4 نساء بنيْن بيتاً نموذجياً على الخشبة

قلّما نستمتع بالأداء التمثيلي على الخشبة، ربما لأن النصوص ليست مؤهلة لذلك، لكن هذا المناخ إنزاحت غمامته عن موهبتين تمثيليتين محترفتين لـ "يارا أبو حيدر" و "جيسي يوسف خليل" في مسرحية لمعت بإمرأتين أُخريين أيضاً المخرجة كارولين حاتم في أول إخراج لها، والكاتبة "أرزة خضر" التي أنجزت النص تحت عنوان "البيت" قبل تسع سنوات وقدمته في ورش قراءات عالمية قبل بيروت.

هي 3 عروض فقط (أيام 21، 22، و23 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري) في فضاء" ked" الثقافي شرق بيروت، تمهيداً لعشرة عروض (بين 8 و18 شباط/فبراير2018) على خشبة مسرح مونو- بيروت، وقد فزنا بالعرض الأول الذي شكّل مفاجأة بالغة الإيجابية لنا مع إكتشاف أنثوي رباعي، أجاد وأبدع، إثنتان على الخشبة وأخريان في الكواليس، تنافست "يارا" و "جيسي" أختان لأخ (طارق يعقوب)، نموذجان متناقضا المزاج والمواقف، سواء داخل "البيت" والعلاقة مع الأبوين، أو خارج حدود المنزل والتعاطي مع الناس، لكن الواقع رسم موقع كل منهما، الأولى منحازة بالكامل لذويها بشكل مطلق، والثانية لا تحب البيت ولا أهله، لا بوجود ذويها ولا في غيابهم بحكم الموت، لذا فضّلت من زمان الإبتعاد والإستقلالية، والسكن في بيت مستقل لكي تأمن أنها ستعيش دون إزعاج.

آخر لقاء للأختين كان لتقبل التعازي بوالدتهما، وبعد 40 يوماً بدأت ملامح الصدام بينهما، أولاً لأن إحدى الأختين لا تطيق النوم وحدها، وثانياً لأنها ترفض عرض شقيقتها ببيع المنزل بأكثر من مليوني دولار، بما يسمح للإخوة الثلاثة بنيل مبلغ 800 ألف دولار كحصة لكل منهم من البيع. وفيما المواجهة بينهما إمتدت طويلاً فإن ما حسمها هو البيع ، الذي حوّل الخلاف إلى وفاق والصوت المرتفع صار أخفض، وأكثر تعبيراً عن العاطفة المفترضة بين الإخوة، بعد مواجهات طاحنة وإتهامات مخجلة إشتغل عليها النص بكثير من الواقعية التي أعطت العرض صفة رفيعة من الأداء النخبوي بين "يارا" المسكينة و "جيسي" التي تحب الحياة وتكره الأسْروتريد لنفسها حرية مطلقة، لذا أرادت بيع "البيت" لتجاوز كل ذكرياته وخباياه.

إنه الصراع بين جيلين، وبين نهجي حياة، ينتصر فيه أبناء الأرض فبل أن تستقبلهم السماء، وليس بعيداً من هنا الدور الإجتماعي الذي تلعبه "يارا" وهو الركون للعائلة أياً كانت الظروف، إحترماً للأهل، وما ضحّوا به من أجل أن يبقى الرباط متيناً بين أفراد الأسرة، والنتيجة التي خرجنا بها كانت إستعراضاً صادقاً لحيثيات التناقض في رؤية الأبناء للأمور بعد ذهاب الأهل، لكن المسرحية إعتمدت حل بيع البيت وإراحة الجميع من متاعب الحياة.