دزينة روائع لـ "عبد الوهاب" بصوت من الزمن الجميل
ظننّا لوهلة أننا أمام مذياع قديم من حقبة الأربعينات يبث أغنيات لكبار المبدعين، أيام (سيد درويش، زكريا أحمد ورفاقهما) وصولاً إلى المجدّد في الموسيقى العربية الموسيقار "محمد عبد الوهاب" الذي كان ضيف مسرح "مترو المدينة" ليلة الثلاثاء في 20 آب/ أغسطس الجاري، في ليلة حملت عنوان "عندما يأتي المساء – سهرة من أغاني محمد عبد الوهاب" كان نجمها من دون منازع غناء وعزفاً على الكمان "خضر رجب".
ساعتان إلاّ دقائق قليلة أمضيناها في كوكب آخر. مع صوت مشع مبهر ومؤثر يحمل كل ملامح الزمن القديم مع الفنان "رجب" الذي رأيناه ولم يرنا، لكن يكفينا أنه أمتعنا بعمق تأثير كمانه في نفوسنا، وصوته البديع الذي أقنعنا بوجود صوت آخر غير الرائع "صفوان بهلوان" يستطيع أن يبلغ أقرب مسافة من صوت "عبد الوهاب" وكاريسماه المؤثرة جداً. نعم لقد نجح "رجب" الذي تتلمذ على يد الفنان المبدع "عبد الغني شعبان" (في مجالات الدور والموشح والموال يوم كان في إحدى مدارس المكفوفين) وبإمتيازفي الهيمنة على الصالة والحاضرين في حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي، وكان الحضور من الجنسين في مناخ إنسيابي عميق التأثر مع أدائه لإثنتي عشررة أغنية من روائع الموسيقار "محمد عبد الوهاب".
يستحيل أن تنجح الكلمات في إيجاد التوصيف اللائق بصوت وأداء الفنان "رجب" مترافقاً مع عزفه الشاعري على الكمان وكأنما لا يكفي الآلة ما فيها من شجن وميلودراما حتى يفجّر "رجب" طاقاتها وأبعادها في أغنيات "عبد الوهاب" الخالدة (بفكر في اللي ناسيني، خايف أقول اللي في قلبي، كل ده كان ليه، حبيبي لعبتو الهجر والجفا، يا جارة الوادي، إجري إجري قوام وصلني، مين عذبك، إيمتى الزمان، عندما يأتي المساء، قوللي عملك إيه قلبي، سهرت منه الليالي، وصفولي الصبر)، كل الأنغام كانت مثالية مع الفريق المصاحب من العازفين: "زياد جعفر" (عود) "سام دبول" (قانون) "مازن ملاعب" (إيقاع)، كانوا عُصبة واحدة مع "رجب" بطاقته المضاعفة من التطريب والتجويد بالحماسة نفسها على مدى وقت السهرة.
"خضر رجب" مجاز في اللغة العربية وآدابها، مع خبرة طويلة ضمن فرق عديدة عازفاً ومغنياً، وسبق أن أطرب جمهور الـ "مترو" بسهرتين مع ريبرترتواريْ "محمد عبد المطلب" و"سيد مكاوي"، ومستمع دائم لكل حيثيات الأصالة والتراث على مدار الساعة.