إسرائيل وتركيا.. عودة الأنخاب
كيف يفسر أردوغان لقاعدته الشعبية الانعطافة في علاقات بلده نحو إعادة التطبيع مع إسرائيل؟ يتخذ السؤال منحى جدياً أكثر على ضوء الاتفاق المسرب بشأن الاتفاق مع تل أبيب والذي يبدو أنه يميل إلى الكفة الإسرائيلية وينطوي على تنازلات تركية.
-
الكاتب: علي فواز
- 19 كانون الأول 2015
على مدى عقود كانت تركيا أوثق حلفاء إسرائيل في المنطقة.
مزيد من المعطيات تؤكد أن العلاقات التركية الإسرائيلية متجهة إلى إعادة
تموضع. تصريحات جديدة تكشف أيضاً أنه يتعذر فهم تلك العلاقات دون أخذ العوامل
الداخلية في كلا الدولتين بعين بالاعتبار.
تصريح إسحاق هرتسوغ كفيل بشرح ذلك. يقول رئيس المعارضة الإسرائيلية إن
"الاتفاق المتبلور مع تركيا جاء متأخراً وكان يمكن التوصل إلى اتفاق أفضل قبل
سنتين أو ثلاث".
يوضح هرتسوغ أسباب هذا التأخير: خوف نتنياهو من رئيس حزب "إسرائيل
بيتنا" أفيغدور ليبرمان.
المزاودة التي دأبت عليها اللعبة السياسية الداخلية الإسرائيلية لا يمكن
فصلها عن هذا الملف. ترفع الأحزاب الصهيونية سقف الكلام تحقيقاً لمكتسبات تكتيكية.
لعبة جمهور ونقاط ورأي عام.
الجانب التركي يمتهن هذه اللعبة جيداً. قادة حزب العدالة والتنمية يدركون
مزاج ناخبيهم واتجاهاتهم.
بعض المراقبين يجزم أن العلاقات بيين الدولتين المنضويتين تحت حلف الناتو
لم تهتز دعائمها أصلاً. يفسرون التوتر الظرفي في العلاقة انطلاقاً من رغبة أردوغان
بخلق عداء وهمي لخداع مؤيديه. على مدى عقود كانت تركيا أوثق حلفاء إسرائيل في
المنطقة. هذا ثابت.
هناك ما يدلل بحسب باحثين أنه منذ البداية قبلت تركيا بالدونية في العلاقة
مع إسرائيل. لقد انطلقت النخب العلمانية التي توالت على حكم تركيا من افتراض مفاده
أن تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة يستدعي توثيق العلاقة مع إسرائيل. وبفضل هذه
العلاقة، تعاظم التعاون الاستخباري والأمني بين الجانبين على مدى عقود.
ومن المفارقات التي حكمت فترة التوتر أن العلاقات الاقتصادية
بين الجانبين تعاظمت ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
كيف يفسر أردوغان لقاعدته
الشعبية إذاً هذه الانعطافة اليوم؟ يتخذ السؤال منحى جدياً أكثر على ضوء الاتفاق
المسرب. اتفاق يبدو أنه يميل إلى الكفة الإسرائيلية وينطوي على تنازلات تركية.
يبقى السؤال معلقاً إلى حين إعلان الاتفاق بشكل رسمي وتوضيح بنوده. إلى ذلك
الحين تتكشف جدية التوجه الجديد تباعاً.
شروط الاتفاق تتفاعل في إسرائيل
تنقل الإذاعة الإسرائيلية عن مسؤول حكومي تركي كبير يوم الجمعة (18 كانون الأول ديسمبر) بأن التوصل الى
اتفاق نهائي أصبح وشيكاً. يرفض المسؤول الإفصاح عن هويته إلا أنه يؤكد أن تطبيع
العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بات مسألة وقت.
يذكر المسؤول مجهول الهوية أن تقدماً أحرز في المفاوضات. تحديداً في رفع
الحصار عن قطاع غزة وصرف تعويضات لتركيا على خلفية حادثة مرمرة. لم يؤكد المسؤول
التركي التقارير التي نشرت في إسرائيل عن أن تركيا ستقيد نشاط القيادي الحمساوي
صالح العروري داخل أراضيها، لكنه يشير، في نفي ينطوي على التأكيد، أنه "لم
يتم التطرق إلى أسماء محددة"، ويضيف "إذا ما طلبت إسرائيل ذلك فسيتم بحث
هذه المسألة".
على الجانب الإسرائيلي المسألة ما زالت تتفاعل. أفيغدور ليبرمان يصرح أن
"الاتفاق مع الأتراك لم يستكمل بعد لكن الضرر السياسي حدث". يقول
اليميني المتطرف (حسب التوصيف الإسرائيلي) إن "الانتهازية ليست بديلا للسياسة
الحكيمة والرزينة". يصف أردوغان بأنه زعيم نظام إسلامي راديكالي. يقول إن
الأتراك يتاجرون مع داعش. "اجتاحوا العراق خلافا لكل القواعد في الساحة
الدولية ولديهم توترات مع سوريا".
يستعرض رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" رؤيته السياسية تجاه هذه
المسألة. يقول إن إسرائيل استثمرت في السنوات الماضية جهوداً في تطوير وتعزيز
العلاقات مع اليونان وقبرص وتوصلت إلى تفاهمات حول تعاونات مهمة، ويعتبر أن إعادة
التطبيع مع أنقرة سوف تضر بتلك العلاقات. يضيف أن من شأن هذه الخطوة أن تمس أيضاً
بالعلاقات مع مصر، غريمة أردوغان.
يدرك ليبرمان أهمية قطاع غزة الذي تحكمه حماس بالنسبة لأردوغان ذي
التوجهات الإخوانية. يقول في هذه المسألة إنه يجد صعوبة في رؤية أردوغان يتخلى عن
مطالبه في مسألة غزة، ويعتبر أن كل موطئ قدم للأتراك في غزة سيكون على حساب مصر.
بالمقابل يصف زميله في المجلس الوزاري زئيف الكين الاتفاق بأنه معقول. وزير
شؤون القدس يؤكد في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية أن كيانه لم يوافق على
"المطالب المبالغ فيها التي عرضتها الحكومة التركية لاسيما التعويضات الضخمة
ورفع الحصار عن قطاع غزة". ويؤكد أن أنقرة وافقت على تقييد نشاط حماس على
أراضيها.
هذه التأكيدات انسجمت مع ما أدلت به مصادر سياسية وصفت بالرفيعة لوسائل
الإعلام الاسرائيلية. هذه المصادر ذهبت إلى أبعد
من التأكيدات بالقول إنه إذا أصرت أنقرة على هذا البند في الاتفاق المتبلور فلن
يتم التوصل إلى أي تسوية.
وشددت المصادر على أن
التقارب الإسرائيلي التركي لن يمس بالعلاقات الإسرائيلية الروسية. كما قالت إن
الاتصالات مع تركيا بشأن تصدير الغاز لن تأتي على حساب العلاقات الوطيدة بين
إسرائيل وكل من مصر وقبرص واليونان. وأشارت إلى أن إسرائيل لا
تحول أنقرة إلى حليف استراتيجي بل تقوم بترتيب العلاقات معها.
من المفارقات التي حكمت فترة التوتر أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين تعاظمت ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة.