لبنان: "كنز" طبيعي في مغارة الزحلان
تعد مغارة الزحلان في لبنان معلماً سياحياً قيد الإنشاء، حيث تتلألأ في باحة مدخلها الرئيسي الصواعد والنوازل، وتفترش جدرانها مساحات واسعة من الترسبات الكلسية المتدرجة الألوان من الأبيض الشفاف الى الزهري فالأحمر...
يزيد عدد المغاور في لبنان على 600 مغارة منها ما جرى الكشف عليها، ودخولها، ووضعها على خارطة الاهتمام السياحي- الاستثماري، مثل جعيتا، قاديشا، كفرحيم، الريحان، وجوف تنورين وغيرها، ومنها ما جرى رَصْدها، ولم يتمّ الدخول إليها نظراً إلى غياب الفرق، والجمعيات المُتخصِّصة بالموضوع.
ولرصد هذه المغاور والتعرّف إلى سياحة لبنانية داخلية مفيدة، لا بد من الاستعانة بما يقدّمه الناشط ومنظّم الجولات السياحية في لبنان وسوريا والأردن بودي معلوف، الذي أخذنا في رحلةٍ إلى شمال لبنان لمعاينة مغارة "الزحلان".
ومغارة الزحلان في سير الضنية كانت معروفة للسكان المحليين، والقرى المجاورة، وربما بانت فتحة مدخلها عن بُعد فاعتاد على رؤيتها كثيرون، يستثمرها أحد رجال الأعمال المحليين، والمسافة المُستثمَرة منها تبلغ 500 متر، وهي جزء يسير من عُمقها.
والمغارة 3 طبقات، وفيها نهر من الماء ينبع من المغارة، وكانت مأهولة منذ عشرات آلاف السنين استناداً إلى الأبحاث الجيولوجية والأنثروبولجية التي أجراها فريق علمي مُتخصِّص بإشراف "المجلس الوطني للأبحاث العلمية"، الهيئة الرسمية المستقلّة التابعة لمجلس الوزراء اللبناني، وأهم ما عُثِر فيها هو هياكل بشرية وحيوانية مُتحجِّرة، وبعد تحليلها تبيّن أن عمرها أكثر من 30 ألف سنة.
تقع وسط الضنّية في بلدة القطّين وتشكّل الشقيقة التوأم لمغارة جعيتا. تتمتع بالكثير من الردهات والتجاويف والشعاب والهياكل والقاعات التي نحتتها الطبيعة وتحولت الى سراديب افقية وعمودية. تتخللها المياه العذبة والمشبعة بالكلس التي تسربت إليها من مرتفعات بلدة سير وجبال الأربعين لتُشكل مع مرور الزمن عالماً من القباب والمنحوتات والأشكال والتكوينات العجيبة التي يقدر عمرها بملايين السنين.
وتعد مغارة الزحلان معلماً سياحياً قيد الإنشاء، حيث تتلألأ في باحة مدخلها الرئيسي الصواعد والنوازل، وتفترش جدرانها مساحات واسعة من الترسبات الكلسية المتدرجة الألوان من الأبيض الشفاف الى الزهري فالأحمر، وتتضمن غرفة كبيرة تحتوي على مجموعة من الأبواب الدائرية الشكل، كل باب يوصل الى قاعة جديدة تتشعب منها أبواب أخرى تتشابك فيما بينها، لتحافظ على نفس المشهد الذي يطغى عليه السجاد الكلسي المتدرج بألوانه.
وتتميز هذه المغارة من الخارج كما من الداخل، حيث تقع وسط جزيرة برية تحيط بها ثلاثة وديان يمر عبرها معظم أنهار الضنية وتتدفق منها ثلاثة شلالات من اتجاهات مختلفة.
وهي الآن قيد التأهيل من قبل الشركة العربية للسياحة والاستثمار التي تسعى إلى تحويلها إلى مشروع سياحي، بعد أن قام وفد من النادي اللبناني للتنقيب في المغاور بزيارها ورسم خريطة لها، ومنذ ذلك الوقت يتم اكتشاف المزيد من أعماق المغارة الأفقية وتجويفاتها، وهي عبارة عن شبكة متشعبة وواسعة من المغاور، وتحتوي على نبع كبير يخرج من إحدى فجواتها ويطلق عليه نبع الزحلان.
خلال العمل داخل المغارة عثرعلى بقايا بشريّة يقدر عمرها بثلاثين ألف سنة وأخرى حيوانية يقدر عمرها بخمسين ألف سنة وهي عبارة عن هياكل وجماجم متحجرة داخل الجدران من المرجح أن يعود تاريخ وجودها الى العصر الحجري كما تم العثور على بعض الفخاريات المحطمة الى جانبهم يعود تاريخها إلى نحو سبعة آلاف سنة بالإضافة إلى السكاكين وحراب صوان تعود لما قبل العصر البرونزي.
المكتشَف في هذه المغارة 3 طبقات: الطبقة المؤهلة للزوار، والمغارة السفلية الثانية، والمغارة السفلية الثالثة التي يخرج منها نبع الزحلان ويشكل نهراً، ومن الممكن أن تكون الأجزاء الثلاثة مغارة واحدة، تفصل بينها الردميات التي تكوّنت عبر الزمن حيث يمكن إزالتها مستقبلاً.
يلج الزائر المغارة من فتحة واسعة، ويعبر فيها ممراً اسمنتياً ضمن المسافة المستثمرة من المغارة التي تبلغ الـ 500 متراً، بينما المسافة الباقية فتعد بآلاف الأمتار لم يتم بعد تحديدها بدقة.
أما مشروع تأهيل المغارة والتجهيزات المرافقة لاستثمارها، فتتضمن جسراً معلّقاً، وقطاراً ناقلا للركاب بسبب شدة الانحدار وعمق موقع المغارة، وفيها شلالات، وفندق معلّق، ومتحف أثري تراثي.