مبادرة: طاقة شمسية مجانية في طرابلس اللبنانية
رجل أعمال لبناني"ميناوي" مجهول يلبي حاجة مئات من أبناء مدينة طرابلس اللبنانية بالطاقة الشمسية والمياه العذبة مجاناً.
تنعم مئات العائلات في مدينة الميناء بطرابلس اللبنانية بالطاقة الكهربائية، وعبرها من طريق المصادفة بالمياه العذبة، بمبادرة من أحد أبنائها الموسرين الذي غطّى تكاليف تأمين الطاقة الشمسية، وتجهيز بئر ماء عذبة، ولا يريد الكشف عن اسمه.
كثيرون لا يصدّقون أنه لا يزال هناك في لبنان من هو مستعد للمساعدة المجانية، من دون غايات، خصوصاً منها الأهداف السياسية التي تبدأ بالمخترة، فالبلدية فالنيابة...
لكن مدينة الميناء، التي لا تزال تتمتّع بحيّزٍ واسع من التضامن الاجتماعي، والتراث العائلي التقليدي الخالي من غاية وثمن، تشهد على هذه الحقيقة عبر مبادرة هي فريدة من نوعها، أو ربما نادرة على أبعد حدّ.
يتولّى إدارة المبادرة بتكليف من صاحبها، مختار مدينة الميناء رامي الدبس، مع فريق عمل اختاره على قاعدة التفاهم والانسجام بين أفراده.
يؤكّد الدبس لـ "الميادين نت" أن صاحب المبادرة من أبناء المدينة، وهو يحبّها، ويتعلّق بتراثها الانساني، وبتقاليدها الاجتماعية القائمة على حبّ الآخر، والحرص على أن تكون مدينته على أحسن ما يرام، وهو رجل أعمال متنقّل بين لبنان والخارج، وليست له أيّة خلفيات من وراء عمله".
بدأت المبادرة تحت ضغط الأزمة، وفقدان الطاقة الكهربائية، أو تأمينها بأسعار عالية، لم يعدّ كثرون قادرين على تحمّل أعبائها، ما أثقل كاهل جمعية محلية تعنى بالمسنين، وترعى مأوىً لهم يحتضن ما لا يقل عن 70 عجوزاً.
مأوى العجزة المفتاح
وإذ تذرّ الأزمة بقرنها، وتنوء الجمعية ذات الموارد المحدودة القائمة على تبرعات شحّت بدورها تحت وطأة الأزمة، تهدّدت حياة العجزة بانقطاع التيار عن المأوى، وعجز الجمعية عن تغطية تكاليفه التي باتت تبلغ السبعماية دولار شهرياً، بحسب الدبس.
تكاليف تأمين تيار رديف باتت خارج قدرة أي انسان من ذوي الدخل المحدود الذين باتوا أكثرية اللبنانيين، يقول الدبس مضيفاً أن "أصحاب المولدات لم يعودوا يكتفون بالمعقول من الربح، وعلاوةً على ذلك، بلغ الأمر معهم بعدم تأمين التيار بصورة معروفة، وليس الأمر مجهولاً على أحد".
بدأت المبادرة بالمأوى، عندما بادر الدبس، ومن معه من أصحاب نخوة ما تزال متوافرة في الأحياء الشعبية للميناء، إلى البحث مع إدارة المأوى عن مخرج لأزمة الطاقة رحمةً بالعجزة الذين لا تحتمل أوضاعهم ضغوطاً صحية، وتمّ التوصل إلى أن الحلّ يكمن بالطاقة الشمسيّة.
يفيد الدبس عن مراجعة شركات تؤمن الطاقة الشمسية للمأوى، والوقوف على تكاليفها، ويقول: "بحثنا عن مموّل للمشروع، فوصلنا إلى أحد أبناء المدينة الذي راعه أمر تعرّض عشرات العجزة للخطر، فتبرّع بتغطية نفقات المأوى من الطاقة الشمسيّة، وتمّ حل مشكلة المأوى على يد هذا الرجل".
مشروع عام
النتيجة الإيجابية التي لمسها منفذو المشروع دفعت بالرجل عامل الخير لأن يقترح إنشاء محطة تزوّد الميناء بالطاقة. يروي دبس أنه جرى تجريب موقعٍ مهجورٍ تابعٍ لأوقاف الكنيسة، واتفقنا مع إدارة الاوقاف لاستخدام الفسحة الواقعة قبالة "المدرسة الوطنية الأرثوذكسية" في الميناء، ونشرنا فيها عشرات مئات الألواح الشمسية، وحاولنا توزيع التيار منها على منازل الأكثر حاجة".
يتحدث دبس عن عقبات ومشاكل تواجه مشروعاً عاماً للطاقة الشمسية، خصوصاً منها مدّ كابلات لمسافات بعيدة، وتأمين "ديجينترات"، وعدّادات لضبط المصروف لكي يتنسى للطاقة المتوافرة من المشروع تغطية أكبر عدد ممكن من البيوت، واستطعنا بجهود مضنية تأمين نحو 180 منزل بطاقة خمسة أمبيرات، الكمية التي كان يؤمنها اشتراك المولدات بأسعار باهظة، وفترات متقطعة.
مشاريع بالمفرّق
وبالتشاور مع رجل الأعمال توصّل المتابعون للمبادرة إلى حلّ آخر وهو تزويد البيوت الفقيرة بصورة إفرادية من المدينة القديمة، وارتؤي أن يعطى كل منزل حاجته من الألواح، والانفرتر، وبطاريتي "ليثيوم" ما تقارب تكاليف كل منزل 2300 دولار أميركي.
امتدّ العمل شهوراً، والورشة قائمة، تتمدّد داخل الاحياء، غالبيتها من المنازل التراثية القديمة التي لم تكن أسطحها قابلة لتحمّل أثقال سندات الحديد والألواح، ويفيد دبس أنه "كان علينا تدعيم أسطح المنازل قبل التجهيز، وهكذا كان، إلى أن بلغ عدد المنازل 800 منزل، يضاف إليها المنازل المستفيدة من المشروع العام، ليناهز العدد 980 منزلاً".
وهل اقتصر المستفيدون على أبناء طائفة معيّنة، يقول الدبس إن عملنا اعتمد الأحياء الفقيرة، بغض النظر عن هوية أبنائها، وهي في جميع الاحوال أحياء مختلطة من المسلمين والمسيحيين، ونال كل أبناء الحي المساعدة بغض النظر عن انتمائه، فهنا، في الميناء، نتعايش أخوة منذ تاريخ قديم".
اكتشاف بئر
خلال البحث في تجهيز المشروع العام في "بورة" الأوقاف، عثر فريق العمل على بئر ماء مهملة، فعمل على كشفها، مستفسراً عم ماهيتها، فارتؤي فحص مياهها، وتمّ ذلك في مختبرات غرفة التجارة والصناعة في طرابلس، وهي مختربات عالية التجهيز، وموثوقة، وتبيّن أن المياه عذبة، ونظيفة.
اقترح فريق العمل أن تؤمن الطاقة للبئر من الطاقة الشمسية لضخ المياه، وتمّ تجهيز غرفة خاصة بالمعدّات اللازمة للبئر، وهكذا كان، و"يجري حالياً تأمين المياه من البئر لمن يشاء، وقد حلّت مياه البئر مشكلة المياه لمئات العائلات، ويجري فحص نوعية المياه شهرياً في مختبرات الغرفة للتأكد من سلامتها"، كما قال الدبس.
عن المدى الذي ستبلغه المبادرة، وهل هي مستمرة، يقول: "نحتاج لبعض استراحة بعد عناء أكثر من سنتين، على أمل مواصلة المشروع لاحقاً ليطال أحياء أخرى لم نصلها في مبادرتنا الأولى".