لبنان: ترحيب بالوقود الإيراني شمالاً
استقدام المازوت الإيراني إلى طرابلس يلاقى بحفاوة كبيرة، خاصةً مع ندرة المحروقات وتضخم السوق السوداء حيث يباع المازوت بأسعار خيالية.
تقفل محطات الوقود بوجه المواطنين، والمؤسسات، لاقتصار عملها على كسب الربح عبر السوق السوداء التي تشكّلت على هامش الأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح البلاد تحتها. ويتعذّر على المواطنين والمؤسسات الحصول على المازوت إلا بأسعار خيالية بلغت 500 ألف ليرة لبنانية أحياناً، مقابل تسعيرة لم تكن لتزيد على 60 ألف ليرة لبنانية.
ويفترش ناشطو السوق السوداء الطرقات على مقربة من المحطات ليحصلوا على المازوت، كما البنزين، بأسعار مدعومة حتى الآن، ليبيعوها في السوق السوداء أضعافاً مضاعفة، تغني جيوبهم، وترهق الباقين، مهما قويت مداخيلهم، وارتفعت رواتبهم. وباتت السوق السوداء هي السوق السائدة، وتغيب بصورة شبه تامة السوق الشرعية، حتى إنّ عملية السوق السوداء لم تعد تمثّل إحراجاً لكل من يشارك فيها، من أعلى الهرم إلى أسفله، فبات بعض المحطات يجاهر بها علناً، وفي عزّ النهار.
في هذ الأجواء، وصلت بصورة استثنائية أولى طلائع النفط الإيراني، الذي توزعه شركة "الأمانة" التابعة لـ"حزب الله" إلى المستشفى الحكومي في بلدة المنية الشمالية، بعد أن توقفت جميع أجهزة المستشفى العاملة على الكهرباء بسبب نفاد المازوت، لكن الشركة، وبصورة استثنائية، لبّت طلب المستشفى لانتشاله من المخاطر الصحية التي تهدد حياة المرضى.
وقد استقبل الناقلة، بحفاوة بالغة، حشد من المواطنين، وفاعليات المنطقة، وهو ما عبرت عنه مختلف المناطق الشمالية من عكار إلى المنية فطرابلس فالضنية، وهي المناطق التي أثيرت إشكالات ملتبسة حول موقفها من المقاومة، استغلها الإعلام وضخّمها، لتأتي طلائع المشروع وتبدأ بدحض تلك الفرضية، وتعيدها إلى النقطة الصفر.
وما يزيد من تأكيد الموقف الشعبي في هذه المناطق، هو ما أوضحته مصادر مطلعة على الواقع الشعبي، من جهة، وما تجلّى في أعداد الطلبات التي قدمت إلى الشركة وفق البرنامج الذي وضعته، بطريقة وصفته مصادر مقربة من العاملين في تنظيم حملة المشروع بأنّه "مفاجئ"، مضيفةً أنّه "لم نكن نتوقع هذا الإقبال من المواطنين على المازوت الإيراني، وما فاجأنا أكثر أنّ مؤسسات وبلديات ومواطنين، تصنّف في خانة الخصومة مع حزب الله، استأذنت الحصول على المازوت، وكان الترحيب بانتظارها".
وأكّد المصدر أنّ "الحملة ليست موجهة لطرف معين أو فئة معينة أو منطقة محددة، بل هي لكل لبنان، بغضّ النظر عن انتماءاتهم المختلفة، وهذا ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ البداية".
أما المناطق، فقابلت مبادرة المقاومة بتحية طيبة مثل تحيتها لها، فتجاوبت كاسرةً كل الأنماط الإعلامية التي وضعت الحواجز بين المقاومة وجمهورها.
رئيس بلدية طرابلس - ورئيس اتحاد بلديات الفيحاء (طرابلس-الميناء-البداوي- القلمون) الدكتور رياض يمق، أكد في اتصال مع "الميادين نت" أن "ليس هناك ما يمنع طرابلس من قبول المبادرة، وهذا أمر طبيعي، خصوصاً في الظروف الصعبة التي يعيشها جمهورنا، وكل ما يريحه، فنحن معه، وهذه خطوة نرحب بها".
وأوضح الباحث السياسي شادي نشابة، وهو مرشح للانتخابات النيابية في الدورة السابقة وعضوٌ مستقيل من مجلس بلدية طرابلس، أنّه "ليس هناك رفضٌ للمازوت في المدينة، خصوصاً في وضعها المعيشي والاجتماعي والأمني الصعب فيها، كما في كل لبنان، وهي ترحب بأي طريقة يمكن أن تخفف الضغط عن كاهلها، وكاهل أبنائها".
وأضاف نشابة: "إنّ أكثر ما يدل على الترحيب بوصول المازوت الإيراني إلى طرابلس هو تسجيل 400 مؤسسة على المنصة (المخصصة للحصول على المازوت الإيراني)، فالسعر أفضل، ويخفف العبء عن أبناء المدينة، والجوّ العام في المدينة أكثر ما يهمه تأمين الكهرباء، وهناك فاتورة أقل وطأة، ولا ينظر الطرابلسيون في هذه الظروف إلى هذا الموضوع نظرة سياسية".
أما بخصوص موقف طرابلس من المقاومة، فيُذَكِّر نشابة بأن "طرابلس هي مدينة مقاومة منذ البدايات، وهي كانت قاعدة أساسية للمقاومة"، وفق تعبيره.
واستدرك قائلاً: "أما موضوع العلاقة بين المدينة وحزب الله فقد كان يتأثر بالواقع السياسي العام في البلد؛ فكما نعرف جميعاً أنّه كانت هناك توترات مختلفة المشارب، فكانت علاقة المدينة بالمقاومة تتأثر بالمتغيرات التي كانت تحدث بين فترة وفترة، لكن حالياً أبناء المدينة لا يتطلعون بالمنحى الطائفي أو المذهبي، بل كيف يمكن أن يحسّنوا وضع المدينة، بالحد الأدنى، ومن أي جهة كانت، وهم سيكونون فرحين بذلك، لأن سبل العيش صارت الهم الأساس لأبناء المدينة، ولأبناء الوطن بشكل عام".
وتشهد محافظة عكار الحدودية الشمالية، وهي محافظة كبيرة ومترامية، وتضم ما يزيد على 300 بلدة وقرية، حالة من الغليان، والحركة الناشطة، كمبادرات فردية، استعداداً لاستقبال المازوت الإيراني.
ويعتقد رئيس اتحاد بلديات "الشفت" التي تضم 12 بلدية -منها عاصمة المحافظة حلبا- أنطون عبود، أنّ "عكار بكل مناطقها، وفئاتها السياسية والطائفية والشعبية، تنتظر بشغف وصول المازوت من المقاومة، ولن تبقى بلدة أو بلدية إلا وستطلب المازوت، وقد بادرت المئات منها إلى التسجيل للحصول على حصة تحتاج إليها، خصوصاً منها الأفران، ومولدات كهرباء الاشتراك، والمستشفيات الخاصة، والبلديات التي عندها آبار مياه توزعها على المواطنين".
ويلحظ عبود أنّ بعض المؤسسات الكبيرة ربما تردّد في طلب المازوت الإيراني خوفاً من عقوبات محتملة عليها من الأميركي، لكنّ المنحى العام يشير إلى طلب كبير للمازوت الإيراني، من دون تحفّظ.