"فورين أفيرز": الولايات المتحدة تستقدم المهاجرين لمحاربة التضخم

"فورين أفيرز" تشير إلى أن العمال الأجانب يمكنهم التخفيف من نقص العمالة في الولايات المتحدة، وبالتالي المساهمة بشكل رئيسي بحل أزمة التضخم التي تحل بالبلاد.

  •  ازدادت تأشيرة "H-2A" المتعلقة بالقبول المؤقت للمزارعين بشكل كبير منذ عام 2010 

ارتفعت أسعار المستهلكين (CPI)، أو المؤشر الاقتصادي الرئيسي الذي يستخدم لتتبع معدل التضخم وتكلفة المعيشة، في الولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 7.7 % في تشرين الأول/أكتوبر.

ويرجع السبب في ذلك إلى استمرار ارتفاع الطلب وتعثر العرض. فيما تتجه الأنظار إلى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتهدئة الطلب عن طريق رفع أسعار الفائدة. لكن السياسة النقدية كانت تعمل دائما مع تأخيرات طويلة ومتغيرة، ما يجعل مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي، المتمثلة في محاولة تشكيل قرارات لنحو 122.4 مليون أسرة و164.5 مليون عامل و35.1 مليون شركة، أكثر صعوبة.

ومع ذلك، تقترح صحيفة "فورين أفيرز" على صانعي السياسة الأميركيين لمحاربة التضخم توسيع الهجرة لكل من العمال المهرة والأقل مهارة لتعزيز قدرة العرض في الاقتصاد الأميركي.

ومن شأن هذه الخطوة (الهجرة) أن تساعد في تلبية الطلب الزائد على العمالة، الذي بدوره سيحد مع مرور الوقت من نمو الأجور والأسعار.

ففي تشرين الأول/أكتوبر، كان هناك 10.3 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة، أي بمعدل زيادة تقدر بنحو 4.3 مليون أكثر من إجمالي عدد الأميركيين العاطلين من العمل.

وعلى المدى القصير، فإن زيادة عدد تأشيرات "H-1B" للمهنيين المهرة، وتأشيرات "H-2B" للعمال غير الزراعيين الموسميين، من شأنه أن يساعد أصحاب العمل على التغلب على هذا النقص الحاد في العمالة.

أما على المدى الطويل، فإن القيام بذلك من شأنه أن يساعد أيضاً في الحد من التضخم.

التباطؤ الكبير في الهجرة

كانت الهجرة إلى الولايات المتحدة ثابتة خلال العقد الماضي. فبين عامي 2011 و2021، ارتفعت نسبة سكان الولايات المتحدة المولودين في الخارج من 13% إلى 13.6%، ما يعكس انخفاضاً كبيراً في تدفقات العمالة الأجنبية.

في حين بلغ صافي الهجرة إلى الولايات المتحدة 890 ألف وافد سنوياً خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، قبل أن ينخفض إلى النصف بمعدل 480 ألفاً سنوياً في العقد التالي.

وبحسب الصحيفة، كان تباطؤ الهجرة ناتجاً جزئياً عن الركود الكبير الذي بدأ عام 2007 والانتعاش البطيء الذي أعقبه، والذي منع بعض العمال الأجانب من القدوم إلى الولايات المتحدة. لكن سياسة الهجرة الأميركية أيضاً جعلت من الصعب على المهاجرين الطامحين أن يدخلوا البلاد.

وقبل جائحة "كوفيد-19"، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة بشأن الهجرة غير الشرعية، لكنها أبقت على توفير تأشيرات العمل المؤقتة ثابتة، نظراً لأن كل مجموعة جديدة من حاملي هذه التأشيرات تحل محل مجموعة سابقة.

ولأن الاقتصاد ينمو كل عام، فإن العرض المستمر للتأشيرات هو وصفة لقوة عاملة محلية بشكل متزايد.

وفي عام 2019 ، أصدرت الولايات المتحدة تقريبا نفس عدد تأشيرات "H-1B" و"H-2B" كما فعلت قبل عقد من الزمان. وينطبق الشيء نفسه على تأشيرات "J-1" للزوار الأجانب المكفولين، وكثر منهم ينتهي بهم الأمر بالعمل في الجامعات الأميركية أو في مرافق البحوث.

فئة التأشيرة الوحيدة التي نمت بشكل كبير منذ عام 2010 هي "H-2A"، التي تمنح القبول المؤقت للعمال الزراعيين. وبعد تفشي "كورونا"، تم إيقاف جميع هذه البرامج مؤقتاً، حيث أوقفت السفارات في جميع أنحاء العالم معظم الخدمات القنصلية.

واليوم، تستعيد معظم السفارات ببطء جهودها في معالجة التأشيرات، لكن الموظفين القنصليين لم يصلوا بعد إلى مستويات ما قبل الوباء.

أين العمال؟

إن توسيع برنامج تأشيرة "H-2B"، الذي يسمح بالتوظيف المؤقت للعمال الأجانب غير الزراعيين لمدة تصل إلى 9 أشهر، سيكون حلاً واضحاً لهذه المشكلة. وتشمل الوظائف الشائعة لحاملي هذه التأشيرة عمال المطاعم والبناء، وهي على وجه التحديد، الوظائف التي تسعى الشركات الأميركية بشدة إلى ملئها، والتي يبدو أن العمال الأميركيين نادرون فيها بشكل مزمن.

ومع ذلك، وضع الكونغرس حداً أقصى قدره 66 ألف تأشيرة "H-2B" فقط في السنة، وهو جزء ضئيل من 1.8 مليون فرصة عمل حالياً في خدمات البناء والطعام وحدها. وبالنسبة للسنة المالية 2021، تم توفير 22 ألف تأشيرة إضافية لأصحاب العمل الأميركيين الراغبين في إثبات أنه لا يوجد عمال أميركيون "راغبون أو مؤهلون أو قادرون" على أداء الوظائف التي يرغبون في شغلها. ولكن مع وجود ملايين الوظائف الشاغرة أكثر من الأميركيين العاطلين عن العمل، كان هذا الملحق لمرة واحدة بمثابة قطرة في دلو. 

ووفقاً لبحث أجراه الاقتصاديان مايكل كليمنس وإيثان لويس، لن تؤدي زيادة عدد تأشيرات "H-2B" إلى مزاحمة العمال المولودين في الولايات المتحدة. يتردد صدى هذه النتيجة مع مجموعة أكبر من الأبحاث التي تظهر أن العمال المهاجرين لديهم تأثير متواضع جداً على أجور العمال المولودين في البلاد.

كذلك، تشير الصحيفة إلى أنه يجب على الولايات المتحدة توسيع برنامج تأشيرة "H-1B" بشكل كبير، والذي يسمح للشركات الأميركية بخلق وظائف جديدة للأجانب المتعلمين تعليماً عالياً لمدة تتراوح ما بين 3 و6 سنوات.

أما في الوقت الحالي، تحدد الولايات المتحدة عدد تأشيرات القطاع الخاص الجديدة بين 65-85 ألف عامل من الحاصلين على درجة البكالوريوس أو أعلى، و20 ألفاً للعمال الحاصلين على درجة الماجستير على الأقل.

كما أن زيادة أعداد تأشيرات "H-1B" الصادرة كل عام من شأنه أن يزيد من قدرة الجذب الأميركية من خلال معالجة نقص العمالة وتحفيز نمو الإنتاجية. 

فائزٌ سياسي

بالنظر إلى مدى الانقسام السياسي حول الهجرة في الولايات المتحدة، فإن أي خطة لتوسيع برامج التأشيرات قد تبدو غير واقعية. 

كان الجمهوريون على وشك الانقسام بالتساوي حول مسألة الهجرة، حيث قال 46% إن الهجرة أمر جيد وأن 45% قالوا إنها سيئة، في حين أن أغلبية كبيرة من المستقلين (75%) والديمقراطيين (86%) لديهم وجهة نظر إيجابية.

لكن يبدو أن الكثير من هذا الاختلاف الحزبي ينبع من مخاوف الجمهوريين بشأن الهجرة غير الشرعية، وليس الهجرة القانونية من خلال قنوات مثل تأشيرات "H-1B"و"H-2B".

ويظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة "الابتكار" الاقتصادي في آب/أغسطس 2022، أن 71% من الناخبين الأميركيين المسجلين يؤيدون المزيد من المهاجرين المهرة القادمين إلى البلاد، بما في ذلك 83% من الديمقراطيين و60% من الجمهوريين و72 % من المستقلين.

كما قال غالبية الأميركيين من كلا الحزبين (82% من الجمهوريين و78% من الديمقراطيين) إن إصلاح الهجرة يجب أن يكون أولوية قصوى في الأشهر الـ 12 المقبلة. 

أداة الهجرة ضمن مجموعة أدوات الحل

كذلك تشير الصحيفة إلى أنّ جائحة كورونا كشفت نقاط ضعف جديدة في سوق العمل، وقد سلطت الضوء على الحاجة إلى حلول سياسية أكثر توسعاً لحل أزمة العرض ونقص العمالة.

وقد أكدت الصحيفة أنه يجب أن تكون سياسة الهجرة جزءاً من مجموعة أدوات لمكافحة التضخم. كما أن توسيع برامج تأشيرات "H-1B" و"H-2B" من شأنه أن يخفف على الفور من نقص العمالة في الولايات المتحدة.

ويختم المقال بالقول، إنه من الصعب تحديد المدى الدقيق الذي تقود فيه هذه الديناميكية الاتجاه التضخمي الحالي، ولكن ليس هناك شك في أنها تلعب دوراً رئيسياً في معالجة نقص العمالة، وبالتالي المساهمة بحل أزمة التضخم. 

اخترنا لك