كيث أثّرت الأزمة الاقتصادية في لبنان على معيشة المواطنين اليومية؟
مع استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان، وانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، كان لذلك التأثير المباشر على حياة المواطنين، إذ لم يعد يكفي الراتب الشهري لسداد المستحقات الشهرية الأساسية.
كان وقع الأزمة الاقتصادية التي شهدها لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما تلاها من انتشار جائحة كورونا شديداً، لا سيما على الطبقة العاملة في المهن ذات الدخل المحدود.
فلقد أثرت بشكل سلبي على المستوى المعيشي لآلاف العائلات من مختلف المناطق اللبنانية، وتحديداً في محافظة عكار شمال لبنان والمعروفة بتهميشها من قبل الدولة، بحيث لا تلقى أي اهتمام من المسؤولين في المراكز المعنية، الأمر الذي جعل القسم الأكبر من سكانها يرزحون تحت خط الفقر لقلة فرص العمل والمشاريع الإنمائية والموارد الاقتصادية.
حسين عبد الله، شابّ من بلدة مشمش في عكار، يعمل نادلاً في إحدى مطاعم بيروت، والذي يبعد مسافة 3 ساعات عن منزله، مما يضطره إلى المكوث في العاصمة 5 أيام في الأسبوع بعيداً عن عائلته تفادياً لمصاريف النقل المرتفعة.
وبرغم ادّخاره ما تيسر من راتبه الشهري الذي لا يتجاوز الـ900 ألف ليرة لبنانية لإتمام بناء منزله من أجل الزواج، إلا أن وقع الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان كان شديداً عليه، ما أجبره على إشادة غرفة واحدة في المنزل الكائن فوق منزل ذويه.
وبعد حمل زوجته تبيّن أن الجنين يعاني من مشاكل صحية متفاقمة، وفي رحلة بحثه عن علاجها اصطدم بواقع مرير، ألا وهو جشع بعض المستشفيات في لبنان، حيث بلغت تكلفة علاج ابنته بعد ولادتها 90 مليون ليرة لبنانية كل عشرة أيام، أي ما يعادل عشرات أضعاف راتبه الشهري.
هذا الشاب وقع ضحية أزمات عديدة انقضّت على بلده الذي بات في هاوية مجهولة، خاصة منذ بدء تهاوي قيمة العملة اللبنانية مقابل الدولار، وارتفاع معظم أسعار المواد الغذائية والأدوية والمحروقات بشكل جنوني، حيث بات بصنّف وضع لبنان اليوم ضمن أسوأ 10 أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، في غياب لأي أفق حلّ يخرجه من واقع متردًّ يفاقمه شلل سياسي.
وذلك في ظل الفراغ الحكومي الذي دام أكثر من 9 أشهر، قبل أن تتم تسمية نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة مؤخراً، الأمر الذي فاقم من حدة الكارثة التي لم يشهد لبنان مثلها لبنان منذ عام 1918، خاصة في بلد يفتقر لأي مقومات الاكتفاء الذاتي، ويعتمد على الأسواق العالمية لاستيراد معظم احتياجاته.
قصة هذا الشاب لا تختلف كثيراً عن قصّة ناصر ناصر الذي كان يعمل سمكرياً في احدى الشركات في بيروت، ولكن مع بداية ارتفاع سعر صرف الدولار، أقفلت الشركة أبوابها، وصرفت العاملين فيها، ومن بينهم ناصر الذي بدأ يعمل داخل بلدته بالمهنة التي يتقنها.
ناصر رجل متزوج ولديه أربع فتيات وشاب، يصعب عليه تسديد أقساطهم الدراسية، أو حتى تأمين أبسط مستلزماتهم الأساسية. كما أن زوجته تعاني من العديد من الأمراض وبحاجة دائمة إلى تناول الأدوية التي يصعب عليه تأمينها في ظل انقطاع معظم الأدوية من الصيدليات، أو ارتفاع أسعارها، اذ وصل سعر "البنادول أدفانس" إلى 16000 ألف ليرة بدلاً من 2500 ليرة سابقاً.
قصة هذين الشابين هي اختصار لواقع أليم يعاني منه المجتمع اللبناني، و دأ يفتك بالطبقة المتوسطة التي كانت تميز النسيج الاجتماعي الذي يتكون منه لبنان، والذي لطالما حافظ عليها النظام الاقتصادي خلال العشرين سنة الأخيرة. غير أنه وبسبب تهاوي قيمة الليرة اللبنانية، أدى ذلك إلى اتساع الهوة الطبقية في المجتمع اللبناني، بين طبقة غنية وطبقة معدومة.
هذه الأزمة بدأت تؤثر بشكل سلبي على الأمن الاجتماعي في البلاد، مما دفع العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى تحذير المسؤولين اللبنانين بضرورة تحمل مسؤولياتهم تجاه الشعب، وتفادي الخلافات الطائفية بينهم، وتغليب مصلحة المواطن على مصالحهم الشخصية تحت طائلة عدم تقديم أي مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي إلا بشرط إجراء إصلاحات مالية واقتصادية حقيقية من شأنها النهوض بالدولة مجدداً ريثما يتعافى الاقتصاد بشكل تدريجي.