"شهيد" اليأس هبط عميقاً في البحر وصعد سريعاً إلى السماء

عرض واحد دعت إليه صالة متروبوليس – أمبير ليل الإثنين في 17 تموز/يوليو الجاري. فيلم طويل(84 دقيقة) للمخرج اللبناني المغترب "مازن خالد" عنوانه "شهيد" (martyr)، شكّل مفاجأة إيجابية لنا سينمائياً رغم المناخ الميلودرامي الذي يخيّم عليه، مع توليفة ناجحة جداً لجهة التعامل مع وجوه غير محترفة إستطاعت التأثير إيجاباً على مستوى القبول الجماهيري والنقدي وفتحت الباب على تجارب الهواة الجدد في السينما اللبنانية. الفيلم من انتاج المخرجة "ديالا قشمر" ويعرض جماهرياً بدءاً من الخميس في 19 تموز/ يوليو الجاري.

لم نُفلت لحظة واحدة من أحداث الفيلم، وهي قليلة جداً لأن الحدوتة التي يبني عليها الشريط أركانه تتلخص في صداقة متينة تربط أربعة شبان في عمر وسيط بين المراهقة والشباب، من مذاهب مختلفة يعيشون في بيروت، تحت لواء مشاكل واحدة إنتهت بهم معاً إلى اليأس من الأوضاع غير المقبولة السائدة، وفي طليعتها البطالة وإنسداد سبل العيش عند نسبة كبيرة من اللبنانيين بفعل صعوبة عثور الشباب على عمل يسمح لاحقاً بتبدّل جذري في تخطيطهم لمستقبلهم. ويكون تركيز على الشاب "حسان" الذي يلعب دوره بتأثير جيد ولافت "حمزة مقداد" يعيش وحيداً مع والديه اللذين لا يكفان عن حثّه على ضرورة أن يعثر على عمل لأن الحال ما عادت تطاق، وبدل الذهاب للبحث عن عمل، أبلغ والدته (كارول عبود في دور جيد) أنه ذاهب إلى شاطئ البحر مع رفاقه، مما أسفر عن غضب متبادل بينهما.

وفي منطقة بحرية شعبية عند الساحل الغربي لبيروت، إلتقى الأصدقاء الذين لا ملاذ لهم إلا البحر للتنفيس عن معاناتهم مع مصاعب الحياة التي تسد عليهم كل نوافذ الأمل والرجاء، حديثهم السلبي لم يخرج من شرنقة الواقع المرير الذي يعيشونه، إنهم عاطلون عن العمل، يعتمدون على أهل هم أيضاً في وضع مادي محرج وبالتالي فهم يحملون هماً مزدوجاً من دون أي أفق للحل. وبدءاً من هنا إنطلقت الشرارة، حال من اليأس دفعت "حسان" لأن يغامر بقفزة من رصيف الشاطئ تجاوز فيها الإطار الحديدي إلى الماء مباشرة في تجربة مدويّة، فقد إصطدم جسد الشاب بسطح الماء وكأنه قنبلة مدوية، وعبر الماء إلى الأعماق، ومن حوله ينتظرونه، تأخر ظهوره على صفحة المياه، فجأة بدا ظهره ومؤخرة رأسه، إنه جثة هامدة غادرتها الروح سريعاً إلى السماء.
لم يطلب رفاقه سيارة إسعاف، بل حملوه بصعوبة إلى رصيف الكورنيش، ثم أوصلوا جثته إلى منزله، وهناك تعاونوا على غسله رغم ردة فعل الأم البالغة التأثير والعفوية في حزنها مع رباطة جأش الأب الذي لم يُرد التعامل مع وحيده كشهيد لأنه مات في حادث، وبالتالي إعتذر ممن طرحوا فكرة عدم غسل الجثة، التي غسلها وكفّنها رفاق الفقيد الثلاثة ، في صورة أرادها الشريط تعبيراً عن إحترام الصداقة ورفعهه إلى مستوىً رفيع من التقدير، حتى تجاوز الأمر ذويه بموافقة الأبوين. ذهب "حسان"ضحية الوضع القائم والمتأزم، وكنا أمام شريط سينمائي مبدع في كل جوانبه، خصوصاً النص المُحكم، والممثلين الرائعين (مصطفى فحص، هادي بوعياش، رشاد ناصر الدين، ربيع الزاهر، رنيم مراد، يارا أبوحيدر، محمد عقيل، وحسين صباح) واللغة السينمائية المعتمدة وإن تكن أقرب إلى النخبوية منها إلى المناخ الجماهيري.