"إبن بابل" أم الشهيد ونجله بين السجون والمقابر الجماعية
مضت عشر سنوات على إطلاق فيلم "son of Babylon" (إبن بابل) للمخرج العراقي "محمد الدراجي"، دار على أكثر من مئة مهرجان سينمائي ونال العديد من الجوائز، وأتيحت لنقاد عديدين فرصة مشاهدته في بعض التظاهرات السينمائية، إلى أن أفسحت لنا "جمعية العمل للأمل"، و"نادي لكل الناس"، المجال لمشاهدة الشريط بحضور مخرجه على شاشة "مترو المدينة" في بيروت عند الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر يوم الإثنين في 6 آب/أغسطس الجاري.
تابعنا العرض بشغف لكثرة ما قرأنا عنه من مقالات وتعليقات، خصوصاً مادته المؤثرة التي تعكس صورة عربية عامة تتناول المفقودين مجهولي المصير في الحروب الكثيرة التي عرفتها أمتنا منذ سنوات وما يزال بعضها مستمراً، وواكبنا أحداثه التي ترصد ما شهده العراق مباشرة بعد أسابيع قليلة على سقوط النظام السابق، ومحاولة العراقيين لملمة جراحهم وترتيب أوضاعهم، فنتعرف على عائلة كردية مؤلفة من الفتى "أحمد" (ياسر طالب) والجدة العجوز "أم إبراهيم" (شازادة حسين) اللذين ينطلقان من شمال العراق في رحلة مضنية عبر البلاد بحثاً عن "إبراهيم" إبن العجوز، ووالد "أحمد" الذي لا يعرفه بعدما خرج أوائل التسعينات للقتال في حرب الخليج الأولى ولم يعد حتى الوقت الذي غزت فيه أميركا العراق عام 2003.
تظن السيدة أن هدوء الأوضاع نسبياً في بعض المناطق، يتيح لها فرصة معرفة مصير إبنها الشاب، فتخرج مصطحبة معها حفيدها الذي لا يعرف شيئاً عن الحرب، وهو يؤدّي دوره في الفيلم بحرفية الكبار، ولا يشعر بالأزمة ووقعها عليه إلاّ عندما تواجهه حالات البكاء الحارة لنسوة تأكدن من وفاة أزواجهن أو أبنائهن، هنا يعرف أي مشكلة يعيشها، في وقت وصل مع جدته إلى سجن الناصرية وعرف أن والده ليس بين السجناء، ثم إنتقل إلى منطقة أخرى عرف أن السلطات إكتشفت فيها مقبرة جماعية، وعندما لم يكن هناك من أثر لـ إبراهيم"، إنتقلا إلى مقبرة ثانية وثالثة وسادسة من دون أي نتيجة، ومع هذه الأجواء بدت العجوز ضائعة بينما "أحمد" يحاول إلتقاط اللحظة التي هوفيها لمحاولة التوازن وهو لا يدري أن كل شيء من حوله ينهار، ويدخل على الخط رجل متوسط العمر يدعى "موسى"( بشير الماجد) يقدّم نفسه على أنه أحد عناصر الحرس الجمهوري السابق معترفاً أنه عذّب وتسبب في مصرع أكثر من شخص وبينما رفضته الجدة كان الفتى متعاطفاً معه لأنه ساعدهما قي تجاوز بعض مصاعب الطريق.
أولى الصدمات الكبرى وفاة الجدة العجوز وهي تسند رأسها إلى جسد الشاحنة، أحمد يخاطبها وهي لا تجيب، ثم بكى بحرقة وحزن. بكى كالكبار العارفين ببواطن الأمور، وراح يتأمل في الفراغ من دون تركيز على شيء في نظرة موازية لنظرة جدته المحدّقة في الفراغ أيضاً مع فارق أنه يمشي إلى المجهول بعد ضياع بوصلته – جدته الراحلة، وهي إرتاحت من عبء النوستالجيا لإبنها على مدى 12 عاماً من الصبر والأمل. شارك بأدوار بارزة كل من (بشير المجيد، صالح عبد الرحمن فارهاد،محمد حسن جبارة، وهيثم عباس).