هكذا حاكى جورج خباز...الواقع كما هو!
الفنان اللبناني الشاب جورج خباز، الذي عكف منذ بداياته على تقديم الفنّ الكوميدي الراقي البعيد عن الاسفاف والابتذال والتهريج، وهو شكّل مدرسة "خبّازية" بكلّ ما في الكلمة من معانٍ، عمادها الموهبة الفذّة والعصامية اللافتة، يكفي أن الرجل لم يتكء على إرثٍ أو عائلة تعمل في المجال الفنيّ.
تنقّل خباز بين التلفزيون والسينما والمسرح، ومن منّا لا يذكر أغنية "فش خلقك فش، مصاري ما فيش"، في منتصف التسعينيات، التي يرددها الكبار والصغار على السواء حتى يومنا هذا.
يدرس الفنان الشاب أعماله بدقة، تسعفه فطرة وهيولى في المجال الابداعي، ناهيكم عن "كاريزما" شخصية انسانية قبل أن يكون فناناً، وهو اليوم وبعد افتتاح عمله المسرحي الجديد بعنوان "إلاّ إذا" يكشف لجمهوره أن "هذا العمل مختلف كثيراً عن الأعمال السابقة، فأنا للمرة الأولى أتكلم بشكل مباشر وأضع الأصبع على الجرح...وعلى الوضع القائم لا بل الشرخ المعتقدي والفكري والثقافي والطائفي الذي نعاني منه، ضمن الطابع الكوميدي الساخر "الكوميديا السوداء".
وكما في كل أعمال خباز الهادفة هنالك رسالة ما يجب أن توجّه للمجتمع بكل فئاته، وهذا ما يميّز جمهوره الذي ينسحب على مختلف الأعمار، " رسالتي في هذا العرض تقول إننا تعبنا، وسنبقى تعبانين إلاّ إذا أتحفنا بعجيبة إلهية، ووعينا لحقيقة أن الإنسان هو إنسان بصرف النظر من يكون، فلا أحد منا اختار أين هو؟ ولا من هو؟ وهي أمور فرضت علينا، ورغم ذلك نحن نعادي بعضنا ونضع الحجة في الدين، في الوقت الذي تدعو كلّ الاديان فيه إلى المحبة والتآخي".
ومن وحيّ ما تقدّم فهو يعتبر أن "الكوميديا في هذا الزمن تزرع الفرح، ونحن بحاجة ماسة إليه في أيامنا هذه، وطبعا فإنها توصل الرسالة بشكل أسرع، كما أن "الكوميديا السوداء" والتي تتضمن "المضحك المبكي" تليق بالعبثية التي نعيشها، لذلك تجدني ميّالاً صوب هذا النمط".
نحاكي الواقع بشفافية
إقبال جمهور المسرح "الخبّازي" كبير لا بل يمكننا القول أن لجورج جمهور مخلص قد تغصّ به قاعة مسرح "شاتو تريانو" في الزلقا شرقي بيروت، وهو يقول في ذلك"إخلاص الجمهور لمسرحي له عدة أسباب وهو أنه يشاهد عرضاً مسرحياً لايستخف بعقله، دون إدعاء وفلسفة، بل يحاكيه بكل صراحة وواقعية وشفافية، حيث يشكّل مرآة لهواجسه وجدلياته، ويحاول أن يجيب على أسئلته، وفي نفس الوقت فهو مقدّم بمستوى فني مرتب، بعيداً عن الاسفاف والابتذال والتهريج، واللعب على الغرائز الجنسية والسياسية".
في عمل جورج خباز تكتمل شروط المسرح، من حيث الحبكة والشخصيات والعلاقات فيما بينها والأبعاد النفسية لها، فضلاً عن الرسالة التي يريد أن يوصلها وأيضا هنالك عنصر الجمهور الذي يشاهد وحواسه الخمس تتابع بكل شغف.
وهل ينفع المسرح العربي في كيّ الوعي في الواقع المأزوم الذي نعيشه؟ يجيب الفنان الشامل والمؤلف والمخرج "المسرح يعكس حقيقة ما في المجتمع، وهنا يعكس مايدور في مجتمعنا العربي ولبنان جزء منه، وإن كان لا يغيّر للأسف، فهو يضع الأصبع على الجرح ويضيء على الشواذ خاصة في مجتمعاتنا العربية، ولكن الأهم منه أنه يعري المجتمع والقضايا، وهنا يرى المشاهد قضاياه في اللاوعي، من خلال الشخصيات والمواقف التي يراها، ومن هنا يتفاعل مع نفسه من خلالها، فإمّا أن يضحك على نفسه أو يبكي عليها، وهذه أول خطوة للعلاج من آفاتنا الاجتماعية والسياسية والانسانية التي نعاني منها".
محاولة للتغيير.... وأي تغيير!؟
وفي قالب كوميدي يحمل في طيّاته نصاً مصقولاَ، لا يخفِ العفوية التي يتمتع بها خباز، تنطلق مسرحيته "إلا إذا" التي تحكي قصة بناية قديمة نخرتها أهوال الحرب في بيروت، ورغم أن سكّانها من مختلف الاطياف والمشارب (الطائفية والمذهبية) محاكاةً لواقعِ مرير، إلا أنهم لم يبارحوا البناء، حيث تتقاذفهم الانتماءات الحزبية والفكرية والدينية.... لكنها لا تقطع حبل الودّ فيما بينهم، وتعود المسرحية الهوينى (مع عرض لصور سينمائية) إلى التاريخ اللبناني، في ظل محاولة للتغيير.... وأي تغيير!؟
ساعتان من الضحك المتواصل، محاكاة للعقول، نبش للذاكرة، تجسيد للواقع كما هو.. وكما يقول خباز ففي العمل المسرحي "الخبز المعنوي، والخبز النفسي، وخبز الفرح شيء يحتاجه الناس بكل مستوياتهم الفكرية ووالثقافية في كل زمان ومكان، حتى في أوقات الازمات".
والجدير بالذكر، أن آخر مسرحيات الفنان جورج خباز كانت “بالكواليس” التي استمرت لعدة اشهر بنجاح كبير. ومؤخراً تم تكريمه من قبل عمدة مدينة اوتاوا الكندية السيد واتسون ، بمنحه شهادة فخرية تقديرية من المدينة في افتتاح مهرجان الفيلم اللبناني في كندا، كما حصد فيلم "غدي" جائزة الجمهور في مونتريال ضمن فعاليات المهرجان.
يبقى أن مسرحية "إلاّ إذا" هي من بطولة مجموعة جميلة ومتناسقة من الممثلين اللبنانيين وهم : جورج خباز، لورا خباز، غسان عطية، جوزف آصاف، سينتيا كرم، جوزف ساسين، عمر ميقاتي، بطرس فرح، مي سحاب، جوزف سلامة ، وسيم التوم ، اسبد خاتشادوريان ، كريستيل فغالي، توفيق الحجل، فادي ابو جودة، روجيه بركات.
بورتريه .... غني
جورج خباز هو مؤلف ومخرج وممثل ومؤلف أغاني وملحن لبناني، ولد في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 بمدينة البترون شمال بيروت، وعمل لسنوات طويلة على خشبة المسرح، وأعاد تقديم مسرحيات (بالنسبة لبكرا شو؟، نزل السرور) لزياد الرحباني، كما قدّم مسرحيات (غادة الكاميليا، هاملت في ورطة، طق، مصيبة جديدة، كذاب كبير، هلأ وقتا، شو القضية،عالطريق، البروفسور، مطلوب، مش مختلفين، الأول بالصف، ناطرينو)، وبجانب المسرح، شارك في مسلسلات (إلى يارا، تقريباً قصة حب، القناع) وأفلام (تحت القصف، يوما ما، غدي، وينن).