لوحات آدمية ساحرة في "cirkopolis" تتشكّل ثم تتبعثر ثم تتكامل
مئة دقيقة من المتعة البصرية والسمعية على خشبة الساحة الرئيسية لمهرجانات بيت الدين الدولية، مع عرض "cirkopolis" قدّمته فرقة "cirque eloize" للمخرجين "ديف سان بيار" و"جانو بانشو" مع 11 فناناً رئيسياً من الجنسين والعديد من لاعبي الأدوار الثانية، الذين أبهروا الحضوروشكّلوا عرضاً مشهدياً متكامل الإبداع ما بين أنغام الموسيقى، وكوريغراف الخطوات وتحريك الأجساد، وصولاً إلى اللوحات الموحية بكل تفاعلات النفس البشرية.
كانت الليلة الأولى (في 9 آب/أغسطس الجاري) من أصل 3 ليالي عرض، مشرقة بالإنسجام والرقي والإيقاع الخلاّب للخطوات والحركات و"الشقلبات" وكلها تتم بشكل فني متناغم وكأننا أمام لوحات أوبرالية تعبر عن الموسيقى المصاحبة، ويكون الرقص فيها صورة طبق الأصل عن مناخ الأصوات الآدمية والأنغام التي يتردد صداها في كل ناحية، ما شاهدناه إنسجم مع أجواء اللوحات الإستعراضية الضخمة ولا يُقرّبها من تسمية السيرك إلاّ ذاك التنوّع في الحركات ضمن المشهد الواحد، بما يوصل لاحقاً إلى إبهار في عنصر الخفة والليونة والتنسيق مع باقي فريق الراقصين، وتنوّعت الموسيقى (لـ ستيفان بوشيه) ما بين أنغام صافية وإيقاعية وأخرى ترافقت مع غناء، وكانت الأجواء تتأرجح بين النموذجين مع تشكيلات هندسية من أجساد الراقصين المشاركين، إمّا معلقين من سقف المسرح أو يجمعهم فضاء طاولة، لتنفيذ ما أمكن من الأكروبات (بتخطيط وإشراف كريستوف سوروكزنسكي).
مشهدية عفوية بالكامل، لا مكان لأي إفتعال، أو فانتازيا فارغة، بل كل حركة لها مؤدّاها الفني، في حالة إنسياب تسحب أجواء السيرك التقليدي إلى مطارح إبداعية في نقل المناخ المتحرك على الخشبة صوب لوحات فنية أكثر منها ترفيهية، وقد خاب ظن بعض الرواد الذين إصطحبوا أبناء صغاراً ليفاجأوا بأن أجواء العرض عنوانها سيرك ومضمونها لوحات فنية مبهرة كلاسيكية مع إيقاعات معاصرة، نعم واكبنا العديد من التشكيلات اللافتة لكنها لم تكن من ضمن لائحة الشروط الواجب توفّرها في عرض السيرك، فإذا بنا أمام عمل إبداعي سحرنا بكل تفاصيله، وأجبرنا على وضعه في خانة خاصة ترفع السيرك إلى مستوى فني يُحرره من فئة اللهو والعبث والتسلية كما هي الصورة المتداولة عنه في أوساطنا المشرقية أو في دول ما يُعرف بالعالم الثالث.
الفرقة حاضرة منذ ربع قرن، ومن شاهدوا عروضها المتفرقة في أميركا وخارجها تخطّوا الـثلاثة ملايين شخص، شاهدوا ما معدّله 1500 عرض في 500 مدينة حول العالم، وهي تعتمد بشكل رئيسي على 11 راقصاً محترفاً يؤدّون كامل الحركات المطلوبة ولا يكفّون عن التدريبات ومراعاة أصول الغذاء النوعي منعاً لأي سمنة قد تؤذي ديناميكية ليونتهم على الخشبة، وهم (أراتا أوراوا، ماريلوفيرشيلدن، آنا لواندوسكا، دومينيك بوشارد، سيبي فان لوفيرين، يان لوبلانك، كلودي دابكيويكز، ميكاه إيللينغر، ماثيو جيمس براون، مارينا ماندوزا، وإسحق سالتر).