت بالفعل في حالة ركود، مع انخفاض الطلب على الكهرباء بفعل الارتفاع الحاد في رسوم الطاقة، وتضرر قطاع البناء من قفزة في تكلفة الخامات.
التحذيرات من الركود والتضخم والمشاكل الاقتصادية في بريطانيا مستمرة يومياً، ومؤخراً حذر على سبيل المثال خبراء الحكومة البريطانية من أن البلاد ستغرق في أزمة طاقة أعمق، في غضون عام، من دون خطة فورية لتحسين المنازل وتقليل الطلب بشكل كبير على الغاز.