إذا فكرت مالياً بهذا السؤال، فلا بدّ أن الأفكار ستتدفق إليك بسرعة. بيت جديد. سيارة جميلة. ثياب أنيقة، وربما طائرة. من المؤكد أن الأجوبة ستختلف بين إنسان وآخر، كلّ بحسب طموحاته وتطلعاته. لكن إن فكرت خارج الدائرة قليلاً، وتخيلت أن مال الدنيا بين يديك ليوم واحد فعلاً، وطرحت على نفسك السؤال نفسه، ما أروع شيء يمكن للمال أن يشتريه لك؟ فماذا سيكون جوابك؟

كي لا نغرّد خارج السرب، طرحت السؤال على نفسي أولاً. توالت الأفكار الجنونية إلى مخيلتي. سفرات إلى بلاد العم سام كل أسبوع، أسواق أحملها بين يدي، عطور فرنسية، ومكتبة عظيمة فيها من نوادر الكتب ما كثر. لكن بعد فترة من الوقت فكرت بالسؤال بعمق أكبر. أما هناك من شيء أعظم أشتريه وأنا أملك مال الدنيا؟ لم أجد جواباً، هل نطاق اهتماماتي ضيق إذاً؟ ربما..

كبار السنّ ربما يكونون الجهة الأمثل للإجابة على سؤال كهذا. فهؤلاء الذين خبزتهم الأيام وعجنتهم التجارب، لا بد وأنهم يعرفون فك اللغز. أبو موسى، رجل في العقد السابع تسلّلت التجاعيد إلى خدّيه باكراً يقول بشكل مباشر: "الأمان يا عمّي. الأمان". لكني عاودت طرح السؤال لأن الأمان لا يُشترى بالمال، لكنه كررّ الجواب نفسه. لم أحصل على إجابة إلى الآن. ربما أجدها عند تلك المرأة التي تمشي ببطء إلى جانب الرصيف، كأن الدنيا تجثم بأكملها على كتفيها. سألتها. أجابت "راحة البال وطنجرة ضغط ليصبح الأكل لذيذاً". "الطنجرة" مقدور عليها بطبيعة الحال لكن راحة البال من يشتريها؟ 

أكملت سيري لعلّي أجد الجواب عند أبو محسن، بائع الفاكهة. ما أروع شيء يمكن للمال ان يشتريه؟ "فنجان قهوة"، أجابني ثم أردف ضاحكاً "هذا السائل البني المرّ، وحده من يجعل رأسك حلواً". فنجان قهوة لتحسين المزاج أروع ما يمكن أن يشتريه المال إذاً؟

لا بد للسؤال أن يُطرح على الشباب أيضاً، فهم ركيزة المستقبل ومنهل الطموح. مجد، الشاب العشريني، أجوبته كانت كثيرة حتى كاد دفتر ملاحظاتي يمتلئ. بدأ من السيارة والبيت، مروراً بمشروع زواجه المتعثر، بسبب رفض والد حبيبته له لأنه فقير، ولم تتنه أجوبته عند "يخت على سطح القمر". لكن فقدانه لوالده جعله يرمي كل تلك الأمنيات جانباً،" لو أني استطيع إرجاع والدي!"، قال مجد. المال في حساباته مهم جداً، لكن والده الذي خطفه حادث سير من حياته. كان أكثر الأجوبة صدقاً وعمقاً على سؤال يتعلق بالمال حصراً، لماذا؟

التفاوت في الأجوبة يرتبط بتفاوت الأعمار والأحلام والرؤى، بين حاجة شخصية وحاجة لشخص آخر، وبين حاجة لاستعادة حضن أبوين أو إيجاد أخ أو أخت. فهذا الذي يطمح بجزيرة له، وذاك العاجز عن المساعدة وهو يرى أن الفاصل بين حياة وموت هي عملية تكلّف مبلغاً هو نسبياً غير كبير، وهذا الذي يريد أن يشتري لأمه بيتاً في الجنة، وتلك التي تحلم بأخ يعزّي وحدتها. البعض غالى في الجواب معتبراً أن المال بحد ذاته أروع شيء في الدنيا، وأهم بكثير من الأخلاق التي برأيهم قد تأتي وترحل.
 يقول نابليون بونابرت "الإمبراطور المثير للجدل" إن قوام الحروب ثلاث "المال والمال والمال". أما فولتير الفيلسوف الفرنسي الذي عاش في عصر التنوير فيقول في المال، "الجميع أمام المال من مذهب واحد". أدرك الفلاسفة والكتّاب أهمية المال في حياة الإنسان وارتباط تلك الأهمية بالسعادة بشكل أو بآخر. المال مهم لدرجة أنه يعادل الروح عند بعض الناس.

لكن بالعودة إلى سؤالنا، الإجابات لم تتطابق، أو ربما تتقارب، بل اختفلت مساراتها وتناقضت وذهبت في غير اتجاه، قد يكون سوريالياً. .

يقول الكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي في المال: "كُنت أسمعُ باسم السعادة ولا أفهم معناها، غير أني كنت أسمعهم إذا ذكروها ذكروا بجانبها القصر والحديقة، والفضة والذهب، والسلطة والجاه، والشهرة والصيت، فلما أحببتُ اعتقدت ألاّ سعادة غير الحب، وأيقنتُ أن الناس جميعاً يطلبون سعادة الأجسام لا سعادة الأرواح، فمثلهم كمثل الدفين المكفّن بالحرير والديباج، وباطنه مسرح الدود، ومرتعُ الهوام والحشرات". السعادة التي سمع عنها الكاتب في صغره سمعنا عنها نحن أيضاً. لم تختلف وربما لن تفعل.

يشكل المال قوة كبيرة للفرد. لهذا قامت بعض الحكومات بوضع تشريعات قاسية للحد من سلطة أصحاب المال وحركتهم. المال سيف ذو حدين. قاسم مشترك بين آمال الشعوب. عولمة الطموح والمصالح المشتركة. المال لغة عالمية يفهمها ويتحدثها الجميع. تحول المال إلى عملاق يستطيع أن يشتري أكثر مما تتوقع، ما دمت "تدفع بالتي هي أحسن". 

أروع شيء يمكن للمال أن يشتريه هو الحب بالنسبة للعاشقين، والصحة بالنسبة للمرضى، والبيت بالنسبة للمشردين، والأمان للقلقين.. خادم جيد هو المال لكن هل ترى؟ أروع الأشياء لا تُشترى.