...وفي مليتا ربطّ مدفع "الميركافا"!

موقع "الميادين نت" يجول في معلم مليتا الجهادي حيث تتجسّد صور مشرفة من حياة مقاومين تعايشوا مع الغابة ووحشتها وتلحّفوا أنفاقاُ تحت الأرض ليمطروا العدو المحتل بكوابيس ماحقة، وينقل مشاهدات هامة لسلاح مقاوم يثبت دوماً جدارته بفضل تصميم سواعد المسددّين.

"الميركافا"أمست نعوشاً لجنود العدو في جنوب لبنان

احتفالاً بذكرى اندحار العدو الإسرائيلي عن لبنان عام 2000 مروراً بهزيمته على أيدي المقاومين أنفسهم في عدوان عام 2006، ها هو موقع "الميادين نت" في معلم مليتا الجهادي الذي يجسّد ذروة انتصار شعب حيّ ومقاومة ماجدة في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط، في أرض عزّة وشرف بقيت معالمها مجهولة على مدى سنين، ومن تحت الأرض ومن داخل أنفاق حفرت بدماء القلوب وارتوت بعرق الجباه في جوف الصخر.
إلى حيث طرد العدو الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000، ينسى الزائر لمعلم مليتا الجهادي الخلافات السياسية ومحاولات استحضار الفتن المذهبية في لبنان والعالم العربيّ.. والتصويب المقصود على سلاح مقاوم جعل للبنان قيمة وكرامة وحضوراً، ولولا تكاتفه مع سلاح الجيش اللبناني لكانت عاصمة لبنان بيروت اليوم ترزح تحت رجس الإحتلال الإسرائيلي الطامع دوماً في أرضنا ومياهنا وخيراتنا.

نتحلّق اليوم حول أقنـوم من أقـانيم الثالوث الذهبيّ الحامي في لبنان (الشعب، الجيش، المقاومة) على مسافة188 كلم من القدس المحتلة.

طير الباشق "صديق الشباب" !

"طير كبير فوقنا ....أنظرو ...أنظروا!".... يصرخ الصبّي بتلقائية عند وقوفه أمام بوابة معلم مليتا، فيّيممّ الجميع نحو السماء، حيث يجيب أحد الشباب المولجين بإستقبال الناس ومرافقتهم داخل مليتا:"هــذا "الباشق" صديق الشباب في هذه الغابة وهو لا يزال "يحرس" هذا المكان، لذلك تجدونه شعاراً لمعلم مليتا لإنه طائر صعب واثق لا يهدأ ولا يعرف الهزيمة ولا التراجع" !

وفود لبنانية وعربية وأجنبية تتقاطر يومياً إلى معلم مليتا الذي افتتحه الأمين العام لحزب السيّد حسن نصرالله في 21 أيار/ مايو عام 2010. ففي هذا المكان بالذات يدرك المرء كيف هزمت ثلّة من الأبطال المؤمنين الواثقين من قدراتهم أقوى جيش في الشرق الأوسط... ويتأكد من تسليم إسرائيلي بالهزيمة عبّر عنه تقرير القاضي الإسرائيلي "فينوغراد" حول أسباب فشل جيش العدوان على لبنان عام 2006 . فتمرّغت رؤوس جنرالات إسرائيل في الوحل اللبناني.. وأيّ وحل؟!

تقرير للزميلة رانا أبي جمعة من مليتا

"كيف يكشفون أسرارهم؟"

مدخل أحد الأنفاق

رجل أردنيّ ثمانيني نطق بالحقّ بعد زيارته معلم مليتا مستنتجاً بحزم: "ما في حرب إسرائيلية على لبنان، أنا متأكد!". موضحاً بلجهة "الختيار" المخضرم: "العرب بجيوشهم الجرارة ما قدروا على إسرائيل، واللي بيشوف دبابات العدّو المدّمرة بهالمكان بيعرف إنو إسرائيل رحّ تفكّر مئة مرة قبل ما تهاجم لبنان".
وتصرّ إحدى الناشطات الشابات اللبنانيات على إصطحاب عائلتها لزيارة هذا المكان، الذي وصفته بـ"الفريد من نوعه والذي يروي قصّة بطولة حقيقية... والزائر يتفاجىء عند مشاهدته ما تقع عليه عيناه هنا."
وبينما ينهمك سائح أجنبي بتصوير كلّ ما يشاهده، تستغرب سيّدة عربية قادمة من الكويت، كيف تسمح قيادة المقاومة بكشف أسرارها العسكرية أمام الجميع؟! فيجيبها زوجها بعفوية:"لو ما كان عندهم شي أهم ووصلوا لمراحل متقدّمة أكثر... ما كان بيسمحوا بكشف هالأسرار!"

هندسة رائعة ورود ومياه ....

 مليتا هو أول متحف من نوعه يحكي ذاكرة مكان وزمان من تاريخ لبنان، متحف فوق الأرض وتحتها هدفه التعريف عن قرب بالتجربة الفريدة للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي منذ إحتلاله بيروت في العام 1982.
60,000 متراً مرّبعاً من الحدائق والأحراج، و4,500 متراً مربّعاً من المساحات المبنية، استغرقت 150,000 ساعة عمل، وشارك فيها 50 مهندساً من مختلف الإختصاصات فضلا عن 40 مختصاً، وهم من مختلف المناطق اللبنانية.

ممرّ الدخول يبعث على الإنشراح خاصة مع وصولنا إلى بركة مائية مزنّرة بحدائق الورود، حيث حرص مهندسو هذا المعلم على إفراد مساحات واسعة للحدائق التي تتخللها مقاعد حجرية. مئات برّادات المياه في الحدائق والممرات وحتى وسط الغابة الوعرة تروي عطش الزّوار، خاصة وأن الجميع شيباً وشبابا يصرّون على زيارة كلّ زاوية من زوايا المعلم، تحت الأرض وفوقها، وعبر وعر الغابة التي تمتد على مساحة 50,000 متر مربع وصولا الى قمة "لمطلّ" الذي يرتفع 1,100 متراً عن سطح البحر.

قبل المباشرة، لا بدّ من مشاهدة فيلمين في قاعة السينما الخاصة بمعلم مليتا، الأول يحكي تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي منذ ما قبل نكبة 1948 في فلسطين، مروراً باحتلاله لبنان ثم خروجه منه مهزوماً، بينما يؤرشف الفيلم الثاني لمراحل تأسيس مليتا قبل أنّ يشدّ الجميع الرحال إلى "المسار"، أيّ الغابة التي كان يتخذّها المقاومون ملاذاً لهم فحفروا فيها الأنفاق تحت الأرض ومهدّوا الممرات داخلها.

هندسة رائعة للهاوية حيث رميت الدبابات والآليات الصهيونية بطريقة ملفتة

"قصر" السيّد عباس !

"الدشمة" التي كان يستخدمها الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد عباس الموسوي للقيادة والصلاة

في بداية "المسار" تستقبلنا دشمة الشهيد السيّد عباس الموسوي (الأمين العام لحزب الله الذي اغتاله العدو الإسرائيلي بغارة عام 1992). في هذه الدشمة العسكرية المتواضعة بين صخرتين، لطالما تواجد السيد عباس ليوجّه المقاومين ويحتضنهم ويشد من أزرهم...وهنا علّق أحد المغتربين اللبنانيين القادم من أستراليا ساخراً:"هذا هو قصر السيّد عبّاس الموسوي يا جماعة .. مثل قصور الزعماء اللبنانيين والعرب"!

"اللقاء" مع السلاح المقاوم

هنا يبدأ اللقاء مع "سلاح المقاومة". راجمة تطلّ من تحت الأرض، مدفع هاون بين أكياس رملية، مدفع رشاش يروي حكاية أيام من النضال، قاذف صاروخي لطالما ألهب مواقع الاسرائيليين، تجسيد لمقاوم يسدد قاذف الـ "آر بي جي"، مشهد للإسعاف الحربيّ للمقاومة، إلخ... ومع استمرار الإنحدار نزولا نلمح أغطية باطونية لفوهات مغلقة بين الأشجار: فنطرح السؤال البديهي: ترى إلى أين تفضي هذه الفوّهات؟
في أسفل الغابة يصطفّ جمع غفير من الزّوار منتظرين الدخول إلى الأمكنة الأكثر اثارة وتوقاً، والتي كان يطلع منها المقاومون "كالكوابيس والأشباح" في وجه الجنود المحتلّين.

سلاح المقاومة الذي أبلى البلاء الهام في عدوان 2006

"حياة ثانية" تحت الأرض

غرفة القيادة والتحكّم تحت الأرض

قشعريرة تسري في الأبدان فتلفح الوجوه نسمة باردة تهبّ من مدخل النفق بسبب التغيير السريع في الحرارة، فضلا عن قطرات الماء الخفيفة التي تنساب عبر جدران النفق. نلج عالماً آخراً، مفعماّ بالإثارة. فالنفق الممتد عمقه حوالي 400 متراً في الجبل، مضاء بالكهرباء ومزّنر في بعض أقسامه بالصفائح الحديدية منعاً لتساقط الأتربة، فضلا عن مستلزمات التهوئة والأطفاء والسلالم وفوّهات الطوارىء والمخارج الإحتياطية ، ولا ننسى وسائل الإتصال عبر شبكة الإتصالات الخاصة بالمقاومة. يلفتنا مشهد غرفة القيادة والتحّكم تحت الأرض، حيث الخرائط والأجهزة والحواسيب وغيرها....

بعد مسير داخل نفق يفضي إلى غرفة زجاجية وضعت فيها أدوات الحفر التي استخدمها المقاومون ذات يوم، رغم وجود جيش الإحتلال في المنطقة وبعد مسير على عمق 200 متر، نصل الى المغارة التي تناوب المقاومون على حفرها وتدعيمها لحمايتها من القصف المعادي على مدى 3 سنوات. المغارة تضمّ غرف العمليات الميدانية المجهّزة بالخرائط ووسائل الإتصال وأجهزة الكمبيوتر، فضلاً عن غرف الصلاة والمعيشة والراحة .

إلى "خط النار" فـ "الهاوية"!

في بانوراما مشهدية فيما سمّي بـ "خطّ النار" يتم استعراض جزئي لأسلحة المقاومة على طريق صاعد بطول 200 متراً يظهر فيها كيف طوّرت المقاومة بنيتها العسكرية منذ 1982، ومزجت بين أساليب القتال الكلاسيكية والفدائية والتقنّيات القديمة والحديثة بمهارة فائقة على كافة الأصعدة القتالية. لكن ما استوقفنا عرض قيادة المقاومة للصواريخ المتطورة التي دمّرت وحرقت دبابات الميركافا من الجيل الرابع خلال عدوان تموز/ يوليو على لبنان. فهل حلّ مكانها ما هو أفعل وأمضى؟

بانوراما للهاوية في مليتا

ملالات ومدافع مقلوبة!

خوذ جنود العدو الصهيوني في قعر الهاوية

وّفق المهندسون في إعداد "الهاوية"وهي عبارة عن حفرة كبيرة مثّلت عملاً مشهدياً تركيبياً على مساحة 3,000 متر مربع يجسّد الهزيمة الإسرائيلية، حيث تمّ تشكيله مع بعض مدرّعات وآليات وأسلحة العدو التي غنمتها المقاومة. وجاء تجسيد هذه الآليات بطريقة هندسية رائعـة، فمـدفـع دبابة "الميركافا" مربوط، والمدرعات شقّت الى نصفين، والمدافع قلبت لتغرس فوهّاتها في الباطون، أما خوذ الجنود فألقيت ونثرت بالعشرات على الأرض مع شعار الجيش الإسرائيلي المخروق.

صور جوية وإحداثيات مدن العدو !

لا يكتمل مشهد "الهاوية" إلاّ بالدخول إلى القاعة التي وضعت فيها غنائم الحرب والعتاد العسكري الخفيف والمواد العينية للجنود الإسرائيليين مع شهادات ومشاهد وصور للخيبة والهزيمة على وجوههم. أما اللافت هي الخرائظ الضخمة لهيكلية جيش العدو بالرتب والمراكز وتوزيعها مناطقياً داخل فلسطين المحتلة، مروراً بصور جوّية للمدن والمنشآت الإسرائيلية العسكرية والحيوية وصولاً إلى مفاعـل" ديمونا" النووي، حيث عرضت مع إحداثياتها العسكرية الدقيقة ... وهذا بحدّ ذاته إنجاز هام من إنجازات المقاومة !
وفي هذه القاعة أيضاً تطّلع على شهادات لمسؤولين وجنرالات اسرائيليين تقرّ بالهزيمة الواضحة في لبنان... قبل أن تشاهد صوراً لجنود يغرقون في الوحل ويبكون ويحملون نعوش قتلاهم.

أحد أنفاق مليتا تحت الأرض

إلى التلة .... درّ !

راجمات قفصفت شمال فلسطين المحتلة

وإلى "التلة" درّ بمرافقة "الباشق الصديق"!
وهي مساحة مستحدثة فيها نصب يرمز للشهداء، شيّد على أعلى قمة فيها. تطلّ على الكثير من المواقع العسكرية الإسرائيلية السابقة. ومن هذه التلة التي ترتفع 1,000 مترٍ عن سطح البحر نستطيع مشاهـدة "تومات نيحا" في جبل لبنان فضلا عن تلال أقليم التفاح، ومن الجنوب يبدو البحر بمنظره الرائع خاصة مع أولى لحظات الغروب.

وفي مليتا أيضاً مكان عزيز على قلوب المقاومين ألا وهو"البئر" الذي استخدمه المقاومون لسنوات طويلة، على الرغم أنها كانت توحل لأشهر عدة بفعل تدفّق السيول والأتربة اليها!

تلفريك....وسياحة تحميها القوّة !

في "مليتا" تستشعر مدى قوّتك كلبناني وعربيّ... لا بل تشعر بعزّتك كإنسان في وجه الظلم والشرّ أينما وجدا .... هنا تنسى الخلافات السياسية والطائفية والمناكفات، حتى أن وزير السياحة اللبناني فادي عبـود وعنـدما زار "مليتا" وقف خلف أحد مدافع الهاون معتبراً "أننا بقوتنا نحمي سياحتنا ووطننا".

ونحن نغادر المكان نشاهد استكمالاً لورشة البناء. هنالك طموح مشروع إقامة "تلفريك" بين معلم مليتا والتلال التي كانت مواقع إسرائيلية في فترة الإحتلال.

"الباشق الصديق" يرفرّف بجناحيه حامياً، وهاهو يستودعنا السلامة...سلامة لبنان بثالوثه الذهبي: "الجيش اللبناني الباسل، والمقاومة البطلة، والشعب الوفيّ الصامد."

"الميادين نت" في دشمة "سجد" الشهيرة التي قارعت المواقع الإسرائيلية قبل التحرير

اخترنا لك