رسالة إيرانية إلى أميركا.. " صامدون حتى آخر نقطة دم"

تميّزت إيران في سجلّها الإعلامي بإنتاج أفلام ضخمة تُحيي التاريخ الإسلامي وتعود لتذكّر به، كالفيلم الإيراني" محمّد رسول الله" وفيلم " يوسف الصدّيق". الأفلام الإيرانية كانت مرآة تعكس واقع إيران الإجتماعي والثقافي وتنهض بتاريخها الذي يذكّر بالصبر والذكاء الإيرانيين قبل الثورة وبعدها، لكّن كلفة أفلامها تجاوزت بساطتها في " صامدون حتى آخر نقطة دم" ما دفع البعض إلى التساؤل "حتى آخر نقطة دم أو حتى آخر تومان..؟".

"صامدون حتى آخر نقطة دم" فيديو كليب يضع يده على الجرح الإيراني ويسرد قصة طائرة سقطت، وسقط معها 290 إنساناً.
عملت إيران على الدخول في عالم الميديا من بابه الواسع وإنتاج أفلام فازت بجائزة الأوسكار العالمية كفيلم "انفصال" الذي فاز بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبي عام 2011. وأصبح هناك أفلام إيرانية تُصنّف في قائمة " أفضل الأفلام في تاريخ السينما". كـ فيلم (آیینه) أي المرآة، وفيلم (یک داستان واقعي) أي قصة واقعیة للمُخرج أبوالفضل جلیلي. ومن أهم أساتذة السينما في العالم هو المُخرج الإيراني " عبّاس كيارستمي" الذي خلق كوكباً سينمائياً مستقلاً بحد ذاته ورحل مؤخراً.

في زمرة هذا الإزدحام الإعلامي، أطلّ فيديو كليب بعنوان " صامدون حتى آخر نقطة دم"، ثماني دقائق، ثماني دقائق تعود بك 28 عاماً إلى الوراء، إلى عام 1988، عندما قامت سفينة حربية تابعة للقوات البحرية للولايات المتحدة الأميركية بإطلاق صاروخ نحو طائرة إيرانية مُتّجهة نحو دُبي وقُتل جميع ركّابها ال 290 بينهم 66 طفلاً. تعدّ هذه الجريمة في المرتبة الثامنة في العالم للحوادث الجويّة من حيث عدد الخسائر البشرية في التاريخ.

لطالما تميّزت السينما الإيرانية بالبساطة والأصالة، تلك البساطة في قصص أفلامهم البعيدة كل البُعد عن التعقيد، أو دسّ وحشو تفاصيل لا معنى لها، والأصالة في عرض القصص التي تميّز المجتمع الإيراني وعاداته وميوله، فتشعر مع كل فيلم أنك قد قمت بزيارة إلى إيران وتعرّفت إلى أهلها عن كَثَب.

لكن الحال في فيديو كليب " صامدون حتى آخر نقطة دم" اختلفت. الفيديو كليب خرج عن نطاق المعروف والمألوف عند الإيراني وذهب إلى الخيال المَحض. ما أثار تساؤلات كثيرة في الوسط الإعلامي الإيراني. صحيفة "جاوان" الإيرانية قالت إن أكثر من مليار ومئتي مليون تومان اُنفقت على الفيلم وهي تكلفة مُرتفعة حقاً.( أي ما يعادل ثلاثمئة وخمسة وثمانون ألف دولار) .وذهب موقع  "تابناك" الإيراني للقول بأن " الفيلم بميزانية هوليوودية وجودة بوليوودية" نسبة إلى سينما بوليوود الهندية. المغرّدون على مواقع التواصل الإجتماعي تساءلوا كذلك عن سبب الكلفة المُرتفعة للفيديو كليب وقال أحدهم مُتهكّماً " حتى آخر نقطة دم أو حتى آخر تومان..؟".


أكثر من مليار ومئتي مليون تومان اُنفقت على فيديو كليب " صامدون حتى آخر نقطة دم".
“صامدون حتى آخر نقطة دم" لم يتميّز بالبساطة إذاً، الشباب الإيراني ذهب في الفيديو خلف الغيوم، وخاض غِمار البحر عائداً بإرادة وعزم خوّلته بمحو الأسى في لحظة " سينمائية". ما جعل الفيلم محطّ أنظار المُنتقدين الذين قالوا إن " الفيلم لا يتناسب مع الأسلوب الإيراني الذي يُفضّل البساطة في المُعالجة".

الميادين نت تحدّثت إلى الناقد السينمائي " سعيد محمدي" . محمدي أوضح " أن العمل يُصنّف كـ فيديو كليب من نوع خيالي، وأن تكلفة الفيديو كليب كانت عالية جداً"، يعود ذلك برأيه إلى " أن إيران لا تملك تجربة في عمل فيديو كليب خيالي من هذا النوع". مُشيراُ الى أن " العاملين في هذا الفيلم من الشباب المُتخرّجين من الجامعة حديثاً والفيلم كان فرصة لتجاربهم العملية، وهذا ما زاد الكلفة على الإنتاج". مُضيفاً أن " مواجهة أميركا هو العنوان العام الذي يحمله الشباب الإيراني في عقله وإرادته، ويعمل الإيرانيون على تطوير هذا المُصطلح ليلاً نهاراً بكافة الوسائل".

ويؤكّد محمدي " أن الإيراني يريد أن يوصِل للأميركي رسالة مفادها أن الجريمة التي ارتكبوها بحقّ الطائرة الإيرانية لن تُنسى حتى في أعمالهم الفنية والأدبية"، شارحاً " أن الإعتداء الأميركي على الطائرة محفوظ في خيال الإيراني، وفي عقله محفوظ انه سيردّ عليه، هذا الخيال نفذّ كقصة تحوّلت إلى فيديو كليب خيالي يلمّح إلى أن وجودنا كإيرانين بجانب بعضنا البعض يمكننا من التغلّب على جميع المصاعب".

وفي جواب عن سؤال يتعلّق بأراء المُعلّقين على الفيديو كليب نفى محمدي أن يكون هدف الفيديو كليب التحريض على حرب مع أميركا، قائلاً " إن المُعلّقين على الفيديو كليب يتّهموننا بأننا نُحرّض على حرب من خلاله وهذا ليس صحيحاً، الفيديو كليب يريد أن يقول للأميركي أننا نملك الثقة والقدرة الكافية لمواجهته".

" الفيلم لا يتناسب مع الأسلوب الإيراني الذي يُفضّل البساطة في المُعالجة".
بعد 28 عاماً على وقوع حادثة الطائرة  يؤكّد محمدي"  أن الأميركي لا يجرؤ على إعادة الكرّة لأن إيران اليوم ليست كإيران البارحة، توازن القوى بين البلدين لا يسمح لأميركا بتجديد هكذا ضربة موجِعة لإيران".مُضيفاً " إن عملاً بهذا الحجم وهذه الدّقة يُلفت أنظار العالم وخصوصاً الجيل الجديد نحو أميركا المُجرمة، ودفعهم نحو تذكّر هذه الحادثة، أو التعرّف عليها".

الفيديو كليب يضع يده على الجرح الإيراني ويسرد قصة طائرة سقطت، وسقط معها 290 إنساناً، يتخلّله عرض لصبر المواطن الإيراني وخوضه غِمار البحر للدفاع عن بلده، ويظهر التحدّي في عيون الإيرانيين لمواجهة كافة الصعوبات ورفع علم إيران عالياً مهما كلّف الثمن.